مجلة وفاء wafaamagazine
تعود “قضية الكاسيت” من جديد إلى واجهة المشهد الداخلي التركي بعد 11 عامًا على الهزة التي أحدثتها، حين أجبرت زعيم حزب الشعب الجمهوري السابق، دنيز بايكال، على الاستقالة، عقب بث تسجيل مصور على شبكة الإنترنت قيل إنه يظهر فيه مع امرأة في غرفة نوم.
وشكّلت القضية المذكورة في ذلك الوقت أحد أكبر الهزات التي تعرض لها “حزب الشعب”، واعتبرت بمثابة الضربة القاسية لأحد أبرز منتقدي حزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس التركي الحالي، رجب طيب إردوغان.
وفي السنوات الماضية، كان هناك عدة روايات متضاربة بشأن تفاصيل القضية والأشخاص القائمين عليها، لتزداد اليوم واحدة، وجاءت في الساعات الماضية على لسان زعيم “المافيا” التركي، سادات بكر، عبر موقع التواصل “تويتر”، متهمًا أبرز المقربين من إردوغان بالمسؤولية عن الفضيحة التي تعرض لها بايكال.3
وزعم بكر أن عضو اللجنة الرئاسية للسياسات الاقتصادية، كوركماز قرجه، كان وراء نشر التسجيل المصور لزعيم حزب الشعب السابق، والذي اعتبر فاضحًا، بعد أن “أوكلت إليه مهمة تقديم الفتيات لبايكال” من أجل غايات مرسومة.
وتحدث بكر عن “الثراء الفاحش” الذي يعيشه قرجه في الوقت الحالي، مدعيًا أن ذلك أشبه بالمكافأة التي قدمها له الحزب الحاكم لقاء “الأفخاخ” التي سبق وأن أوقع فيها المعارضين، ومن بينهم بايكال، الذي خلفه في زعامة الحزب كمال كلشدار أوغلو.
“لا تعليق ودعوى قضائية”
وقبل إعلان استقالته على خلفية الفضيحة الجنسية، كان قرجه أبرز المقربين من زعيم المعارضة السابق، دنيز بايكال، لكنه ترك حزب الشعب فجأة، وانتقل إلى “حزب العدالة والتنمية”، لتبدأ هنا قصة دخوله في المواقع القيادية.
ولم يصدر أي تعليق من جانب قرجه حول مزاعم بكر، والتي كانت قد استهدفت في الشهرين الماضيين عدة أسماء بارزة، في مقدمتها وزير الداخلية، سليمان صويلو.
في المقابل، تحدثت وسائل إعلام تركية معارضة، الثلاثاء، أن دنيز بايكال سيرفع شكوى جنائية ضد سادات بكر، الأربعاء، “لقيامه بتقديم هذه المزاعم”.
“أخذ ورد”
وبالعودة إلى عام 2010، أي توقيت “الفضيحة” التي تعرض لها بايكال والمعروفة داخليًّا بـ”قضية الكاسيت”، فقد اتهم “حزب العدالة والتنمية” بأنه كان يعلم بأمر التسجيل الفاضح، والذي جرى تداوله على نطاق واسع على شبكة الإنترنت.
وقال بايكال في مؤتمر صحفي حينها إن “الأمر لا يتعلق بشريط فيديو. إنها مؤامرة”، مضيفًا: “مثل هذا النشاط غير القانوني الذي نفذ ضد زعيم حزب المعارضة الرئيسي ما كان يمكن أن يتم دون علم الحكومة”.
وتابع: “إذا كان لهذا ثمن وهذا الثمن هو الاستقالة من قيادة حزب الشعب الجمهوري فأنا مستعد لدفعه. استقالتي لا تعني الهرب أو الاستسلام. بل على العكس إنها تعني أنني أخوض المعركة”.
لكن إردوغان الذي كان حينها رئيسًا للوزراء نفى أي علم لحكومته بشريط الفيديو، واتهم بايكال بالسعي لاستغلال حياته الشخصية في تحقيق مكاسب سياسية.
وجاء حديث إردوغان آنذاك في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تستعد للدعوة إلى استفتاء عام على الإصلاحات الدستورية التي تهدف إلى إصلاح القضاء، وإخضاع أفراد الجيش للمحاسبة أمام المحاكم المدنية.
وأضاف: “لم أر تسجيل الفيديو بنفسي، ولكن بعد أن سمعت به بذلت قصارى جهدي لحذفه من جميع مصادر الإنترنت. السعي لإلقاء اللوم علينا نوع من الهذيان”.
“أكثر دقة”
لم تتوقف الأمور على ما سبق، بل تغير مجرى أحداث “قضية الكاسيت” بعد ذلك، ليتحول بايكال من أبرز أعداء إردوغان إلى أحد العناصر المساعدة له في عام 2015، بعد تجديد الانتخابات وعودته إلى الفوز بها.
