مجلة وفاء wafaamagazine
الخوف عاطفة إنسانية طبيعية وقوية وبدائية، وحسب علماء النفس فإنه ينطوي على استجابة كيميائية حيوية شاملة، واستجابة عاطفية فردية عالية، حيث ينبهنا الخوف إلى وجود خطر أو تهديد بالضرر، سواء كان ذلك الخطر جسديا أو نفسيا.
Advertisement
وينبع الخوف غالبا من تهديدات حقيقية، ولكنه قد ينشأ أيضا من مخاطر متخيلة، وفي حين أن الخوف استجابة طبيعية لبعض المواقف، إلا أنه يمكن أن يؤدي أيضا إلى الضيق والاضطراب عندما يكون شديدا أو غير متناسب مع التهديد الفعلي، وذلك حسب ما ذكرت منصة “فري ويل مايند” (very well mind) في تقرير لها.
أعراض الشعور بالخوف
ويمكن أن يكون الخوف أيضا أحد أعراض بعض حالات الصحة العقلية، مثل “اضطراب الهلع” (panic disorder) و”الرهاب” (phobias) و”اضطراب ما بعد الصدمة” (PTSD)، ومن أعراض الشعور بالخوف:
تعرق راحة اليد
تسارع ضربات القلب
توتر العضلات
وخز الجلد
آلام في الصدر
ضيق التنفس
القشعريرة
جفاف الفم
الغثيان
تشنج المعدة
وكل هذه الحالات نشعر بها في لحظات الخوف ونوبات الهلع التي تصيب البشر في أوقات الخطر الداهم أو الإحساس به، وهي ردود فعل طبيعية للجسد عند إحساسه بالخوف، ثم يأتي بعد ذلك الشعور بالبهجة والسرور عندما ينتهي الخطر أو مصدر التهديد، وهو إحساس ممتع للغاية سببه الشعور بالأمان والنجاة عندما يتلاشى الخوف، فهل هذا مجرد ارتياح للبقاء على قيد الحياة أم إنه شيء آخر؟
القتال أو الهرب
تتحكم بالمشاعر “اللوزة العصبية” (amygdala) وهي كتلة رمادية من الخلايا العصبية على شكل حبة لوز في أعماق مركز الدماغ، وفي حالة الخوف تحفز هذه اللوزة الدماغية “الهيبوثلاموس” (hypothalamus) أو “غدة ما تحت المهاد” التي تقوم بإفراز الهرمونات من الفص الأمامي للغدة النخامية.
وتحتوي الهيبوثلاموس أيضا على مراكز الجوع والعطش وتنظيم درجة حرارة الجسم والتحكم بالعواطف المختلفة مثل الشعور الخوف، مما يتسبب في التدفق السريع للهرمونات كالأدرينالين ويؤدي من ثم إلى حصول الاستجابة المناسبة للجسم في حالة الإحساس بالخطر، سواء بالاستعداد للقتال حفاظا على الحياة أو الهرب من المواجهة للنجاة بالحياة، وذلك حسب ما ذكرت صحيفة “الغارديان” (the guardian) البريطانية.
يزيد هرمون الأدرينالين من يقظة الجسم، ويعمل على تسريع معدل ضربات القلب، وتحويل الدم من القلب إلى العضلات اللازمة للحركة، حيث يرفع “الكورتيزول” (Cortisol) ضغط الدم، وتتمدد الأوعية الدموية حول الأعضاء الحيوية، فتغمرها بالأكسجين والمواد المغذية، ويتسارع التنفس لإيصال الأكسجين الطازج إلى الدماغ، بينما ترتفع مستويات الغلوكوز (السكر) في الدم، مما يمنح الجسم دفعة قوية وسريعة من الطاقة ليصبح جاهزا للعمل.
تقول الدكتورة شارلوت لورنسون، عالمة الأعصاب في جامعة بريستول البريطانية، في تصريحات للغارديان “على الرغم من أننا نفهم بعض جوانب شبكات الخوف العصبي وكيفية تنسيقها للسلوك، ولكن لا يزال هناك كثير من الأشياء المجهولة”.
