مجلة وفاء wafaamagazine
قبيل منتصف الليل بقليل خرج دخان ابيض من قصر بعبدا ليعلن الاتفاق ما بين “تكتل لبنان القوي” و”حزب الله” و”امل” على الاستاذ في الجامعة الاميركية في بيروت الوزير السابق حسان دياب رئيسا مكلفا لتأليف الحكومة الجديدة بعد اعلان الرئيس سعد الحريري عزوفه عن المهمة في ظل حصار عليه ورفض لشرطه الاساس بحكومة تكنوقراط تكون مؤهلة للقيام بعملية انقاذ وترضي الشارع المنتفض. وفيما سربت مصادر ان الاتفاق على دياب شكل طبق غداء الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري الاحد، علمت “النهار” ان الاسم خرج من قصر بعبدا، وهو احد الاسماء التي كانت رفعت الى الرئيس ميشال عون اثناء لقائه رئيسي الجامعتين الاميركية واليسوعية فضلو خوري والاب سليم دكاش من ضمن لائحة مقترحة لرئيس ووزراء من اصحاب الكفايات ضمت 48 اسما. وفي المعلومات المقدمة عن دياب انه يشبه الرئيس سليم الحص في مسيرته، استاذ في الاميركية وله تقديره من الادارة الاميركية من دون ان يكون مستتبعا او ملحقا بسياسات معينة. يمكن ان يعطي ارتياحا لدى المجتمع الدولي واطمئنانا للشارع المطالب بوجوه من خارج الطبقة السياسية المستهلكة.
وكان الرئيس سعد الحريري اعتذر عن ترؤس الحكومة المقبلة، داعياً الى عدم تأجيل الاستشارات، ورحب الوزير جبران باسيل بمبادرته داعياً اياه الى استكمالها “بأن يقترح من موقعه الميثاقي شخصية موثوقة وقادرة ليعمل على التوافق عليها والتفاهم معها حول تشكيل حكومة تحظى بثقة الناس وتأييد الكتل البرلمانية الوازنة فضلاً عن ثقة المجتمعين العربي والدولي، من دون ان يضع البلد والناس أمام المجهول، كما حدث باستقالته الأخيرة”.
وكانت الأمور بدت كانها سلكت طريق الحل بخروج الحريري وافساحه في المجال لآخر لتكليفه تأليف حكومة جديدة، لكن الوقائع الى ما قبل منتصف الليل ظلت ترسم شكوكا في ظل احتمالات عدة كانت مطروحة: فاذا سمت كتلة “المستقبل” الدكتور نواف سلام فانه سيجبه برفض مطلق من الثنائي الشيعي الذي يعتبر سلام “مرشحا أميركياً”، أو سمت النائبة بهية الحريري فانها ستلقى رفضا باعتبار انها “واجهة لسعد الحريري” وهي لن تتنازل عن مطلبه حكومة تكنوقراط. واذا مضى “تكتل لبنان القوي” في تسمية النائب فؤاد مخزومي فانه سيجبه بالرفض الشيعي نفسه باعتباره مرشح الوزير جبران باسيل في اتفاق اجراه مع دولة قطر من دون تنسيق مسبق واطلاع كامل على مجمل الاتفاق في ظل رفض ظاهر مرده الى عدم مباركة الحريري هذا الخيار. واذا رفض الحريري تسمية أي شخصية سيعتبر غير متجاوب لتوفير الحل الانقاذي، فيما يرفض الرئيس تمام سلام حتى الساعة العودة الى السرايا لانه عاش “تجربة مريرة” مع وجوه العهد، ولا يرى ان في امكانه تقديم حلول خارقة لأزمة استثنائية وبالغة الخطورة.
وبقي خيار اخير في اتفاق مكونات 8 اذار مع “التيار الوطني الحر” على اسم مرشح لا يحظى بموافقة الحريري، أي حكومة مواجهة تذهب بالبلاد الى المجهول، وهو ما يصر “حزب الله” على تجنبه لئلا يحمّل نتيجة الفوضى والانهيار.
