الثلاثاء 10 كانون الأول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
الوقائع التي أحاطت بالملف الحكومي، وأسقطت مجموعة من الضحايا على ملعب التكليف، بدءاً من نواف سلام الى محمد الصفدي الى بهيج طبارة، الذي أخرج نفسه من هذه اللعبة، وصولاً الى سمير الخطيب، أعادت توجيه بوصلة التكليف نحو الرئيس سعد الحريري. والاسبوع الفاصل من الآن وحتى الموعد الجديد للإستشارات النيابية الملزمة الإثنين المقبل، متوقّف فيه الحسم على موقف الحريري لناحية تأكيد استعداده لتولّي رئاسة الحكومة، والذهاب الى حكومة توافقية مع سائر الأطراف، تكون بحجم المرحلة ومتطلباتها وتلبّي مطالب الحراك الشعبي، وفي جوهرها توحي بالثقة للداخل والخارج، أو لناحية البقاء على انكفائه وتبنّي شخصية سنية جديدة، يحصّنها جلياً بالغطاء الجدي سياسياً وسنياً، لا أن تتحول هذه الشخصية «كبش تكليف» كمَن سبقها.
سقوط الدورة الاولى من الاستشارات الملزمة، يضع جميع الاطراف المعنية بالملف الحكومي مجدداً بعضها أمام بعض، في جولة مشاورات تؤشّر أجواء الاطراف جميعها، الى أنها ستكون مكثفة، ونقطة البداية فيها، وعلى ما يقول مرجع سياسي معني بالملف الحكومي لـ«الجمهورية»، يفترض أن تنطلق من حسم موقف الحريري، لجهة تأكيد ترشيحه من عدمه، على ان تمضي المفاوضات بعد ذلك في أي من الاتجاهين، وذلك لكي لا نقع مجدداً في دوّامة الغموض والمراوحة التي حكمت المفاوضات السابقة، وأسقطت المرشحين لرئاسة الحكومة الواحد تلو الآخر.
وعلمت «الجمهورية» انّ حركة الاتصالات قد بدأت بالفعل في الساعات الماضية، وتركزت في جانبها الأساسي بين عين التينة و»بيت الوسط»، حيث سجّلت الساعات الماضية أكثر من اتصال بين الحريري ووزير المال في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل، الذي أكد لـ«الجمهورية» انّ «الاسبوع الفاصل عن استشارات الاثنين ينبغي ان يشكل فرصة لجمع الاطراف، لبلورة حلول ومخارج قبل الاثنين، بما يجعل الاستشارات الملزمة تسلك مسارها الطبيعي والايجابي نحو التكليف السلس، يليه فوراً تأليف حكومة تواجه الازمة الراهنة، وتضع لبنان على السكة الانقاذية».
وبحسب المعلومات، فإنّ لقاء وشيكاً سيعقد بين الحريري و»الثنائي الشيعي»، فيما كان خط التواصل مفتوحاً في الساعات الاخيرة بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر». وعلى رغم من حال عدم الانسجام الظاهر بين تيار «المستقبل» و»التيار الوطني الحر»، تحدثت المعلومات عن بدء محاولات لعقد لقاء بين الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل. إلّا أنّ مصادر «بيت الوسط» أكدت لـ«الجمهورية» انها لا تملك اي معطيات حول هذا الأمر.
