مجلة وفاء wafaamagazine
ما «بشّرت» به مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، أول من أمس، باستمرار الحصار الأميركي على لبنان وبأن «اللبنانيين سيضطرّون إلى تحمّل مزيد من الألم»، بدأت ملامحه بالظهور مع إبلاغ واشنطن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رفضها قبول لبنان هبة الفيول الإيراني، تحت طائلة الخضوع للعقوبات الأميركية
في كلمته الأخيرة لشرح اتفاق الترسيم البحري على الحدود الجنوبية، في 29 الشهر الماضي، كانت لافتة إشارة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى هبة الفيول الإيراني للبنان، عندما قال: «الأميركيون لا يسمحون للغاز المصري والكهرباء الأردنية بالوصول إلى لبنان، وسترون غداً ما سيكون موقفهم من هبة الفيول التي عرضت الجمهورية الإسلامية في إيران تقديمها للبنان، وإن غداً لناظره قريب»… وبالفعل، بعد أيام قليلة من كلام نصرالله، أبلغت الولايات المتحدة لبنان، رسمياً، أن ليس في إمكانه قبول الهبة الإيرانية، كون النفط الإيراني يخضع للعقوبات الأميركية، أياً يكن الشكل الذي يجري تبادله به، سواء مجاناً أو تجارياً، وذلك وفق قوانين فرضتها واشنطن على طهران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018.
ساير ميقاتي «المغمغة» الأميركية بـ«مغمغة» مماثلة
مصادر مطلعة أبلغت «الأخبار» أنه مع إعلان نصرالله، في تموز الماضي، استعداد إيران لتزويد معامل الكهرباء اللبنانية بالفيول مجاناً، وفق اتفاق مع الحكومة اللبنانية، تواصلت الجهات الرسمية المعنية مع مسؤولين أميركيين، وفهمت بأن العقوبات الأميركية لا تشمل الهبات طالما أنها لا تتضمن أي مقايضة مادية أو عينية. لكن تبيّن لاحقاً أن هذا الموقف لم يكن رسمياً، وأن الأميركيين تعمّدوا على ما يبدو «المغمغة» لئلا يؤثر تصريحهم بالرفض على مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع «إسرائيل». وعندما سُئل الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين عن الأمر، لم يعطِ موقفاً حاسماً، وأبلغ وزير الطاقة وليد فياض بأن يترك الأمر لرئيس الحكومة لأن مثل هذا القرار يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء، وهو ما أثنت عليه يومها السفيرة الأميركية دوروثي شيا.
وعلى ما يبدو أيضاً، فإن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان على علم بحقيقة الموقف الأميركي، إلا أنه ساير «المغمغة» الأميركية بـ«مغمغة» ميقاتية مماثلة. فبعد أخذ ورد، وتذرع مرة بضرورة التأكد من أن الهبة مجانية، وأخرى بعدم مطابقة الفيول الإيراني لمواصفات المعامل اللبنانية، اضطر رئيس الحكومة تحت ضغط الانقطاع التام للتيار الكهربائي، إلى الخضوع وتشكيل وفد تقني لزيارة طهران والبحث في أمر الهبة، ودائماً مع شروط و«تكبير الحجر» من نوع طلب زيادة كمية الهبة بما يسمح بزيادة ساعات التغذية إلى ثمان يومياً. كما أصر ميقاتي على إبعاد أي «شبهة» سياسية عن الوفد الذي رفض أن يترأسه وزير الطاقة. وفي كل هذه المحطات، أبدى الجانب الإيراني تفهّماً للحرج اللبناني وأبدى انفتاحاً كبيراً على التعاون.
منتصف أيلول الماضي زار الوفد الذي ضم المدير العام للنفط أورور فغالي ومدير الإنتاج في كهرباء لبنان بشارة عطية طهران للتفاوض حول الشروط وطبيعة الهبة والجانب التقني ونوعية الفيول. ولدى عودته، أعدّ الوفد تقريراً، وأبلغ الجهات الرسمية أنه في صدد مناقشة مذكرة تفاهم مع الجانب الإيراني. واستمر التواصل بين الجانبين حتى الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، عندما أرسل الجانب الإيراني مسودة لمذكرة التفاهم تضمّنت إشارة واضحة إلى أن الأمر عبارة عن هبة لا مقابل مادياً لها، وذلك لمساعدة لبنان على مواجهة الضغوط الأميركية.
مطلع الشهر الجاري، أرسل فياض المسودة والتفاصيل التقنية إلى رئاسة الحكومة للحصول على الموافقة، بما أن الأمر يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء. وليس إلى قرار من الوزير، ليتبين أن ميقاتي كان قد بدأ اتصالات جانبية مع الأميركيين، وأنه تبلّغ من مكتب قانوني في الولايات المتحدة استعان به بأن الهبات الإيرانية تخضع للعقوبات حتى ولو كانت مجانية. كما تبلّغ رئيس الحكومة، رسمياً، بأن عليه مراسلة وزارة الخزانة الأميركية لطلب إذن خاص (مماثل لإذن أُعطي للعراق لشراء الفيول الإيراني لمعامل الكهرباء)، يسمح للبنان بالحصول على هذه الهبة من دون تعريضه لأي عقوبات. وبحسب المصادر، فإن الاتصالات الجانبية تؤكّد أن الجانب الأميركي لن يوافق على منح لبنان أي استثناء، وإن الموقف الأميركي لا يزال ضاغطاً لمنع لبنان من الاستفادة من إيران أو من روسيا.
الجانب الأميركي لن يوافق على منح لبنان أي استثناء شبيه بالإذن الممنوح للعراق
وبناء عليه، فإن ملف الهبة الإيرانية الذي كان يتيح لشركة كهرباء لبنان مضاعفة مستوى الإنتاج ما يزيد التغذية إلى 4 أو 5 ساعات يومياً، صار محل تجاذب داخلي جديد، وعلى الأغلب، فإن ميقاتي لن يغامر بخوض مواجهة لا يريدها مع الأميركيين الذين نكثوا من جهة أخرى بوعودهم بالضغط على البنك الدولي لتمويل استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن. وفي هذا السياق، عاد البنك الدولي إلى التشدد في شروطه من أجل الموافقة على التمويل، ومنها تشكيل الهيئة الناظمة وتعديل القوانين بما يفصل بين صلاحياتها وصلاحيات وزارة الطاقة، الأمر الذي يحتاج إلى وجود حكومة وإلى موازنة خاصة، وهو ما لا يبدو ممكناً في ظل الظروف الحالية.
لذلك، يبدو أن ميقاتي قرّر التوجه إلى مصرف لبنان من أجل تمويل مناقصة شراء الفيول لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان لرفع ساعات التغذية. وفي هذا السياق، يعقد اليوم في السراي اجتماع يرأسه ميقاتي ويحضره فياض ووزير المال يوسف خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة للبحث في تأمين المصرف المركزي الضمانات المالية لمناقصات شراء كمية من الفيول لخمسة أشهر بقيمة 600 مليون دولار، ما يتيح رفع ساعات التغذية إلى عشر ساعات يومياً على الأقل. ومن غير الواضح ما إذا كان ميقاتي قد حصل على دعم الرئيس نبيه بري وقيادات سياسية أخرى بالضغط على سلامة لتوفير هذه الضمانات.
الأخبار