مجلة وفاء wafaamagazine
“علم السعادة” هو باب فتحه داشر كيلتنر، وإميليانا سيمون توماس، أستاذا علم النفس في جامعة “كاليفورنيا، بيركلي”. باعتباره اكتشافا أساسيا من علم النفس الإيجابي، مفاده أن “السعادة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعلاقات الاجتماعية القوية، والمساهمة في شيء عام لصالح الآخرين”.
أما عن تعريف السعادة بالضبط، فيقولان إنه “لا يوجد إجماع على تعريف مثالي للسعادة، حيث يكون لدى معظم الناس حس بديهي بها عندما يجدونها”؛ لكن يبقى أن “تعريف السعادة يتوقف على قوة وأصالة الروابط الاجتماعية للفرد، واستعداده للطيبة الإنسانية، ودوره البنّاء في المجتمع”.
ويقول خبراء لموقع “سي نت” (cnet)، “إن السعادة تعني قبول التجارب السلبية، وامتلاك المهارات اللازمة لإدارتها والتعامل معها، واستخدامها لاتخاذ قرارات أفضل لاحقا”.
لكن، هل السعادة جينية وراثية؟ هل هي مرتبطة بالثراء؟ وهل يمكن التدرب على السعادة عمليا؟
السعادة ليست وراثية
لوري سانتوس، أستاذة علم النفس بجامعة ييل، والتي تُدرّس فصلا مجانيا على الإنترنت تحت مُسمى علم الرفاه، يشارك فيه أكثر من 4 ملايين متدرب؛ تقول “إن هناك اعتقادا خاطئا بأن حظنا من السعادة هو مسألة جينية متأصلة، ولا يمكننا تغييرها”.
فإحدى النظريات الشائعة التي تضمنتها ورقة بحثية صدرت عام 2005، بعنوان “مخطط فطيرة السعادة”، أشارت إلى مدى قدرتنا على تحقيق سعادتنا، من خلال رسم بياني أوضح فيه الباحثون “أنه في حين أن 50% من سعادتك تحددها جيناتك التي حصلت عليها من آبائك وأجدادك، و10% وفق ظروف حياتك، فإن 40% تحددها أفعالك أنت”. يقول أحد مؤلفي الدراسة، على سبيل المثال، “قد يكون لديك جين وراثي للقيادة، لكنك لن تتحول إلى قائد ماهر، بدون دعم من أنشطتك اليومية”.
وعلى الرغم من أن هذا التقسيم قد واجه انتقادات، وخصوصا بعد صدور أبحاث في عام 2016، تشير إلى أن نسبة وراثة السعادة تتراوح بين 70% و80%”؛ ثم ورقة بحثية في عام 2019، أشار فيها باحثون من جامعة لايبزيغ، إلى أنه “ربما يكون لديك نزعة وراثية قلقة، بسبب ظروف مجهدة في طفولتك، تساهم في الحد من سعادتك”. لكن مخطط فطيرة السعادة، أفادنا بأنه “على الأقل لدينا نسبة لا بأس بها من السعادة تحت سيطرتنا”، وفق سانتوس.
السعادة ليست نتيجة تلقائية للثراء
ورغم أن الأبحاث تميل إلى أن الأغنياء هم غالبا أسعد من الفقراء، لكن سانتوس تقول إن “العلم يُظهر أن كوننا أغنياء، أو لدينا وظيفة مرموقة وممتلكات ثمينة؛ فهي أشياء ليست بهذه الدرجة من الأهمية في تحقيق السعادة كما نعتقد”.
كما تصف إميليانا سيمون توماس، ربط السعادة بالثراء بأنه “مفهوم خاطئ كبير”؛ موضحة أن “السعادة ليست حالة عاطفية إيجابية مستمرة، وأن تكون سعيدا لا يعني أن تشعر بالبهجة الخالصة طوال الوقت”.
من الطبيعي “أن تواجه انتكاسات ومشاكل وفقدان أحباء”، فهذه المشاعر السلبية جزء أساسي من حياتك العاطفية، وتخطيها يُعد أمرا مهما في طريق سعادتك.