أي حكومة؟
الى ذلك، يبدو من المواقف المعلنة أنّ شكل الحكومة المقبلة، ما يزال محل تباين حاد بين الاطراف المعنية بالملف الحكومي. إلّا انّ مصادر معنية مباشرة بحركة الاتصالات اكدت لـ«الجمهورية» الآتي:
أولاً – انّ جميع الاطراف، وبمعزل عن مواقفها العلنية، باتت مسلمة بأن لا إمكانية للسير بحكومة تكنوقراط في لبنان. اذ انه لن يكون مجال في لبنان لمثل هذه الحكومة، وخصوصاً في ظل تركيبته السياسية والطائفية، وايضاً في ظل أزمة خانقة تتطلّب حكومة تمتلك القدرة على الانقاذ، وتكون محصّنة سياسياً ومن اختصاصيين. وبالتالي، انّ تركيبة لبنان لا يمكن ان تراعى الّا بتشكيل حكومة تراعي بدورها تركيبته السياسية والطائفية، وكذلك في ظل الظروف الراهنة، لا بد من أن تراعي الحراك الشعبي ومطالبه، وان يكون شريكاً في هذه الحكومة. خلاصة الامر انّ الحكومة المقبلة هي حكومة تكنو- سياسية.
ثانياً – إنّ عدداً من السفراء طرحوا جملة تساؤلات امام بعض المسؤولين اللبنانيين حول معنى حكومة «تكنوقراط»، وتقاطع موقف بعض هؤلاء السفراء الاوروبيين مع موقف مسؤول أممي كبير، بأنّ هذا النوع من الحكومات نادراً ما يُلجأ إليه في أي دولة في العالم، خصوصاً انه أثبت فشله، ولا يستطيع ان يواكب أو يتصدى لأيّ أزمة، فكيف مع أزمة مستعصية كالتي يشهدها لبنان؟
ثالثاً – بات الجميع مسلّماً أنّ الحل الأنجع للبنان في هذه المرحلة، يأتي مع تشكيل حكومة مختلطة من سياسيين واختصاصيين، على أن تضمّ مجموعة من أصحاب الخبرات، توحي بالثقة للبنانيين، والمحتجّين منهم على وجه الخصوص، وتستعيد ثقة الخارج، وهنا يكون امتحانها الكبير، أي امتحان استعادة الثقة، ونقل لبنان من واقع أسود الى واقع الانتعاش.
رابعاً – ثمة فكرة مطروحة حالياً ولكن من دون ان تحسم بعد، وتفيد أن يُصار الى تشكيل حكومة أقطاب مصغّرة تكون بمثابة حكومة طوارئ إنقاذية تنتشل البلد من عمق الهاوية الساقط فيها حالياً.
الوقت ثمين
في هذه الاجواء قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري «انّ الازمة تضغط على لبنان في كل مفاصله، وكما سبق وقلت انّ البلد لم يعد يتحمّل لأسابيع قليلة هذا الوضع الخطير. الوقت اكثر من ثمين، وصار المطلوب بإلحاح حكومة تبدأ مسيرة الانقاذ. وهذا يتطلب بالدرجة الاولى أن تُزال كل الموانع والتعقيدات من طريق تأليف الحكومة الذي يجب ان يكون في منتهى السرعة».
وفي هذا السياق، جاء موقف كتلة «التحرير والتنمية»، بعد اجتماعها في عين التينة أمس برئاسة بري، التي أكدت ضرورة الاسراع في تأليف الحكومة للتركيز على معالجة الاوضاع المعيشية والامنية والوضعين المالي والمصرفي، مشدّدة في الوقت نفسه على وجوب ان تتحمل حكومة تصريف الاعمال كل مسؤولياتها الى حين تأليف حكومة جديدة.
وإذ لاحظت الكتلة «إيجابيات» دولية حيال لبنان، دعت الى «ملاقاة هذه الاجواء الايجابية الدولية بالتسريع في تأليف الحكومة ومعالجة الاوضاع المعيشية».
وعلم في هذا الاطار، انّ هذه الايجابيات عكستها حركة الموفدين الغربيين الى بيروت في الآونة الاخيرة، وبعضهم التقى بري، ونواباً من كتلة «التنمية التحرير». وتضمنت تأكيداً لاستعداد المجتمع الاوروبي لتقديم المساعدة للبنان للخروج من أزمته، مع حرصهم على استقراره السياسي والاقتصادي.
