الرئيسية / آخر الأخبار / «الصندوق» ينتظر .. لبنان لم يجهز.. المجتمع الدولي ينصح .. موسكو لتوافق اللبنانيين

«الصندوق» ينتظر .. لبنان لم يجهز.. المجتمع الدولي ينصح .. موسكو لتوافق اللبنانيين

مجلة وفاء wafaamagazine

المنخفض الجوّي أخضع لبنان لعاصفة ضربت كلّ ارجائه ثلوجاً وامطاراً غزيرة وبرداً قارساً، لكنّها على قساوتها تبقى مؤقتة، يُنتظر أن تتراجع حدّتها في غضون أيام قليلة، وفق توقعات الأرصاد الجوية. إلّا انّ منخفض الأزمة الذي يُخضع لبنان لتفاعلاتها السياسية والاقتصادية والمالية منذ اكثر من سنتين، ما زال أفقه مفتوحاً على مزيد من التفاعل في الاتجاهات غير المحمودة، وخصوصاً انّ سحابة الإنقشاعات في سعر الدولار التي عبرت في أجوائه في الأيّام الأخيرة، ليست من الصلابة التي يمكن ان تجعلها أمراً يُعتد به أو يُبنى عليه، بل أنّ حدودها حتى الآن، لم تتخطّ المفعول التخديري المحصور فقط في سوق الصرف، من دون ان يلفح الكمّ الكبير من المطبّات السياسيّة وغير السياسيّة التي تقفل كل أبواب المخارج والحلول.

لا تفاؤل جديّاً
على الرغم من الارتياح الذي يبديه الجانب الحكومي حيال الإفراج عن الحكومة وإعطائها تأشيرة العودة إلى استئناف جلسات مجلس الوزراء، الّا انّ هذا الإرتياح باعتراف مصادر حكومية لـ«الجمهورية» لا يرقى الى التفاؤل الجدّي في إمكان سلوك مسار الانفراجات السريعة، في ظل التعقيدات المتشابكة المتراكمة على خط الأزمة قبل وخلال الاشهر الثلاثة التي تعطّلت فيها الحكومة. حيث اكّدت هذه المصادر عدم الإفراط في التوقّعات، فمسار العلاج طويل، والحكومة تبذل جهدها، وتقوم بالمقدور عليه بما يؤسّس للانفراج الموعود.


وقالت المصادر: إنّ من الخطأ تحميل الحكومة وزر التقصير في إنجاز مهمتها، فالتعطيل قيّدها لمدة ثلاثة أشهر، فضلاً عن انّ الأزمة التي تقاربها مزمنة وتشعباتها شديدة التعقيد، وليست وليدة الساعة لتكون المعالجات فورية وبسحر ساحر، ورئيس الحكومة قال من البداية انّه سيعمل بكل جهد لكنه لا يملك عصا سحرية، ما يعني تبعاً لذلك، انّ المعالجات تتطلب صبراً ونفساً طويلاً. وقبل كلّ ذلك، فإنّ الشرط الأساس لولوج مدار العلاجات، توفّر الإرادة الجدّية لدى جميع المكوّنات السياسية، والانحراف عن منطق الأنانيات والمكايدات العبثية.