لذا، فإن من يعتقدون أن السعادة هي ما يُصور على “فيسبوك” -على سبيل المثال- قد يكونون أقل سعادة ممن يرون الأمر بطريقة أكثر شمولا في جودة الحياة”، كما تقول سيمون توماس.
يمكن التدرب على السعادة
في عام 2014، أطلق الباحثان داشر وإميليانا، دورة تدريبية مجانية عبر الإنترنت؛ شاهدها الطلاب من 208 دولة حول العالم، وسجل فيها أكثر من 550 ألف طالب؛ للتدرب على “كيفية أن يكونوا سعداء في غضون 8 أسابيع فقط”. وذلك من خلال التفاعل مع الأبحاث المتعلقة بالسعادة، والدروس الأكثر تحفيزا، ومشاهدة مقاطع فيديو حول علم الاتصال والتعاطف والامتنان واليقظة، والقيام ببعض الأنشطة المعززة للسعادة.
وجاءت النتائج مفاجأة بشكل لا يُصدق، حيث تبين أن أولئك الذين شاركوا بشكل كامل، رأوا أن مشاعرهم الإيجابية تزداد كل أسبوع، كما أبلغوا عن انخفاض شعورهم بالحزن والتوتر والوحدة والغضب والخوف (على مقياس من 1 إلى 10، تحولت تقييماتهم الأسبوعية إلى درجة واحدة فقط)؛ مقابل تعزيز شعورهم بمزيد من التسلية والحماس والمودة، وانتباههم لأهمية المجتمع.
ورصد الباحثون كيف زادت نسبة السعادة الذاتية والرضا عن الحياة والازدهار لدى المشاركين خلال الدورة بنحو 5%، واستمر هذا التأثير لمدة 4 أشهر بعدها.
وهو ما يُعد مؤشرا على “إمكانية التدرب عمليا على زيادة مساحة السعادة في حياتنا خلال فترة محددة، حتى في الأوقات العصيبة”.
كن أكثر سعادة
إلى جانب المهارات الثلاث التي اعتبرتها بيني لوكاسو (الطامحة لتعليم السعادة لـ10 ملايين إنسان حول العالم بحلول عام 2025) أساسية لمزيد من السعادة -وهي التركيز والشجاعة والفضول- يمكنك أن تكون أكثر سعادة في المنزل أو في أي مكان، بهذه الخطوات الأربع:
عزز صلاتك الاجتماعية، فقد وجدت دراسات عديدة أن “للاتصال الاجتماعي الدور الأكبر في السعادة”، وتأتي دراسة هارفارد لتنمية البالغين، في مقدمة هذه الدراسات، حيث استمرت لأكثر من 80 عاما في متابعة مئات المشاركين، ووجدت أن العلاقات الوثيقة مع العائلة والأصدقاء والزملاء، عامل أساسي لإبقاء الناس سعداء؛ إلى جانب عوامل أخرى تشمل عدم التدخين، وممارسة الرياضة، والتوازن بين العمل والحياة.
أنثر المجاملات اللطيفة، فقد وجدت سونيا ليوبوميرسكي، الأستاذة في جامعة كاليفورنيا، “أن الانخراط عن قصد في نثر المجاملات البسيطة، يمكن أن يجعلك أكثر سعادة، وأقل اكتئابا وقلقا”. وتضيف سيمون توماس، “أن هذا يجعلك تشعر بالرضا، لأنك جعلت الشخص الآخر يشعر بالرضا”.
قم بإحصاء الامتنان، فالقيام بإحصاء كل ما جعلك تشعر بالامتنان في نهاية يومك، “يؤدي إلى تعزيز السعادة، وتقليل أعراض الاكتئاب”، وفق دراسة أجريت عام 2005. كما أن هذا الامتنان بمثابة “تدريب لعقلك على الاهتمام بالأشياء الجيدة، بدلا من التفكير في المزعج والمثير للتوتر”، وفق سيمون توماس.
ارحم نفسك، لأن “النقد الذاتي المُفرط تجاه النكسات، يخصم من سعادتك ويُعيق تحقيق أهدافك؛ والأفضل أن تحافظ على صوت داخلي دافئ وداعم، بدلا من العدائي الناقد”؛ كما تقول سيمون.