مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله أوصيكم وأوصي بما أوصى به رسول الله أصحابه عندما قال: “أيها الناس إنه ليس من شيء يقربكم من الجنة ويبعدكم من النار إلا قد أمرتكم به؛ وليس شيء يقربكم من النار ويبعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه.. أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم.. أيها الناس، إنما المؤمنون إخوة، فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.. أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد”. إننا أحوج ما نكون إلى الأخذ بهذه الوصايا في حياتنا والالتزام بها، لنبني بذلك مجتمعا أراده رسول الله صحيحا يعيش السلام والأمان بين أفراده وتنوعاته، ويرى مقياس التفاضل لا يقوم على الأحساب والأنساب والأموال، بل بمقدار ما يقوم الإنسان بمسؤوليته تجاه ربه وتجاه مجتمعه وتجاه وطنه.. فنحن بذلك نعبر عن حبنا وولائنا له ونكون أقرب إلى سيرته ونهجه وما دعانا إليه.. وبذلك نكون أقوى وأقدر على مواجهة التحديات”.
اضاف: “البداية من الحكومة التي ينتظر منها اللبنانيون الكثير مما عليها القيام به على صعيد الداخل والخارج، فعلى الصعيد الداخلي ينتظر منها اللبنانيون أن تبدأ بإجراءات جادة وسريعة تضمن لهم تأمين احتياجاتهم من الغذاء والدواء والمحروقات والكهرباء، والحد من ارتفاع سعر صرف الدولار وأسعار السلع والمواد الغذائية والإسراع بمساعدة الطبقات الفقيرة، فيما ينتظر الخارج من الحكومة أن تقوم بإصلاحات جذرية للفساد المستشري في مؤسسات الدولة والهدر والترهل في قطاعاتها، وذلك عبر شروط صندوق النقد الدولي مع كل ما سينتج من ذلك من تبعات، حتى يساعد هذا البلد في ما يعاني منه على صعيد النقد. ونحن في هذا المجال، وفي الوقت الذي ندعو الحكومة إلى أن تقوم بالدور المطلوب منها، وأن لا تتلكأ عن القيام بواجباتها بحجة ضيق الوقت وقلة الإمكانات، نريدها أن تأخذ في قراراتها وخياراتها مصالح اللبنانيين وأن لا يكون البلد رهينة لأحد، رغم وعينا أن الطريق لتحقيق ذلك لن يكون سهلا ومعبدا، نظرا إلى حجم هذه المشاكل وتراكمها، وللتعقيدات التي ستواجه أي حلول لها، وللتجاذبات بين القوى السياسية سواء من داخل الحكومة أو خارجها، والتي ستزداد مع اقتراب الانتخابات حيث سيسعى من يتمثل داخل الحكومة للاستفادة منها لتحقيق مكاسب انتخابية أو لعرقلة ما يؤثر سلبا على هذا الصعيد، وسيعمل من هو خارجها على تفشيلها ليثبت موقعه وإثبات صحة قراره بعدم المشاركة أو مواجهتها”.
وتابع: “نعيد التأكيد أن هذه الحكومة قادرة على الإنجازات إن هي قررت أن تعمل كفريق واحد متجانس متكافل ومتعاون، وأبعدت نفسها عن المناكفات والصراعات السياسية والحسابات الانتخابية والمصالح الفئوية، وقررت أن تضع نصب أعينها مصلحة هذا البلد ورفع كاهل المعاناة اليومية عن إنسانه والإذلال الذي يتعرض له، وأخذت بالشعار الذي طرحته أنها “حكومة إنقاذ”. وعند ذلك لن يخذلها الناس وسيقفون معها في مسيرة الإنقاذ هذه، بل إنهم سيتحملون قراراتها القاسية”.
وقال: “في هذا الوقت، ستكون الحكومة أمام امتحان سيكون التعبير عن مدى جديتها وهو يتمثل بملف التعيينات في العديد من مواقع الدولة ومرافقها.. وهنا ندعو الحكومة إلى أن تقدم أنموذجا بديلا عما اعتدنا عليه في التعيينات التي غالبا ما كانت تأتي بمن هو أقرب إلى هذا الموقع السياسي أو ذاك، أو لهذه الجهة السياسية أو تلك، بأن يكون الأساس في ذلك الكفاءة أولا وآخرا.. حتى لو بقي الاعتبار الطائفي أو السياسي حاضرا.. ليكون ذلك مدخلا للتغيير المنشود الذي نتطلع إليه”.
اضاف: “في هذا الوقت، يستمر المصرف المركزي ومن خلال تعاميمه بسرقة أموال المودعين، تحت عنوان عدم قدرته على إرجاعها إليهم مستغلا حاجة اللبنانيين إلى سيولة نقدية بين أيديهم.. إننا ندعو الحكومة اللبنانية ومعها المجلس النيابي إلى اتخاذ كل الإجراءات التشريعية والتنفيذية التي توقف هذا النهب، ونقف في ذلك مع جمعية المودعين في ضغوطهم المسؤولة لإعادة الإيداعات إلى أصحابها وفي أقرب وقت”.
وعن الاعتداءات الصهيونية، قال: “إننا ننوه بتصدي المقاومة للاعتداءات المستمرة على السيادة اللبنانية عبر الطائرات المسيرة، وتنفيذ وعدها بإسقاط أي طائرة تخترق المجال الجوي اللبناني، والتي نرى أنها ستجعل هذا العدو يعيد النظر بحساباته في اختراق السيادة اللبنانية من الجو وفي مدى قوة هذا البلد”.
وتابع: “نبقى على الصعيد العربي، حيث نشهد أجواء إيجابية نأمل إن هي استمرت وتوسعت أن تساهم في تعزيز العلاقات العربية والإسلامية على كل الصعد وتزيل التوترات التي عبثت باقتصادات بلدانها وسياساتها وأمنها، ومن هنا فإننا نرحب سواء بعودة الحرارة إلى العلاقات بين الأردن وسوريا أو الحوار الذي يجري بين الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية، أو بما جرى بين العراق ومحيطه”.
وعلى الصعيد الفلسطيني، قال: “نحيي هذا الشعب الذي يستمر في تصديه البطولي للعدو الصهيوني ويقدم لأجل ذلك التضحيات الجسام. إننا نؤكد على الشعوب العربية والإسلامية أن تبقي هذه القضية حاضرة في الأذهان وندعوها إلى الوقوف في وجه كل سعي لإدخال العدو الصهيوني من باب التطبيع إلى قلب العالم العربي والإسلامي، والتي آخرها، ما جرى في أربيل وفي البحرين، ونقدر كل الأصوات الرافضة لذلك والمنددة بهذه الخطوة”.