من نقطة البداية
من هنا، فإنّ العمل الحكومي، كما تقول مصادر حكوميّة لـ«الجمهورية»، يُفترض أن يستأنف مساره اعتباراً من الاسبوع المقبل، من النقطة التي توقّفت عندها الحكومة في آخر جلسة عقدها مجلس الوزراء في 12 تشرين الأول من العام الماضي، أي من نقطة البداية تقريباً، علماً انّ مشروع الموازنة العامة للسنة الحالية قد بات في حكم البند الأساس في جدول اعمال الحكومة، وسط مؤشرات تفيد بأنّ وزارة المالية قد شارفت على إنجازه، ليحال الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة.
وإذ أكّدت المصادر الحكوميّة أنّ جدول العمل الحكومي في مرحلة ما بعد قرار حركة «امل» و«حزب الله» بعودة وزرائهما الى المشاركة في جلسات الحكومة، ليس مقيّداً بأيّ شروط، خلافاً للمواقف التي ذهبت في اتجاه تفسير ما ورد في بيان «الثنائي» على أنّه تقييد للحكومة بجدول أعمال محدّد. وبالتالي، فهو مفتوح بلا أي قيود. وقد أشار إلى ذلك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد لقائه الأخير برئيس الجمهورية العماد ميشال عون بقوله، انّ جلسة مجلس الوزراء التي قال انّه سيدعو اليها الأسبوع المقبل تتضمن الموازنة، والمواضيع الحياتية الملحّة. ومعلوم في هذا السياق، حساسية الرئيس ميقاتي حيال صلاحيات رئيس الحكومة المنصوص عليها في المادة 64 من الدستور، والتي تحصر فيه وحده صلاحية الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء، وكذلك تمنحه وحده صلاحية إعداد جدول أعماله وإطلاع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي يتضمنّها وعلى المواضيع الطارئة التي ستُبحث.

 


صمت رئاسي
وفي السياق ذاته، لوحظت برودة رئاسيّة حيال قرار «أمل» و«حزب الله» بإعادة وزرائهما الى المشاركة في جلسات الحكومة، حيث انّ القصر الجمهوري تجنّب إبداء أيّ موقف، مع انّ رئيس الجمهورية كان من أكثر الداعين وبشكل شبه يومي الى وقف التعطيل وعودة الحكومة الى الانعقاد.
ورجحت مصادر سياسية واسعة الإطلاع لـ«الجمهوريّة»، انّ الصّمت الرئاسي قد يكون تعبيراً عن امتعاض من مضمون بيان «الثنائي»، الذي قد يكون فُهم على أنّه انطوى على تحديد مسبق لجدول اعمال الحكومة، متجاوزاً في ذلك صلاحيات رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. وهو ما اشار اليه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل قبل أيام، بدفاعه عن صلاحيات رئيس الحكومة.
وتحدثت المصادر عينها عمّا سمّته تحفظّاً رئاسياً على موقف رئيس الحكومة الذي سارع الى الترحيب ببيان «الثنائي»، من دون ان يبادر الى دعوة مجلس الوزراء الى جلسة سريعة، وخصوصاً انّ عشرات البنود الملحّة تتطلب مقاربتها والبت فيها بصورة عاجلة، بل انّه ربط دعوته لانعقاد الحكومة بتسلّمه مشروع الموازنة، وذلك في خطوة بدت وكأنّها تنطوي على استجابة لموقف الثنائي. وهو الأمر الذي لم يكن صداه مريحاً في بعبدا.
وفي موازاة ما تردّد في بعض الاوساط السياسية عن أنّ هذا الأمر قد جرى التطرّق اليه في اللقاء الأخير الذي عُقد بين عون وميقاتي، استطلعت «الجمهوريّة حقيقة هذا الأمر، إلّا انّها لم تتلق أي تأكيد أو نفي سواء من الأجواء الرئاسيّة وكذلك الحكوميّة.


ورداً على سؤال، لم تشأ اوساط «أمل» و«حزب الله» التعليق على «برودة الموقف الرئاسي»، واكتفت بالقول: «لم نتوخّ من قرارنا الدخول في بازار السياسة وردود الفعل، فلقد قمنا بهذه المبادرة انطلاقاً من تحسّسنا بما بلغه الوضع وآثاره الشديدة السلبية على كلّ اللبنانيين».
اضافت: «لقد استجبنا لمطالب الناس، مع تأكيدنا على موقفنا الأكيد والثابت والنهائي من ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وانحراف المحقق العدلي طارق البيطار وتجاوزه الاصول الدستورية، ومعركتنا مستمرة في هذا الإتجاه حتى تصحيح مسار التحقيق نحو كشف الحقيقة.. وليس لدينا أي كلام إضافي على ما ورد في البيان».