وهناك تصريحات لبايكال تدعم التدخل العسكري في سوريا، ومؤخرا في ليبيا، معتبرًا أن ذلك “أمرا استراتيجيا وخطوة في المسار الصحيح”، ليكون بذلك الصوت المعارض الوحيد من بين جملة من أصوات المعارضة الرافضة لذلك.
مصطفى كمال أرديمول كاتب ورئيس تحرير سابق في صحيفة “جمهورييت” يرى أن ما يطرحه سادات بكر من قصص وروايات يشي بأن “الصراعات على السلطة قد بدأت في الظهور داخل حزب العدالة والتنمية”.
ويقول أرديمول في تصريحات لموقع “الحرة” إن الروايات السابقة التي تم تقديمها حول “قضية الكاسيت” كانت حقيقة أيضًا “لكن رواية بكر أكثر دقة”.
ويضيف الكاتب المعارض: “كان سيدات بيكر قريبًا جدًا من حزب العدالة والتنمية. لقد عمل معهم لسنوات عديدة”.
ويتابع: “لكن عندما اختارت الدولة مافيا أخرى، بدأ يخون شركاءه (سادات). هذه هي القصة كلها”.
“روايات مختلفة”
في المقابل،، هناك رواية مختلفة عما سبق، وكانت قد أوردتها صحف مقربة من الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية الحاكم.
في تشرين الأول 2017، نشرت صحيفة “حرييت” التركية تقريرا، تحدثت فيه عن قضية الإطاحة بالرئيس السابق لحزب الشعب الجمهوري، دنيز بايكال.
وذكرت الصحيفة أنه وبعد مرور سنة على حادثة الفيديو المسرب “الفاضح” وفي حين كانت تركيا على مشارف إجراء انتخابات عامة تكرر سيناريو مشابه لما حدث مع بايكال، لكن الضحية كانت حزب الحركة القومية.
وفي ذلك الوقت وبحسب ما رصد موقع “الحرة” تواترت شائعات على شبكة الإنترنت تداولها أشخاص مجهولي الهوية ويعتمدون أسماء مستعارة، أفادت بأن هناك عددا من أشرطة الفيديو التي تخص مجموعة من المسؤولين في حزب القوميين الأتراك سيتم نشرها عشية الانتخابات.
ودفعت تلك الحادثة 10 مساعدين لرئيس الحركة القومية، دولت باهشتلي، للاستقالة واحدا تلو الآخر.
وبينما اتهمت “حرييت” منظمة الداعية فتح الله غولن بالوقوف وراء نشر التسجيلات لكلا الطرفين (بايكال، أعضاء الحركة القومية) أكدت على ذلك صحيفة “يني شفق” المقربة من الحكومة.
وفي تقرير لها عام 2019 اتهمت “يني شفق” منظمة غولن بالوقوف وراء ما وصفته بـ”انقلاب الكاسيت”، وقالت إن السلطات التركية “اكتشفت كل من قام بالمكيدة ضد بايكال، حيث قامت منظمة غولن الإرهابية بتصفية البعض قبل أن يُكتشف أمرهم”.
“افتراءات.. غولن المتهم”
في غضون ذلك، كان لافتا الثلاثاء انتقادات وجهها نشطاء أتراك معارضون لزعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كلشدار أوغلو، بسبب عدم تطرقه للمزاعم التي قدمها سادات بكر بشأن “قضية الكاسيت”.
وخرج كلشدار أوغلو، الثلاثاء، أمام أعضاء حزبه، وتحدث عن عدة ملفات، بينها الجدل الدائر حول مشروع “قناة إسطنبول”، لكنه لم يتطرق إلى مزاعم بكر نهائيا، وهو الأمر الذي أثار غضب معارضين ضمن صفوف حزبه، وأثار أيضا عدة إشارات استفهام.
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي المقرب من الحكومة التركية، يوسف كاتب أوغلو، أن “المعارضة تحاول خلق أزمات وافتراءات لا تقوم على أي أدلة. القاعدة تقول إن من يفتري يجب عليه تقديم الأدلة وإحضارها”.
ويقول كاتب أوغلو في تصريحات لموقع “الحرة”: “هناك استهداف واضح للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان وحكومته مع اقتراب الانتخابات. الهدف الرئيسي زعزعة الثقة عند الناخب التركي والتركيز في التأثير على جيل الشباب”.
وبالنسبة لـ”قضية الكاسيت” يشير الكاتب التركي إلى أن المزاعم التي تفيد بأن العدالة والتنمية يقف وراءها هي “افتراءات كاذبة، لأن منظمة غولن كان متغلغلة في ذلك الوقت، ولديها خبراء مرتبطون بعلاقات ومصالح مشتركة مع حزب الشعب للانقلاب على إردوغان”.
ويضيف كاتب أوغلو: “التحالف كان قويا بين خبراء غولن وأعضاء حزب الشعب في محاولة الانقلاب الفاشل، ورأينا كيف أن الانقلابيين فتحوا الطريق أمام كمال كلشدار أوغلو للذهاب إلى منزل رئيس بلدية بكر كوي لمعرفة نتائج ليلة الانقلاب”.