الرئيسية / آخر الأخبار / ما الذي يُبقي «اليونيفيل» في لبنان؟

ما الذي يُبقي «اليونيفيل» في لبنان؟

مجلة وفاء wafaamagazine

هناك بعض التساؤلات التي لا إجابة عنها، ومن ضمنها، كيف يقبل المجتمع الدولي ان تكون القوات الدولية في جنوب لبنان «شاهد زور» على مخالفة تطبيق القرار 1701؟ ولماذ «اليونيفيل» لا تغادر لبنان طالما انّها مقيّدة الحركة وموجودة ضمن بيئة معادية؟

كتب شارل جبور في ” الجمهورية “

ينصّ القرار 1701 على ان «تكون المنطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة، عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات يونيفيل»، وهذه الفقرة الأساسية في القرار غير مطّبقة، وتمّ استبدالها على أرض الواقع، من نزع السلاح إلى عدم ظهور هذا السلاح. كما انّ القاصي يعلم والداني أيضاً، انّ هذه المنطقة بالذات خاضعة لنفوذ «حزب الله» وسيطرته الكاملة، ومليئة بمخازن الصواريخ والمعدات الحربية ونقاط التمركز المدنية تحت عنوان «الأهالي»، وهو الاسم الحركي للحزب.


ومعلوم أيضاً انّ «اليونيفيل» مقيِّدة الحركة، ولدى تعديل ولاية بعثة حفظ السلام في شهر أيلول الماضي، بما يسمح لدورياتها بالتحرّك في منطقة عملياتها من دون إذن مسبق، وبلا مواكبة من الجيش اللبناني، إحتج «حزب الله» على هذا التعديل، واعتبر أنّه يحوّل «اليونيفيل» إلى «قوة احتلال».

وفي موازاة الهجوم السياسي المتواصل ضد «اليونيفيل» وتوصيفها بأنّها تعمل لمصلحة إسرائيل، فإنّ الحزب منعها من وضع كاميرات للمراقبة في منطقة عملياتها، و»الأهالي» اعترضوا أكثر من دورية تابعة للقوات الدولية، ولم يتوانوا أحياناً عن منعها من إكمال مهمّتها ومصادرة بعض أجهزتها، للتأكّد من محتواها وما إذا كانت تتضمن معلومات عن الحزب ومواقعه، بحجة انّ القوة الدولية ترسلها لإسرائيل.

وطالما انّ «اليونيفيل» لا تعمل بموجب القرار 1701، والبنية العسكرية لـ»حزب الله» تتحكّم في الشاردة والواردة خلافاً لمنطوق هذا القرار، وحركتها مقيِّدة إلى درجة انّه في اللحظة التي تضلّ فيها الطريق يتمّ اعتراضها وإطلاق النار عليها وكأنّها دورية معادية، الأمر الذي ينطبق بالتمام والكمال على ما قاله رئيس وزراء إيرلندا مايكل مارتن، الذي اعتبر انّ الاعتداء حصل نتيجة تواجد جنود بلاده العاملين ضمن إطار «اليونيفيل» في «بيئة عدائية صعبة»، ما ينفي كل مزاعم البعض عن انّ هذه البيئة هي صديقة، وبالتالي انطلاقاً من كل هذه العوامل والعناصر، فلا بدّ من التساؤلات التالية:

أولاً، ما الذي يُبقي «اليونيفيل» في لبنان طالما انّها لا تنفِّذ الدور المنوط بها وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة؟

ثانياً، ما الذي يُلزم المجتمع الدولي بأن يكون خاضعاً لقوى الأمر الواقع؟ ولماذا يرضخ لشروط هذه القوى؟

 

ثالثاً، لماذا يقبل مجلس الأمن بعدم تنفيذ قراراته والتعامل معه كإطار معنوي فاشل وفاقد للتأثير وعاجز عن الحسم؟ وكيف يرضى المساس بهيبته ودوره؟

رابعاً، ما الذي يحول دون ان ينفِّذ المجتمع الدولي قراراته بالقوة وأقلّها القرار 1701، خصوصاً في ظل وجود انطباع عام انّ هذا القرار يُطبّق، فيما في الواقع والحقيقة هذا القرار لا يُطبّق، لأنّ «حزب الله» يمنع تطبيقه؟

خامساً، لماذا لا يخيِّر مجلس الأمن الدولة اللبنانية بين الالتزام بمضمون القرار 1701 وتحمُّل مسؤولياتها، وبين مغادرة «اليونيفيل» لبنان، لأنّ لا حلول وسط في هذه المسائل؟

سادساً، هل يُعقل ان يحذو مجلس الأمن حذو الدولة اللبنانية بتسليمه بالأمر الواقع القائم؟ وإذا كانت الدولة عاجزة، وهذا مفهوم، فبأي منطق يتحول مجلس الأمن إلى عاجز؟