واذا كان رئيس الجمهورية صاحب الصلاحية في ابقاء الاستشارات أو تأجيلها، فانه لم يبدو حتى ساعة متقدمة من الليل رغبة في التأجيل بل ابقى الموعد، وسط حركة ارتباك واضحة بين الحلفاء، واتصالات مكثفة وغياب لمعظم الطبقة السياسية عن السمع في انتظار جلاء المواقف ونتائج الاتصالات قبل الصباح، ذلك انه حتى الساعة العاشرة والنصف قبل ظهر اليوم موعد البدء بالاستشارات النيابية الملزمة باجرائها وليس بنتائجها كما يسرب بعض فريق العهد، يخلق السياسيون في لبنان ما لا يعلمه المواطنون الذين يفاجأون اسبوعا بعد آخر بتأجيلات تحت عناوين وشعارات مختلفة تؤكد الحاجة الى اعادة مأسسة مجلس الوزراء كما حدد اتفاق الطائف من طريق تحديد مهل واوقات للتكليف والتأليف وغيرها من الامور المتروكة للتوقيت المفتوح.
لكن المؤشر الذي بدا أكثر خطورة أمس، فتمثل في اقامة “جدران عزل” في محيط ساحة رياض الصلح واللعازارية واقفال المسارب المؤدية الى المكان منعاً لتسلل مفتعلي الشغب ليلة بعد أخرى، لضبط المداخل، وعزل الساحات، في ظل “تعب” القوى الامنية من التصدي الليلي لهم، وخوفا من مزيد من التدهور. ويذكر أن الجيش اللبناني والاجهزة الامنية رفعت جهوزيتها الى مئة في المئة منذ ليل أمس، وابلغ الجيش المعنيين قرار منع اقفال الطرق الرئيسية، واقامت حواجز تفتيش في كل المناطق التي شهدت تطورات من بيروت الى طرابلس وصيدا.
وقد انطلقت في العاصمة بيروت تظاهرة رفضت اقامة “جدران فصل” ودعت الى اتخاذ اجراءات حماية بدل العزل الذي يقطع أوصال العاصمة ويضرب المؤسسات التجارية.
وفي هذا الاطار أعد النائب سامي الجميل باسم كتلة نواب الكتائب عريضة نيابية لإزالة الحواجز في محيط مجلس النواب بوسط بيروت، جاء فيها: “بعد أن حطّم اللبنانيون كل الحواجز التي فصلتهم بعضهم عن البعض طوال عقود وطمحوا لاستعادة الثقة بدولتهم وممثليهم، تمّ وضع بلوكات اسمنتية وتعزيزات حديدية تفصل الشعب بعضه بعضه البعض وعن مجلسه النيابي.
إنّ البرلمان يمثّل الشعب اللبناني وبالتالي عندما يعمد إلى وضع حواجز تفصل بينه وبين مصدر سلطته فهو يصبح عندها سلطة معزولة لا تريد أن تسمع مطالب الناس.
كما أنّ فصل أحياء بيروت بعضها عن البعض هو عودة إلى الوراء رفضها اللبنانيون. فبدل إقامة الحواجز، على القوى الأمنية فرض سلطتها وحماية كل متظاهر سلمي وتوقيف كل من يعتدي على حريّة الرأي والتعبير. لذلك، نحن الموقعين أدناه، نواب الأمة اللبنانية، نطالب المسؤولين عن إقامة هذه الحواجز في محيط مجلس النواب، بإزالتها فوراً وفتح مداخل ساحة النجمة لتعود الساحة ملكاً للناس، كل الناس”.
واعتبر ان “المشهد في وسط بيروت استفزّنا كثيرًا فإقامة البلوكات الاسمنتية والحواجز الحديدية مهين بحق بلدنا وسمعته في العالم وفي الداخل”.
هيل
من جهة أخرى، يصل الى بيروت مساء اليوم نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل موفداً من وزير الخارجية مايك بومبيو للاطلاع على الأوضاع منذ بدء الاحتجاجات في لبنان، والتباحث مع المسؤولين الذين سيلتقيهم في نتائجها وتداعياتها.
النهار