وتضيف أنه عندما “نتعرض لمحفزات حسية بسبب وجود خطر ما، ينشط مساران في الدماغ: الأول سريع ينقل المعلومات إلى الهيبوثلاموس ثم إلى اللوزة العصبية، لاتخاذ إجراءات فورية بشأن المحفزات المهددة”.
وتتابع أن المسار الثاني “هو طريق أبطأ وغير مباشر حيث ترسَل المعلومات من الهيبوثلاموس إلى القشرة، وهي الطبقة الخارجية من الدماغ المرتبطة بالوعي والاستدلال والذاكرة، وهذه تحلل التهديد، وتسمح لنا بتحديد ما إذا كنا في خطر حقيقي أم لا”.
وتوضح لورنسون “لا نعرف بالضبط أين يحدث الشعور بالخوف في الدماغ، ولكن من المحتمل أن يكون من التنشيط المنسق لشبكة الخوف التي تشمل مناطق دماغية متعددة.. إذا تم تحديد التهديد على أنه حقيقي، فسيتبع ذلك تنشيط مناطق أخرى من الدماغ لبدء استجابة الجسم بالكامل للخطر، بحيث يتم تنسيق التفاعلات المضادة للألم والتفاعلات اللاإرادية والسلوكية للتوتر والإصابة، وتبدأ العمليات الفسيولوجية اللاإرادية وإجراءات الاستجابة”.
وتقول الدكتورة إيلينا باسي وهي باحثة مشاركة تعمل مع الدكتورة لورنسون “عند انتهاء التهديد ستنتقل ذكرى الخطر وتخزن في منطقة تسمى الحصين (hippocampus) في الدماغ، حتى نتمكن من تذكر التهديد وتحديده إذا تكرر مرة أخرى”.
لماذا نستمتع بالخوف؟
هناك كثير من البشر يستمتعون بمشاهدة الأفلام المرعبة والمخيفة، أو الاستماع لقصص الأشباح والجنيات، أو تسلق الجبال الخطرة أو الدخول في مغامرات مخيفة، ولكن لماذا نستمتع بهذه الأنشطة؟
من المؤكد أن الخوف والسرور شعوران متناقضان؟ لكن إذا نظرنا تحت السطح فإن الخوف والمتعة يشتركان بالعديد من العوامل أكثر مما نعتقد أو نتخيل حيث يبحث العديد من الأشخاص بهمة ونشاط عن المواقف التي تخيفهم ويستمتعون تماما بالتجربة.
وفي الواقع فقد كانت للخوف والبقاء روابط وثيقة على مر التاريخ، فلو لم يهرب أجدادنا من الصيادين الأوائل من الحيوانات المفترسة لما تمكنوا من البقاء والاستمرار في الحياة، وقد نقل أجدادنا لنا الجينات التي عززت هذا السلوك في تجنب الخطر والهرب منه أو مواجهته حين لا مفر من المواجهة، وذلك حسب ما ذكرت منصة “ميديكال نيوز تودي” (medical news today) في تقرير حديث لها.
فكيف صرنا نستمتع بالخوف؟
في الحقيقة، غالبا ما نبحث عن تجارب مخيفة “آمنة” مثل مشاهدة أفلام الرعب ونحن في فراشنا الوثير، أو القفز بالحبال، أو تسلق الجبال الشاهقة، بعد أخذ كل إجراءات السلامة، للاستمتاع بتجربة الخوف.
وهناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نستمتع بـ”خوف جيد”، وكل ذلك يعود إلى المواد الكيميائية التي يفرزها دماغنا.
السبب الأول هو الشعور بالاسترخاء بعد اندفاع الأدرينالين، فبمجرد أن تدرك قشرة الفص الجبهي للدماغ أن الخطر ليس حقيقيا، تقلّ الاستجابة، ويخبرنا “الدماغ المفكر” (thinking brain) بالاسترخاء، وحسب ما يقول عالم النفس لي شامبرز “يحدث اندفاع كيميائي حيوي للناقلات العصبية التي تجعلك تشعر بالاستمتاع، وهذا الشعور بالراحة والمتعة هو ما يجعل الباحثين عن الإثارة يعودون طلبا للمزيد”.