الصندوق مؤجّل
من جهة ثانية، وفيما يُنتظر ان تسلك الموازنة العامة طريقها الى الحكومة في الساعات المقبلة، أوضحت مصادر معنيّة بالتحضيرات للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي لـ«الجمهورية»، انّ هذه المفاوضات باتت مؤجّلة ربما إلى ما بعد شباط المقبل، وخصوصاً انّ الجانب اللبناني لم ينجز بعد أوراقه التفاوضية.
ولفتت المصادر، الى إنّه على الرغم مما يُقال عن انّ توافقاً قد تمّ بين وزارة المال ومصرف لبنان على تحديد أرقام الخسائر لتصل الى نحو 70 مليار دولار، الّا انّ العائق الأساس لدى الجانب اللبناني يكمن في عدم الاتفاق حتى الآن على مسألة توزيع هذه الخسائر، إضافة الى الجانب السياسي وما يُحكى عن تحفظات تضعها بعض الأطراف، ولاسيما حيال تحديد مصير ودائع اللبنانيين، وهل سيتمّ المسّ بها أم ستُعاد إلى أصحابها. وكذلك ما يُحكى عن شروط تضعها أطراف أخرى ومن بينها «حزب الله»، الذي يخشى من ان يقترن برنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي بشروط سياسيّة تمس السيادة الوطنية.


وتبعاً لذلك، اعتبرت مصادر مالية من بلوغ اتفاق على برنامج تعاون بين لبنان وصندوق النقد الدولي يشكّل محطّة تفتح أمام لبنان آفاقاً دوليّة واسعة لمدّ يد المساعدة اليه، الّا انّه وحالة لبنان الراهنة، بالتخبّط السائد على خط إعداد خطة التعافي، وتجميع اوراق التفاوض مع الصندوق، يُخشى ان يكون الأمل ضعيفاً في بلوغ اتفاق مع الصندوق في المدى المنظور.
ولفتت المصادر، الى أنّ «الجانب اللبناني لم يتمكن حتى الآن من بناء الثقة الكاملة به لدى المؤسسات الدولية ومن بينها صندوق النقد، الذي ما زال ينتظر برنامج الحكومة منذ أشهر طويلة، الذي يفترض أن يتضمن القواعد الإنقاذية والإصلاحية الرامية الى علاج مستديم للأزمة في لبنان. والأهم من كلّ ذلك، ليس إدراج ذلك ضمن نصّ ورقي لعرضه على الصندوق، بل التأكيد المسبق لصندوق النقد بالتزام الجانب اللبناني الواضح بها، وكذلك التزامه الكامل بمتطلبات الصندوق».


مجموعة الدعم
إلى ذلك، أعلنت «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان» انّها «تأخذ علماً بالخطوات الرامية الى عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد»، مشدّدة على «ضرورة استئناف اجتماعات الحكومة في اقرب وقت».
وحضّت مجموعة الدعم «الحكومة على اتخاذ قرارات عاجلة وفاعلة لتدشين الإصلاحات والإجراءات الملحّة، بما في ذلك سرعة إقرار موازنة 2022 التي من شأنها ان تمهّد الطريق للتوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يكفل الدعم المطلوب لتجاوز الأزمات على مستوى الاقتصاد الكلي والمالية العامة».


