مجلة وفاء wafaamagazine
كان ينقص الاشتباك السياسي بين «التيار الوطني الحر» وحركة «امل» امتناع رئيس الجمهورية ميشال عون عن توقيع مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب مع انتهاء العقد التشريعي الثاني للمجلس النيابي نهاية العام المنصرم، ليحتدم النزاع المباشر بين الطرفين.
لا شك في انّ اكثر المتضررين من امتناع عون عن التوقيع هم النواب الملاحقون قضائياً، لأنّ فتح دورة استثنائية سيعيد اليهم حصاناتهم، وهو الأمر الذي يفسّر ربما حماسة النائب «المُلاحق» علي حسن خليل للنزول شخصياً الى حلبة النزاع للردّ على الخطاب الناري لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، والذي تهجّم فيه هذه المرة على حركة «أمل» ورئيسها رئيس مجلس النواب نبيه بري وعلى خليل مباشرة، ولو أنّه تقصّد «إعلام الجارة لإسماع الكنّة»، في وقت رأى البعض انّ خليل تسرّع، مستبقاً مساعي التهدئة بين الطرفين، خصوصاً بعدما أشاعت الأوساط القريبة من الثنائي الشيعي، ضرورة الصمت المطبق وعدم التعليق على كلمة باسيل، قبل كلمة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، بدليل انّ نصرالله وبري، وبعد كلمتي عون وباسيل، أبديا استعدادهما للحوار خلافاً لغالبية التوقعات.
اما بالنسبة إلى تمنّع رئيس الجمهورية عن توقيع مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، فيرى البعض انّها خطوة يمكن إدراجها في خانة «حرب التواقيع» التي فُتحت على مصراعيها أخيراً بين مختلف الاطراف، بعد أن اعتبر فريق العهد انّ «التوقيع الشيعي الثالث» هو «سبب كل علّة»، بعد ان غدا المعرقل لغالبية مشاريع التيار الإنمائية والنفطية والكهربائية والأمنية والدستورية، ولهذا قرّر العهد مجاراة خصمه في لعبة التواقيع، وتحديداً في آخر معاركه، متمسكاً ومتسلّحاً بما تركه له اتفاق الطائف من صلاحيات في هذا المجال.
في الوقائع، تمنح المادة 33 من الدستور صلاحية مقيّدة لرئيس الجمهورية في هذا الإطار، أي هو مجبر على التوقيع، بمعنى انّه إما ان يكون المبادر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء الى توقيع مرسوم العقد الاستثنائي لمجلس النواب ويحدّد الرجلان التوقيت والبرنامج، وإما يتمّ الامر بطلب من اكثرية النواب، وهذا ما يعتزم بري طلبه من النواب، بحسب المعلومات المتوافرة. وبهذا الشكل تكون الصلاحية استنسابية. وبحسب النص الدستوري، عندما تكون هناك صلاحية استنسابية يصبح رئيس البلاد مجبراً على التوقيع.
أسئلة كثيرة مثيرة للجدل تُطرح في هذا السياق، ومن بينها من سيوقّع هذه العريضة؟ فهل سيوقّعها مثلاً «حزب الله» ويحرج عون، أم أنّه اكتفى؟ وماذا عن «القوات اللبنانية»، هل «ستمنح» القاضي بيطار اذناً لملاحقة النواب والوزراء بتمنّعها عن توقيع العريضة، ام ستوقّعها فتمنحهم الحصانة مجدداً ام سيكون توقيعها مشروطاً؟
عون غير ملزم بالتوقيع
بحسب خبراء دستوريين، فإنّ رئيس الجمهورية ليس ملزماً بالتوقيع إلّا اذا وقّع 65 نائباً، اي نصف أعضاء المجلس زائد واحد، على عريضة نيابية تطالبه بفتح دورة تشريعية استثنائية استناداً الى ما نصّ عليه الدستور. ومن جهة اخرى يتساءل البعض هل عون ملزم بتوقيع المرسوم الذي سيتيح للمجلس الانعقاد حتى منتصف آذار 2021؟
اوساط التيار ترى انّ العهد يجد نفسه مضطراً لمجابهة خصومه بالسلاح نفسه، من خلال تمنّع رئيس الجمهورية عن توقيع مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، للمقايضة اقلّه بانعقاد جلسات مجلس الوزراء.