ولعل العلامة الايجابية الاساس، تَجلّت في الاجتماع حول لبنان، التي دعت فرنسا الى انعقاده غداً في باريس. وقد أعرب بري عن ارتياحه الى هذا الاجتماع، ووصف الخطوة الفرنسية بالبالغة الايجابية، وانها تنمّ عن حرص واضح على لبنان، وقد عَلّق على ذلك بقوله: «مع الأسف، الخارج أحرص على لبنان من اللبنانيين أنفسهم».
وكان موضوع اجتماع مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان، المقرر عقده في باريس غداً، محل تداول بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والمنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، حيث أعرب رئيس الجمهورية عن ارتياحه لانعقاد هذا المؤتمر، آملاً في أن تُسفر عنه نتائج تترجم عملية الدعم الذي تظهر الدول الاعضاء في المجموعة حيال لبنان، خصوصاً في الظروف الاقتصادية الدقيقة التي يمر بها.
مجموعة الدعم
وربطاً بالاجتماع، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان أمس، أن فرنسا الحليف التقليدي للبنان تستضيف في باريس غداً الاربعاء «اجتماع عمل» دولي مخصّص له، بغية مساعدته على الخروج من الأزمة السياسية.
وأفاد البيان انّ اجتماع مجموعة الدعم الدولي للبنان الذي تتشارك في رئاسته فرنسا والأمم المتحدة، «يجب أن يتيح للمجتمع الدولي الدعوة إلى تشكيل حكومة فعّالة وذات صدقية سريعاً، لتتخذ القرارات اللازمة لإنعاش الوضع الاقتصادي وتلبية التطلعات التي يعبّر عنها اللبنانيون». وأضاف: «إنها مسألة تحديد المطالب والإصلاحات التي لا غنى عنها المتوقّعة من جانب السلطات اللبنانية، حتى يتمكّن المجتمع الدولي من مرافقة لبنان».
جرثومة الفساد
الى ذلك، وفي موازاة المطالبات الدولية بحكومة لبنانية توحي بالثقة، وكذلك العناوين التي طرحها الحراك الشعبي منذ 17 تشرين الاول الماضي، أعلن رئيس الجمهورية انه «في اليوم العالمي لمكافحة الفساد، سنظل نعمل بكل ما أوتينا من جهد وطاقة للقضاء على جرثومة الفساد الخبيثة التي نَخرت عافية الوطن ومؤسساته وذهنيات الكثيرين وممارساتهم في مختلف الشرائح والمواقع والطبقات، ونريد للنزاهة ان تصبح نهجاً وثقافة للصغار والكبار وطريقة حياة».
وأيّد مرجع سياسي كلام عون مُشدداً، عبر «الجمهورية»، على «ضرورة إعلان الحرب على الفساد». وقال: «العالم يأخذ علينا كثرة الكلام، ويوجّه الينا انتقادات لاذعة، وبعض الموفدين الاجانب قال لنا صراحة: نسمع منكم كلاماً كثيراً لكننا لم نرَ ترجمة لهذا الكلام حتى الآن. حتى في موضوع «سيدر» كان لبنان هو المقصّر الوحيد، حيث قطع على نفسه وعوداً لكنه لم يترجمها، بل تهرّب منها، من دون أي تبرير». وبناء على ذلك، يقول المرجع «انّ علينا ان ننقذ بلدنا وأنفسنا، العالم يريد ان يساعدنا، فلنساعد أنفسنا بتشكيل حكومة نظيفة تجعل البلد على اسمها. ولو أننا بادرنا الى الاصلاح لكنّا وفّرنا على أنفسنا الكثير، ولكان الاحتقان الشعبي في البلد اقل بكثير مما هو عليه الآن. كانت امامنا ورقة إصلاحية، أعدّيناها في قصر بعبدا، ومع الأسف تجاهلناها بلا أي سبب، ولو اننا طبّقنا بنداً وحيداً منها، لكان الوضع اختلف وهدأت خواطر الناس، والحراك».