 

سابعاً، لماذا الدول المشاركة ضمن عداد «اليونيفيل» مضطرة إلى التساهل مع «حزب الله» خشية على جنودها، وذلك بدلاً من ان تسحب جيوشها رفضاً لدور شاهد زور ومخالف للقرار الدولي الذي شاركت على أساسه، فإما ان تعمد إلى تطبيق القرار بحرفيته وجوهره، وإما ان ترحل؟ ولكن، من غير المقبول ان يتحول جنود هذه الدول إلى «رهائن» وان تضطر هذه الدول إلى تغطية الانتهاك الفاضح للقرار 1701 خشية على حياة جنودها؟

ثامناً، كيف يقبل المجتمع الدولي الذي يدعّي بأنّه ضد «حزب الله» وعواصم عدة تصنِّفه بالإرهابي، بأن يكون الحزب مستفيداً من القوات الدولية التي يرسم لها خط سيرها ويحدِّد لها ما هو مقبول وما هو ممنوع، ويوظِّف وجودها خدمة لبيئته الحاضنة التي تستفيد من المصاريف التشغيلية لهذه القوات؟

 

تاسعاً، أين مصلحة المجتمع الدولي في هدر 800 مليون دولا سنوياً كلفة تطبيق قرار لا يُطبّق؟

 

عاشراً، هل تحولت «اليونيفيل» إلى ساهرة على الانقلاب على القرار 1701 شأنها شأن الدولة اللبنانية المغلوب على أمرها التي تحولت إلى شاهدة على الانقلاب على الدستور؟

 

ولا تنتهي التساؤلات عند هذا الحدّ، ولكن الاعتداء المتعمّد الذي استهدف الآلية الإيرلندية أعاد تسليط الضوء على ثلاث حقائق أساسية:

 

الحقيقة الأولى، تتعلّق بالحالة المأسوية التي انحدر إليها المجتمع الدولي الذي أصبح فاقداً للقرار وفي وضعية انهزامية واستسلامية، وهذه الحالة تشجِّع على العنف والحروب وتجعل القوي يستقوي على الضعيف وتهدِّد النظام العالمي.

 

الحقيقة الثانية، انّه في حال لم يُصر إلى توقيف القتلة ومحاكمتهم وواصلت «اليونيفيل» دورها كالمعتاد، يعني تحوّل هذه القوة إلى خاضعة بالكامل، وأولويتها الخضوع لشروط الفريق النافذ حفاظاً على حياة جنودها، ما يعني انتهاء دورها ووقف التعويل عليها.

 

الحقيقة الثالثة، انّه في حال لم يتخِّذ المجتمع الدولي القرارات المطلوبة في مسألة ترتبط بالاعتداء عليه مباشرة، فيعني انّ التعويل عليه في القضايا المتصلة بحياة اللبنانيين هو وهم، وبالتالي يجب التصرُّف على هذا الأساس.

 

والحقيقة المرّة الجوهرية والأساسية، انّ الدستور اللبناني لا يُطبّق، والقرارات الدولية لا تُطبّق، والشعب اللبناني متروك لقدره ومصيره. وبمعزل عمّا إذا كان الهدف من الرسالة الدموية وسم خطوط حمر أمام تحرّكات «اليونيفيل» مفادها انّ الحزب لن يسمح بتغيير قواعد الاشتباك، أم هو اعتراض إيراني على استمرار سياسة العقوبات بحقها وإبقاء النووي معلّقاً، أم إشاحة طهران للأنظار عمّا يحصل على أرضها من انتفاضة شعبية بهدف إشعال الحروب للقضاء على هذه الانتفاضة. إلّا انّ النتيجة من كل هذه الرسائل واحدة، وهي انّ لبنان ساحة مستباحة، والقوات الدولية عاجزة على غرار الدولة اللبنانية.

 

والحقيقة الوحيدة المضيئة في المشهد اللبناني القاتم تكمن في ردّة الفعل السياسية التي تُظهر حجم الاعتراض الكبير على سياسة «حزب الله»، إلّا انّ المعيار الأساس يكمن في عدم لفلفة اعتداء قافلة العاقبية، لأنّ العقاب مؤشر للعدالة المغيِّبة في كل الجرائم التي تحمل التوقيع المجهول-المعلوم، كما يشكّل رسالة بأنّ اعتداءات من هذا القبيل لن تمرّ من الآن فصاعداً، فيما العكس يعني فتح الساح اللبنانية على مزيد من العنف والاعتداءات والاغتيالات، خصوصًا انّه باستثناء اغتيال الشهيد رفيق الحريري، فإنّ كل الاغتيالات الأخرى بقيت «مجهولة».