مجلة وفاء wafaamagazine
عقدة المحقق العدلي تتقدم على غيرها ولا اضحية استرضاء للسعودية
رئيس الحكومة امام استحقاق «اتهام سلامة» وتسهيل التدقيق الجنائي
ابراهيم الأمين
في الظاهر والمعلن يريد نجيب ميقاتي عودة الحكومة إلى العمل فوراً. وهو يبدي حرصاً على تكثيف المساعي لتأمين انعقاد جلسة لمجلس الوزراء للبت في أمور كثيرة عالقة. لكن رئيس الحكومة يواجه أزمات متنوعة، ليس أكثرها تعقيداً ما يتصل بالمشكلة مع السعودية. بل قبل ذلك، والأهم، معالجة الملف القضائي الخاص بعمل المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ طارق البيطار، وملفات أخرى تتعلق ببرنامج عمل الحكومة للمرحلة المقبلة. في هذه النقطة، يعرف ميقاتي أن المهمة الوحيدة المتاحة أمامه اليوم تنحصر في توفير مناخات لا تعطي أحداً ذريعة لمنع حصول الانتخابات النيابية في الربيع المقبل.
وإذا كان الناس يقعون ضحية الضخ الإعلامي بحصر الأزمة الحكومية في ملف العلاقة مع السعودية، فإن ميقاتي يستخدم هذه الحجة أيضاً لجعل أمر انعقاد الحكومة غير مرتبط بمعالجة الملفات الأخرى الأشد تعقيداً. وفي هذا السياق، يتعامل مع الأمر بما يتجاوز إطلاق العجلة الحكومية، كونه يفكر بالمناخ السياسي المحيط بعمل الحكومة حيث بدأ الجميع خوض الانتخابات النيابية، ما يقود ميقاتي مرة جديدة إلى مواجهة الملفات العالقة وهي:
أولاً، التحقيق في جريمة المرفأ
يتوافق الرئيس ميقاتي مع الرئيس ميشال عون على عدم قيام مجلس الوزراء بأي خطوة مباشرة تؤدي إلى إطاحة القاضي البيطار أو تنحيته، أو التدخل مع مجلس القضاء الأعلى لإلزام القاضي بالتخلي عن «سلوكيات» يعتبر الفريق المعارض أنها تتسبب في تسييس للملف وتخدم أجندة سياسية داخلية وخارجية ضمن سياق الهجوم على الحلف الذي يقوده حزب الله. وعليه، دارت الاتصالات ولم تتوقف حول المخرج الممكن.
بداية، طرحت فكرة أن يبادر مجلس النواب إلى خطوة تجعل القاضي ملزماً بالعمل ضمن سقف محدد. استند أصحاب الوجهة هذه إلى المواد الدستورية التي أثارها الرئيس نبيه بري مع عون وميقاتي خلال لقاء الاستقلال، وقد سمع تفهماً وقبولاً من الرجلين بأن الدستور يوجب الفصل في الملفات. لكن بري لا يريد خطوة من جانب واحد، بل يريد تفاهماً يتيح انعقاد جلسة نيابية بنصاب واضح وتصويت واضح يجعل القرار واضحاً وحاسماً لجهة اعتبار المحقق العدلي غير مخول دستورياً لتولي ملف الرؤساء والوزراء كما فعل في ملف القضاة المشتبه في مسؤوليتهم عن الجريمة. ويبدو أن هذا الحل لن يسلك ما لم يقرر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل السير في العملية من خلال ليس تأمين نصاب الجلسة فحسب، بل التصويت أيضاً. إلا أن باسيل، الذي لا يعارض تسوية هذا الملف، لا يريد مراكمة تأثيرات سلبية على حملته الانتخابية، ويخشى انعكاس خطوة كهذه تراجعاً إضافياً في شعبية التيار. وحتى عندما طرح فكرة أن يؤمن تصويت بعض نواب التكتل لمصلحة هذه التسوية، تبين أنه اختار نواباً غير بعيدين أساساً عن «متناول» بري، كالنائب طلال إرسلان أو النائب العلوي في عكار أو النواب الأرمن، علماً أنه عُرض على باسيل أن يصوّت نواب تكتله ممن لن يترشّحوا في الانتخابات المقبلة، إلا أنه لا يزال رافضاً للفكرة. وهذا سبب كاف لرئيس المجلس لرفض الخيارات الأخرى التي تعيده إلى فكرة الهيئة الاتهامية. فيما يعتبر الفريق الساعي إلى التسوية، أنه في حالة الفصل في الملفات، سيكون الجميع راضياً. فلا يكون المطلوب إطاحة القاضي البيطار الذي يمكنه إكمال عمله وإنجاز القرار الظني (يقول إنه سيصدره قريباً وسيكون مفاجئاً لخصومه قبل حلفائه)، ومن ثم يتم تحويل الملفات بحسب الاختصاص. وحتى في حالة الموظفين الأمنيين، كاللواء عباس إبراهيم واللواء طوني صليبا، فإن الإذن بملاحقتهما لا يزال رهن تقديم أدلة كافية ما لم يحصل حتى الآن، خصوصاً أن البيطار لا يجد نفسه معنياً بطرح الأدلة أمام أي جهة.
