الجمعة 13 كانون الأول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
الفوضى، ولا غيرها، مستمرّة في العراق، مع ما يرافقها من أعمال قتل تصبغ «أرض السواد» بالدم. وكأن البلاد لا تزال تنقصها حفلات إجرام لتتصدّر قائمة أكثر الدول دموية في السنوات العشر الأخيرة. ما جرى أمس في «ساحة الوثبة» يعكس مخزون عنف مهول، تُرجم في لحظة غياب متعمّد للدولةبغداد | قبل أيام، احتفل العراقيون بالسنوية الثانية لـ«الانتصار العظيم» على تنظيم «داعش». كان ظنّهم أن العنف الذي رزحت تحته البلاد طوال أعوام لن يعود. كان أملهم أن مشاهد الدم والنار والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وسبي النساء وقطع الرؤوس ولّت إلى غير رجعة. لكن أملهم بتمزيق تلك الصفحة السوداء من ذاكرتهم الجمعية يبدو أنه يتبدّد. إذ تعود الأحداث التي يشهدها العراق اليوم لتكشف عن بعد إجرامي دفين في شخصية البعض، سواء من المنتسبين إلى الدولة أو من المتظاهرين، الذين بدا غريباً أنه حتى دعاة السلمية منهم لا يمانعون مشاهدة السحل والقتل، وتبريرهم بالقول إن الضحية «مندسّ». بات اللفظ الأخير شماعة لتصفية الحسابات، في ظلّ غياب متعمّد للدولة عن ضبط ما يجري في الشارع، بدعوى أن لا قرار بذلك ولا قدرة عليه.
ساحة الوثبة وسط العاصمة بغداد شهدت، أمس، حفلة إجرامية مجنونة. هيثم علي إسماعيل (مواليد 2003)، الذي لا يتجاوز عمره الـ 18 عاماً، ذُبح وعُلّق على عمود إنارة كهربائي، على مرأى ومسمع من مئات الشبّان والشابات، الذين تفاخر بعضهم بالتقاط صور «السلفي» مع ذلك المشهد. مبرّر القتل الذي روّجه البعض هو أن الضحية ينتمي إلى «أحد فصائل المقاومة»، ومتهمٌ بقنص المتظاهرين وقتلهم. لكن معلومات حصلت عليها «الأخبار» تفيد بأن شجاراً وقع بين الضحية ومجموعة متظاهرين اتخذوا محيط منزله بقعةً لإشعال الإطارات (تقع ساحة الوثبة التي تقود إلى جسر الأحرار على مقربة من ساحة الخلاني التي تقود إلى جسر السنك، حيث الاحتجاجات مستمرة على غرار ساحة التحرير التي تقود إلى جسر الجمهورية. وتعدّ الساحات الثلاث منطلقاً للتظاهرات باتجاه «المنطقة الخضراء»)، وهو ما استفزّ الشاب، ودفعه إلى سحب سلاحه ورميهم بالرصاص. هاجم هؤلاء منزله وذبحوه وسحلوه وعلّقوه في الهواء، قبل أن يحرقوا بيته أمام أنظار القوات الأمنية التي لم تحرّك ساكناً.
على مستوى ردود الفعل، طالب زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، بتسليم المجرمين خلال الساعات الـ 48 المقبلة، معلناً ــــ في حال الفشل في ذلك ــــ انسحاب أصحاب «القبعات الزرق» من ساحات التظاهر في العاصمة بغداد. وهؤلاء هم المنتسبون إلى «سرايا السلام»، الذراع العسكرية لـ«التيار»، والذين يتولّون حماية تلك الساحات بناءً على أوامر الصدر، من دون الرجوع إلى رئيس «هيئة الحشد الشعبي» فالح الفياض. من جهته، تساءل الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، عن مدى استمرار الفوضى وغياب القانون والأجهزة الأمنية وانفلات السلاح وانتشار «الميليشيات القذرة»، وهو ما دفع الصدر إلى الردّ من خلال منصّة «صالح محمد العراقي»، بالقول إن «الميليشيات التي تتذرّع بوجود «الجوكر (تسميةٌ أطلقت على المجموعات التخريبية التي تنفّذ التعليمات الأمنية الأميركية ــــ الخليجية) هي الوقحة». أما زعيم «تيار الحكمة»، عمار الحكيم، فشدد بدوره على ضرورة تمييز المخربين عن أولئك السلميين، وحصر التظاهرات في ساحات محدّدة لمنع الانفلات غير المبرّر. وهي دعوة يتوقع أن تحضر اليوم في خطبة «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني)، التي أفردت الأسبوع الماضي مساحة واسعة لهذا الغرض.
وتشهد التظاهرات، منذ اندلاعها مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عنفاً وعنفاً مضادّاً غذّاهما سوء تعامل الأجهزة الأمنية مع المحتجين الغاضبين، الذين لم تخلُ ساحة من ساحاتهم من مخرّبين ومندسين. وما زاد الأمر سوءاً هو الضغوط التي مورست على رئيس الحكومة المستقيل، عادل عبد المهدي، من أجل إبقاء القوات الأمنية في موقف المتفرّج، لتتعزّز بذلك إمكانية انفلات الأوضاع، وهو ما ظهر بالفعل في أكثر من محافظة جنوبية.
الأخبار