ورداً على سؤال قال المرجع: «الفرصة لم تذهب بعد أمام الحكومة، سواء حكومة تصريف الاعمال او الحكومة التي ستتشكّل، لديها الكثير لتقوم به… المهم ان تملك الارادة والفعل».
إجتماع باريس… معنوي
من جهة ثانية، وعلى رغم انّ قرار مجموعة الدعم الدولية عَقد اجتماع لها في باريس غداً الاربعاء للبحث في الوضع المالي والاقتصادي في لبنان، بناء على طلب رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري، أنعشَ الآمال بالحصول على دعم مالي يحتاجه البلد بإلحاح في هذه الحقبة الصعبة، إلّا انّ المؤشرات التي توفّرت لا توحي بأنّ لبنان سيحصل على مراده.
ومن خلال رصد الاجتماع من حيث الشكل، تبيّن انّ لبنان سيوفد للمشاركة وفداً رسمياً يضمّ كلّاً من المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني، والمدير العام لوزارة الخارجية والمغتربين هاني الشميطلّي، وهازار كركلا مستشارة الحريري.
ومن خلال غياب مشاركين على المستوى الرئاسي أو الوزاري، تقلّصت الطموحات الى مستويات دنيا، وصار مأمولاً في أحسن الظروف الحصول على ما يشبه المساعدات الإنسانية، والحصول أيضاً على دعم معنوي مفاده أنّ لبنان ليس منسيّاً لدى الدول الصديقة.
وفي السياق، أشار النائب ياسين جابر لـ«الجمهورية» الى انّ اجتماع الغد «هو للتذكير ولتأكيد استمرار اهتمام مجموعة الدعم الدولية بلبنان وانها لن تتخلّى عنه، وفي الوقت نفسه لتأكيد ضرورة أن يسير لبنان في المسار الذي يسمح للمجتمع الدولي ويُمَكّنه من مساعدته ودعمه من خلال تأليف حكومة جديدة، والسير في الاصلاحات والاجراءات المطلوبة».
وعن أزمة تعذّر فتح اعتمادات لاستيراد المواد الاساسية، قال جابر انّ «الحريري يسعى الى فتح خطوط ائتمان مع دول مثل السعودية وفرنسا وروسيا ومصر وتركيا والصين وإيطاليا والولايات المتحدة، من أجل تأمين استمرارية الأمن الغذائي والمواد الأولية للانتاج لمختلف القطاعات».
البنزين أيضاً وأيضاً
وفي ملف المحروقات، سُجّل أمس خرق على مستوى اختراق كارتل النفط المسيطر على استيراد البنزين، من خلال نجاح المناقصة التي أجرتها وزارة الطاقة لاستيراد ما نسبته 10% من حاجة السوق المحلي كخطوة أولى. لكنّ فوز شركة يرتبط أصحابها بعلاقات خاصة مع سياسيين نافذين وأصحاب سلطة، بعد فَض العروض، نغّصَ الفرحة، ودفع الى طرح علامات استفهام حول شفافية المناقصة. وعلى رغم انّ الشركة الفائزة بالمناقصة أصدرت بياناً نفت فيه علاقاتها بالسياسيين وأكدت نزاهة المناقصة وفوزها النظيف بها، إلّا انّ ذلك لم يمنع استمرار التساؤلات المشروعة حول تلك المصادفة التي أدت الى هذه النتيجة التي كان يراهن كثيرون على حصولها مسبقاً، قبل فض العروض.
الى ذلك، برزت معطيات تفيد أنّ أزمة المحطات قد تعود الى الواجهة، خصوصاً بعد البيان التحذيري الذي أصدرته نقابة أصحاب المحطات، والتي أكدت انّ شركات نفطية لا تلتزم الاتفاق الذي رَعته وزارة الطاقة، وتمتنع عن تسليم المحروقات الى المحطات بالشروط التي نصّ عليها الاتفاق.
الجمهورية