ثانياً، سلامة والتدقيق الجنائي:
يتصرف رئيس الحكومة على قاعدة أن ملف حاكم مصرف لبنان لم يعد يحتمل المزيد من التسويف. صحيح أن حزب الله لم يعلن رسمياً دخوله معركة إطاحة الحاكم، إلا أنه لا يمانع مطلقاً استقالة سلامة أو إقالته. بينما تقدم التيار الوطني الحر خطوة إلى الأمام بدعوة سلامة إلى التنحي أو الحكومة إلى إبعاده. أما البقية، خصوصاً تحالف بري – جنبلاط – الحريري، ومعهم كارتيلات المصارف والتجار، فلا يزالون يرفضون الأمر. إضافة إلى الحصانة الأميركية التي تغطي الحاكم.
مع ذلك، يدرك ميقاتي أن محاولة عرقلة التحقيقات اللبنانية في «شبهة الفساد» المتعلقة بسلامة وشقيقه ومساعدين له، لن تمنع وصول المعنيين في النيابة العامة المالية إلى حد الادعاء عليه، وربما هذا ما عجل في محاولة تعطيل التحقيق، بما في ذلك طلب تنحية القاضي جان طنوس من قبل مصرف البحر المتوسط بحجة طلبه معلومات تخالف قوانين السرية المصرفية. ووسط حالة الانتظار، لم يتأخر ميقاتي في فتح باب الترشيحات والسؤال عن البدائل الممكنة، سواء بالتعاون مع الفرنسيين أو مع آخرين في لبنان، وهو يعي أن مهمة الحفاظ على سلامة أو إطاحته بند رئيسي أمام حكومته، فكيف والرئيس عون يريد العودة إلى ممارسة الضغط الأقصى في ملف التدقيق الجنائي، وهو ملف سيصيب سلامة أيضاً. ولا يبدو أن لرئيس الحكومة تصوراً لعلاج الأزمة.
ثالثاً، العلاقات مع السعودية
من يسمع رئيس الحكومة يتحدث حول ضرورة المبادرة إلى إقالة الوزير جورج قرداحي، قد يعتقد بأنه لا ينام الليل لأن محمد بن سلمان غاضب عليه وعلى لبنان. فيما يدرك الجميع، من ابن سلمان نفسه إلى ميقاتي وغيره، أن الأمر ليس على هذا النحو. لأن رئيس الحكومة «شخص غير مرغوب به» سعودياً، لا الآن ولا قبل عشر سنوات. وهو في نظر السعوديين «رجل سوريا وفرنسا»، ولن يُمنح ما لم يُعط لابن رفيق الحريري. بالتالي، فإن التركيز على معالجة الأزمة السعودية من بوابة تقديم الأضاحي وفق الطريقة الميقاتية لن يقود إلى حل. فلا وزير الإعلام جورج قرداحي ينوي الاستقالة، ولن يمشي أحد باقتراح تعديل وزاري يشمل إطاحة الرجل مع وزير للتيار الوطني الحر وثالث من حصة الثنائي الشيعي ورابع من حصة ميقاتي أو الحريري، لكي لا يبدو التخلص من قرداحي عقاباً شخصياً له أو ضربة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية. والمداولات حول هذه الفكرة لا تبدو جدية، خصوصاً أن أحداً غير مستعد لتقديم أربعة أضاح بهدف إرضاء السعودية من دون مقابل.
حتى الوساطة الفرنسية المنتظرة من زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الرياض ليست سوى تضييع للوقت، لأن الرئيس الفرنسي سمع ما يكفي من نصائح من عاملين معه بألا يورط نفسه في مهمة تعطل مشروعه لبناء علاقات جيدة مع السعودية، عدا أن أحداً لا يضمن أن فرنسا يمكنها الحصول على مقابل من السعودية. وقد كان هذا واضحاً في ما نُقل عن الفرنسيين بأن تسليفهم ورقة إقالة قرداحي قد يفتح فرصة لحوار مع السعودية، ما يعني أنه ليس في يد ماكرون أي ورقة قابلة للصرف. أضف إلى ذلك أنه عندما يجري الحديث عن دور فرنسا الحاسم في فك أسر الحريري عام 2017، يتبين أن ماكرون ما كان لينجح في مهمته لولا التشدد الرسمي اللبناني من الرئيسين عون وبري ومن خلفهما حزب الله، إضافة إلى صمود فريق الحريري في بيروت. والحال أن ماكرون نفسه يعرف أن ابن سلمان لا يضع لبنان على طاولة البحث مع فرنسا، بل يريد معالجة المشكلة مع الأميركيين حصراً، وهو لن يبيع خطوة من هذا النوع لغير الأميركيين. وفي حال تعذر ذلك، سيصعّد من معركته في لبنان ضد حزب الله على خلفية اتهام الحزب بالوقوف خلف هزيمة الرياض في حرب اليمن.
عملياً، يعرف ميقاتي أن مشكلة الحكومة ليست في مكان واحد، وأن مستقبلها ليس رهن قرارات محددة. فهو عاد من جولته الخارجية الأخيرة بضمانات دولية كبيرة تحثه على عدم الاستقالة لأن الخارج، وخصوصاً الأميركيين والأوروبيين وحتى الفاتيكان، يريدون ضمان حصول الانتخابات النيابية. بالتالي فإن ميقاتي الذي لم تسمه السعودية ولا تريده لا قدرة لها على إطاحته الآن، فكيف والمطلوب منه إجراء انتخابات يراهن الغرب على أن يفوز بها خصوم حزب الله والتيار الوطني الحر؟
الأخبار