مجلة وفاء wafaamagazine
أحدهم، اخترع «فرماناً» قبل سنوات، يقضي بمنع إدخال مكبّرات الصوت إلى ملاعب كرة القدم في لبنان. جاء ذلك في الوقت الذي بدأ فيه انتشار «الألتراس» وازدياد عدد المشجعين. الهدفُ كان نبيلاً، أساسه الحدّ من رفع صوت الشتائم وخاصةً في المباريات التي تُنقل تلفزيونياً. بعيداً عن النقاش حول مسألة «أخلاقية» السُّباب في التشجيع، لم ينجح «الفرمان» في الوصول إلى المسعى. المشجعون يقفون إلى جانب بعضهم البعض دائماً. يكفي أن يسمع أحدهم «الرديّة» حتّى يُكملها، وهكذا دواليك. هذا الـ«أحدهم» مُتكاثرٌ في اللعبة، وبعدما غُيّب الجمهور عن الملاعب لأكثر من سنتين، وحُدّ من حضوره، عمداً، بات «كتم» الصوت افتراضياً، عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كثيرةٌ هي الأندية التي صارت تعتمد هذه الخاصيّة، لكن النجمة، أصبح السبّاق فيها.
يتفنّن، أياً من كان مسؤولاً عن إدارة صفحة نادي النجمة على فايسبوك (وبالمناسبة، لا يوجد موقع إلكتروني لأكبر نادٍ جماهيري في لبنان، ولا حسابات ناشطة على أي منصة تواصل اجتماعي أخرى)، بالقمع. يزيل التعليقات التي تنتقد الإدارة، أو الفريق، أو اللاعبين، أو الأداء، أو الجهاز الفني. أي نقدٍ عموماً. ويُبقي تعليقات المشجعين الداعمين. يضطر، غالباً، وخاصةً في الآونة الأخيرة، إلى «كتم» الصوت. يمنع التعليق نهائياً. يعلم مُسبقاً أن الجمهور لم يعد يسكت عن حال النادي، وسيستغل أيّ خبر يُنشر لإبداء رأيه. رهابٌ من «الـ 1%» من جمهور النجمة غير الداعم للإدارة. يضطر، المسؤول الإعلامي إلى التدخّل أكثر حين يُصبح غير قادرٍ على السيطرة، فيلجأ إلى حظر المتابعين. هؤلاء، هم مشجّعو النجمة. ليسوا من روّاد المنصّة الرئيسية في الملعب. أولاد المدرجات. هم الذين تصدح أصواتهم في الملاعب والشوارع تشجيعاً لناديهم. هؤلاء، وحدهم، يُبقون هذا الكيان قائماً على الرغم من كل التخبّط الذي يعيشه إدارياً. يطرد الجمهور من ناديه، افتراضياً. لا يعمل أيّاً كان مسؤولاً عن صفحة نادي النجمة «من راسه»، لكنه يقبل بهذا «القمع»، وعليه، يتشارك المسؤولية.
أحد الأمور التي أغضبت الجمهور حظر التعليقات على الصفحة الرسمية في فايسبوك
يسأل جمهور النجمة عن مشروع الإدارة بعد خمس سنوات على بداية ولاية الإدارة الحالية. أي مشروع من المشاريع العديدة التي وُعدوا بها، من بينها، خطة تأمين تمويل ثابت للفريق تصل قيمته إلى 3.5 ملايين دولار سنوياً، بدءاً من عام 2018، كانت تعتمد على نقاطٍ عدّة، إحداها إنشاء تطبيق إلكترونيّ خاصٍ بالنادي. الإدارة أشارت حينها إلى أن هذا التطبيق «سيقدّم خدمة الخبر العاجل المتعلق بنادي النجمة ونجومه ونشر فيديوات خاصة وحصرية مع نجوم النادي ومشاهدة بداية كل مباراة للفريق ونهايتها ونشر إحصاءات كاملة عن المباريات»، بمقابلٍ بسيط من المشتركين. وفقاً لحسابات الإدارة حينها، 20 ألف مشترك، سيغذّون صندوق النادي بنحو 480 ألف دولار (قبل الأزمة الاقتصادية). لم يُبصر التطبيق النور، وهو أساساً، من المفترض أن يُربط بموقعٍ إلكتروني، وأن يكون للنادي حسابات ناشطة على جميع وسائل التواصل الاجتماعي. هناك، حيث تُقمع آراء الجمهور.
لا يُدرك النجمة، وغيره الكثير من الأندية اللبنانية، بل جميعها ربما، أن السوشال ميديا منجم ذهبٍ لها في عصر التطوّر الرقمي. هي قادرة على الترويج لعلامةٍ تجارية والحصول على رعاة والوصول إلى دوائر أكبر من الجمهور، وبيع بضائعها الخاصة ــــ إن وجدت ــــ والتفاعل مع المشجعين والتقرّب منهم، وهؤلاء بدورهم، يدعمون الأندية بشتى الوسائل. تشير الإحصاءات، إلى أن تفاعل الجمهور، يأتي غالباً مع المنشورات المحفّزة قبل انطلاق المباريات، والصور القديمة العائدة لنجومٍ سابقين أو أحداثٍ تاريخية، ومقاطع الفيديو التي تُقدّم للمشجعين ما هم غير قادرين على مشاهدته في المباريات، داخل أجواء النادي أو حافلة الفريق أو صالة التمارين أو الملعب حتّى، إلى جانب السماح بالنقاشات والأخذ برأي المتابعين أو المزاح معهم. كل هذه المنشورات يتفاعل معها الجمهور أكثر من «الرسميات»، المعتمدة على نشر تشكيلة الفريق ومتابعة النتيجة والأخبار العامّة وغيرها. وكل ذلك يترافق مع إدارة سليمة للحسابات، ترتكز على وجود أرشيفٍ خاص ــــ تفتقده معظم الأندية في لبنان، حتّى للأحداث التاريخية ــــ وغرافيك وتصوير ومونتاج وتحرير، وتحرّر أيضاً من سُلطة إدارة النادي، وضرورة استيعابها طريقة العمل وعدم تدخّلها إلا في وضع الحدود. هذا لا يُمكن تحقيقه، طالما أن التعليقات مُغلقة، والجمهور ــــ أو ما بقيَ منه ــــ غير قادرٍ على التفاعل.
قدّمت وسائل التواصل الاجتماعي مساحة رأي لجميع المستخدمين. هم ليسوا بحاجةٍ إلى التعليق على صفحةٍ معيّنة لإبداء آرائهم، لكنّهم يشعرون بالانتماء إلى كياناتٍ تمثّلهم، ويُفضّلون التفاعل مع من يُشبههم، وينتظرون، من المسؤولين عن هذه الكيانات، أن يسمعوهم.