كما دعت الحكومة الى «اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة وشاملة في ايار 2022 كما هو مقرّر، بما في ذلك من طريق تمكين هيئة الإشراف على الانتخابات من تنفيذ ولايتها».
وجدّدت المجموعة دعوتها الى «تحقيق العدالة والمساءلة عبر تحقيق شفاف ومستقل في انفجار مرفأ بيروت، وإلى ضمان احترام استقلال القضاء». وأكّدت «استمرارها في الوقوف الى جانب لبنان وشعبه».
الى ذلك، دعت بعثة الاتحاد الأوروبي والبعثات الديبلوماسية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في لبنان «الحكومة وجهات صنع القرار الأخرى» إلى «استعادة قدرتها على صنع القرار من دون مزيد من التأخير»، مشيرة إلى «أنّ هذا يتطلب، من بين أمور أخرى، استئناف الاجتماعات المنتظمة لمجلس الوزراء، من أجل التصدّي للأزمات الدراماتيكية التي يواجهها لبنان».
كما دعت، في بيان، «الحكومة وجهات صنع القرار الأخرى» إلى «أن تقوم، من دون مزيد من التأخير، وبما يتماشى مع إعلاناتها والتزاماتها المتكرّرة والثابتة، بإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، من شأنه أن يدعم إيجاد مخرج من الأزمات الاقتصادية الكلية والمالية التي تواجهها البلاد،» وإلى «أن تتخذ على الفور جميع القرارات والتدابير التي يلزم اتخاذها قبل إبرام هذا الاتفاق».
وحضّت البعثة «الحكومة وجهات صنع القرار الأخرى» على «اتخاذ جميع القرارات والخطوات اللازمة لتمكين هيئة الإشراف على الانتخابات من الاضطلاع بمهمتها، بما يتماشى مع إعلاناتها والتزاماتها المتكرّرة والثابتة، وعلى اتخاذ جميع القرارات والخطوات الأخرى لضمان عملية ملائمة تفضي إلى انتخابات نزيهة وشفافة تُجرى في موعدها المقرّر في عام 2022». وكرّرت الدعوة إلى إحقاق العدالة والمساءلة، عبر تحقيق شفاف ومستقل في أسباب انفجار مرفأ بيروت واحترام استقلال القضاء ومبدأ فصل السلطات من جانب صانعي القرار اللبنانيين.

 

لافروف يستقبل جنبلاط
من جهة ثانية، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أنّ وزير الخارجية سيرغي لافروف استقبل أمس الاول الثلاثاء رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» اللبناني وليد جنبلاط في مقر الوزارة في موسكو. ووفق بيان للخارجية الروسية، انّ اللقاء تخلّلته مناقشة تطورات الوضع في لبنان بالتفصيل، وفي الوقت نفسه الإعراب عن القلق حيال الأزمة الاجتماعية – الاقتصادية العميقة الحاصلة في لبنان.
وجدّد الجانب الروسي تأكيد موقفه الثابت الداعم لسيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه، كما على ضرورة حل القضايا المستعصية على الأجندة الوطنية على أساس التوافق المتبادل بين القوى السياسية اللبنانية حصراً وفق القانون ودون أي تدخّل أجنبي.
وفي ما يخص أوضاع منطقة الشرق الأوسط، شدّد لافروف على التزام روسيا الثابت بتحقيق تسوية شاملة ومستدامة للنزاعات الإقليمية، من خلال الوسائل السياسية والديبلوماسية وفقًا للإطار القانوني الدولي، مؤكّداً إيلاء اهتمام خاص لمسألة تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، والذين يوجد أكثر من مليون منهم في لبنان.
كما تمّ التطرّق إلى بعض الجوانب الموضوعية للتعاون الروسي- اللبناني متعدّد الأوجه.
واشار البيان أيضاً، الى انّ الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي لمنطقة الشرق الأوسط والدول الأفريقية ونائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف، أجرى أيضاً مشاورات معمقّة مع جنبلاط في وزارة الخارجية الروسية.


يُشار إلى أنّه حضر إلى جانب جنبلاط، السفير اللبناني في روسيا شوقي بو نصار، والقيادي في «الحزب التقدمي الإشتراكي» الدكتور حليم بو فخر الدين.

 

 

 

 

 

الجمهورية