فيما تفترض اوساط مراقبة، انّ «حزب الله» وبعد كلمة باسيل الاخيرة، لن يصعّد في مواقفه او خطواته التي لا تخدم التيار، خصوصاً بعد صفعتي مجلس الوزراء والمجلس الدستوري. ولذلك تفترض تلك الاوساط، انّ من الصعوبة في المرحلة الحالية ان يحرج «الحزب» عون ويوقّع العريضة النيابية التي تطالب بفتح الدورة الاستثنائية، ولذلك هو سيجد مخرجاً لعدم إحراجه.
من جهته «التيار الوطني الحر» ليس في وارد توقيع العريضة النيابية التي تطلب فتح دورة استثنائية، ما لم يفرج الثنائي الشيعي عن الحكومة وعودتها الى الانعقاد.
«القوات اللبنانية»
وقد يكون موقف حزب «القوات اللبنانية» الأبرز في هذه المعادلة، إذ تصفه الاوساط بـ»سيف ذو حدين»، فهو من جهة يريد التوقيع للتماهي مع صورته وللحفاظ على مسار العملية الدستورية الصحيحة في المرحلة المقبلة، ومن جهة اخرى يدرس خطوته جيداً. إذ انّ توقيعه العريضة معناه ايضاً عدم تمكّن المحقق العدلي طارق بيطار من إصدار مذكرات توقيف في حق رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزراء السابقين والنواب الحاليين حسن خليل، نهاد المشنوق وغازي زعيتر، لأنّ الحصانة النيابية ستمنع ملاحقتهم في حال كان مجلس النواب في حالة انعقاد. ولذلك تدرس «القوات» بدقّة خياراتها.
عقيص: هناك التباس
في السياق، يلفت النائب جورج عقيص لـ»الجمهورية»، الى نقطتين ملتبستين وغير واضحتين في المادة 33 وهما:
– ماذا يحصل في حال عدم توقيع الرئيس؟
– وهل يحتاج مجلس النواب دستورياً الى توقيع الرئيس عملياً لفتح الدورة الاستثنائية، أم لمجرد ان تطلب الاكثرية النيابية المطلقة (اي
لا جواب حاسماً على هذين السؤالين بحسب الدستور، في رأي عقيص، بل الامر يخضع للاجتهادات والتفسيرات»… لافتاً الى وجوب ان تتضمن العريضة النيابية توقيع 65 نائباً وليس 59 مثلما حصل في الجلسة النيابية السابقة، وذلك لعدم التذرّع بالأكثرية المطلوبة بالقانون…اما بالنسبة لموضوع الحصانة فهو مع التفسير الذي يقول، انّه عند صدور مذكرة التوقيف خارج دورة انعقاد مجلس النواب فعلى الأجهزة الامنية تنفيذها حتى ولو تمّ توقيع مرسوم فتح دورة استثنائية، بعكس التفسيرات المغالطة التي تعيد الحصانة للنائب عند انعقاد دورة استثنائية جديدة للمجلس، «بمعنى انّ النص واضح وأنّ القضاء لا يحق له ملاحقة النائب أثناء دورة الانعقاد او بتدبير، إنما هذا التدبير تمّ اتخاذه واستنفذ مفعوله عند القضاء وأصبح من الواجب تنفيذه».
«القوات» تشترط
في المقابل، كشف عقيص لـ»الجمهورية» عن موقف «القوات» من الحصانة، معلناً «أنّ الحصانة قد تكون السبب الذي يمنع «القوات» من توقيع العريضة النيابية، ولهذا فإنّها تدرس هذا الموضوع، وإذا تبين لنا انّ الهدف من فتح هذه الدورة يرمي فقط الى توفير الحصانات، فهي لن توقّع».
مضيفاً في المقابل، انّ «القوات» ترى انّه اذا كان هناك سبب للعقد الاستثنائي فهو لإمرار ثلاثة قوانين مهمّة على جدول اعمالها، واذا لم تتوافر هذه الشروط في الهيئة العامة للجلسة المنعقدة في العقد الاستثنائي، فإنّ «القوات» ستعيد النظر ولن توقّع العريضة، اي انّ موقف «القوات» من العريضة سيكون في حاجة الى دراسة سياسية قبل التوقيع.
وأبرز القوانين التي تشترط «القوات» إدراجها في جدول اعمال الجلسة: قانون استقلالية القضاء، قانون تمديد العمل بتعليق السرّية المصرفية خدمة للتدقيق الجنائي، تمكين المغتربين من التصويت بالهوية الرسمية، اي تذكرة الهوية او جواز السفر القديم.
ويؤكّد عقيص انّ توقيع «القوات» مشروط بتوفر هذه البنود والاولويات على جدول اعمال الهيئة العامة. «انما هو شرط غير كافٍ. فالموضوع بحاجة الى دراسة اكثر في السياسة».
الجمهورية