ويوضح شامبرز “يمكنك تحفيز الجهاز العصبي بينما تدرك في أعماقك أن الخطر ليس حقيقيا، ومع مشاهدة مناظر الرعب والدماء يمكنك رفع مستوى الخوف، ولكن تستطيع الاختباء خلف الأريكة”، حسب ما ذكر المصدر السابق.
ثم هناك الجانب الاجتماعي، فإذا مررت بموقف مخيف مع الآخرين، فهناك تجربة الترابط المشترك بينك وبينهم، من خلال معرفتك أنك مررت بهذا الخوف معهم، ومرة أخرى فالهرمونات هي المسؤولة، وفي هذه المرة فإن الهرمون المسؤول هو “الأوكسيتوسين (oxytocin) الذي يؤثر على السلوك الاجتماعي ويشارك في تكوين “ذكريات المجموعة” ويعطي إحساسا بالترابط والمشاركة، ويعرفه بعض الناس باسم “هرمون الحب” لأن الجسم يفرزه أثناء العناق والولادة.
ويؤكد شامبرز أن الترابط والإحساس بالمشاركة مع الآخرين هما جزء لا يتجزأ من المتعة؛ “فعندما تشاهد أنت وزوجتك فيلما مخيفا معا، أو تشترك بتسلق الجبال مع مجموعة من الأصدقاء فإن الاندفاع الكيميائي الحيوي يبلغ ذروته، وتشعر بالإعجاب، وتعتقد أن كل شخص معك مذهل، وتحس أن هذا يرجع إلى الأشخاص من حولك وليس بسبب التجربة بحد ذاتها”.
ولكن هل هناك سبب فسيولوجي للربط بين الخوف والمتعة؟
يقول علماء إن كل ذلك يعود إلى “اللوزة العصبية” حيث اكتشف العلماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) حديثا أن هذا الهيكل الصغير في الدماغ لا يحتوي فقط على الخلايا العصبية التي تتحكم في الاستجابة للخوف، ولكن أيضا يشارك مشاركة وثيقة في تولد أحاسيس المتعة والمكافأة حيث يسهم الجين المرتبط بالخلايا العصبية في اللوزة في إرسال إشارات “الدوبامين” (dopamine)، والدوبامين هو الناقل العصبي المسؤول عن المتعة.
وليس الدوبامين والأوكسيتوسين فقط هما المسؤولان عن مشاعر المتعة بعد الإحساس بالذعر، فهناك أيضا “الأندروفين” وهو هرمون السعادة، يتضمن مواد كيميائية تساعد على الشعور بالسعادة بعد ممارسة التمارين والألعاب الرياضية، وهي أشبه بالأفيون الطبيعي في الجسم، ولهذا السبب يمكن أن تمنحك تجربة مخيفة الشعور بالنشوة نفسه بعد الركض مسافة 10 أميال على سبيل المثال.
وأخيرا، هناك “السيروتونين” (serotonin) الذي يطلقه الجسم أثناء الشعور بالخوف، وهو ناقل عصبي آخر ينظم العديد من مظاهر السلوك البشري، ومن بينها المزاج حيث يرتبط نقص السيروتونين بالاكتئاب، لذا فإن زيادة المستويات يمكن أن تساعد في رفع الروح المعنوية والإحساس بالمتعة.
ولكن، علينا أن نتذكر أن لا أحد يستمتع حقا بوضع حقيقي مرعب يُهدد الحياة تهديدا فعليا، صحيح أننا نشعر بالراحة بعد تجاوز الخطر، ولكن من يرغب في تكرار التجربة؟
نحن نستمتع بالمواقف المخيفة التي نتحكم فيها، فالخوف بلا خطر حقيقي هو مفتاح المتعة وهذه لعبة من ألاعيب الدماغ التي لا تنتهي