مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة ” النهار “
48 ساعة من اليوم تدخل معها البلاد محطة احياء الذكرى الـ 18 لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بكل ما تستعيده، وعلى غرار كل سنة، من دلالات لا تزال ترخي بالكثير من التداعيات على مختلف الصعد حتى اليوم. وتخترق هذه المحطة أجواء شديدة التأزم تعيشها البلاد من شأنها ان تربط الكثير من الاستهدافات التي وقفت وراء اغتيال الرئيس الحريري بالاستهدافات اللاحقة والمستمرة. وفي ظل هذا المناخ وصل مساء امس الى بيروت الرئيس سعد الحريري لاحياء الذكرى غدا عند ضريح والده ورفاقه الشهداء في وسط بيروت وليمضي ثلاثة أيام في “بيت الوسط” بعد غيابه لمدة سنة منذ اعلن قراره بتعليق العمل السياسي.
اما في المشهد السياسي الاخر فلعلها المرة الأولى منذ بدء مرحلة الفراغ الرئاسي التي تكتسب المواجهة الحادة في مجلس النواب حول انعقاد جلسة تشريعية ابعادا ودلالات تختصر مجمل أوجه الازمة السياسية والوطنية بكل ابعادها ومن ضمنها أساسا الصراع على المعركة الرئاسية. ذلك ان الساعات المقبلة ستكون كفيلة بتظهير المدى المتسع للمواجهة بين كتل ونواب المعارضة وكتل ونواب السلطة على قاعدة فرز واسع حاد احدثه اتجاه رئاسة مجلس النواب ومن يواليها لعقد جلسة تشريعية، في حين برزت في المواجهة معارضة حادة لاي جلسات تشريعية قبل انتخاب رئيس الجمهورية العتيد. كاد هذا الفرز يستعيد في الكثير من ملامحه صراع 14 اذار و8 اذار لولا فروقات في خريطة توزع الكتل والنواب بعد الانتخابات النيابية الأخيرة. ولكن للمرة الأولى، برزت الكتلة المعارضة موحدة بين الكتل السيادية التقليدية وكتلة النواب التغييريين ونواب مستقلين الامر الذي عكس تعدديته واتساعه لهذه الاتجاهات البيان الصادر عن 46 نائبا برفض انعقاد الجلسة. وإذ ينتظر ان ينضم مزيد من النواب المستقلين الى الموقف المعارض لانعقاد الجلسة، فان قوى السلطة والمحور الاخر ستتجه الى التمسك بانعقادها بدءا باجتماع هيئة مكتب المجلس اليوم حيث ينتظر ان “يرد” رئيس المجلس نبيه بري والكتل الداعمة له بإنجاز “التوافق” بين اهل البيت السلطوي على جدول اعمال فضفاض للجلسة التشريعية بحيث “يوائم” بين خليط من المشاريع ذات طابع “إصلاحي” والتمديد لمواقع ورؤساء أجهزة امنية. ومع صعوبة التكهن سلفا بما ستؤول اليه هذه المواجهة، فان المعطيات الماثلة حيالها تشير الى ان رئاسة المجلس تواجه التحدي الأقوى هذه المرة من خلال ارتفاع الاصوات الرافضة لما يعتبر خرقا دستوريا في عقد جلسات تشريعية قبل انتخاب رئيس الجمهورية وما دام المجلس في واقع الهيئة الناخبة التي لا تتيح له عقد جلسات تشريعية. واخذ المعارضون سندا قويا من دعم بكركي كما من نواب مستقلين لا يدورون عادة في فلك أي اتجاه سياسي الامر الذي “سيسدد” رسالة قوية لسلطة بري المعتاد على مواجهة تحديات واسعة لسلطته بهذا الشكل .
“التيار” المحرج
وفيما اعتبر ترجيح الكفة في فرض عقد الجلسة وجمع الأكثرية اللازمة لها او النجاح في منع انعقادها رهنا بالموقف النهائي الذي سيتخذه “تكتل لبنان القوي”، بدا واضحا ان الحملات المركزة على موقف “التيار الوطني الحر” المتسم بازدواجية بين ممالأة لانعقاد الجلسة التشريعية ورفض متشدد حيال جلسات مجلس الوزراء قد فعلت فعلها في حشر “التيار” واحراجه وحمله على التلويح بانه قد لا يوافق على الجلسة التشريعية. فبعد تصاعد السجالات الحادة بين “القوات اللبنانية ” و”التيار الوطني الحر” حول هذا الملف، اعلن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل موقفا “حمال أوجه” من انعقاد الجلسة اذ قال “الدستور واضح أنّ الشغور الرئاسي يتعامل معه، على أنه ظرف استثنائي ليس طبيعيًا ولا يطول”. وأضاف “أكان مجلس الوزارء مجتمعًا يحلّ مكان الرئيس، وبالتالي أي قرار يتطلب موافقة جميع الوزراء أي الأكثرية، وأكان من ناحية أن المجلس النيابي هو بحالة انعقاد دائم لانتخاب الرئيس، وبالتالي أي تشريع يوجبه فقط أمر طارئ وضروري. من هنا اتت نظريّة تشريع الضرورة التي اعتمدها الجميع عام 2014 – 2016، بحيث أن الذي يرغب بإنتخاب رئيس لا يمكنه إعتبار الأمر عاديًا، لا في الحكومة ولا في البرلمان . يعني عدم إعتبار مجلس الوزراء أمرا عاديا يحصل بعدّة بنود دون موافقة كامل الوزراء، ولا إعتبار البرلمان مشرّعا”. ورأى باسيل أنَّ “الصادق بإنتخاب رئيس للجمهورية يمنع الأمرين في الحكومة والبرلمان ويرفض الإجتماعين”. وختم: “الطارئ الأوّل هو انتخاب الرئيس ولن يحصل الاّ بالتفاهم”.
وكانت الحملة المعارضة لعقد الجلسة سجلت خطوة بارزة مع اصدار بيان النواب الـ 46 الذين اعلنوا فيه رفضهم المشاركة بأيّ جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس للجمهورية انطلاقا من “التزامهم المطلق بالمواد ٤٩ و٧٤ و٧٥ من الدستور، التي تنص صراحةً على أنّه عند خلو سدة الرئاسة يضحى المجلس النيابي هيئة انتخابية ملتئمة بشكلٍ دائم، منعقدة وقائمة حكماً وبحكم القانون، حصراً من أجل انتخاب رئيس للجمهورية”. واعتبروا ان عقد جلسة تشريعية، أيّاً يكن سببها، هي مخالَفة للدستور وبمثابة ضربة قاتلة لأساسات النظام اللبناني. وأيّ جلسة، بهذا الصدد، لا تستقيم وهي بحكم المنعدمة الوجود والباطلة، ولا يمكن أنْ تنتج عنها أيّ مفاعيل؛ وهذا يُرتِّب موجباً دستورياً على النواب بعدم المشاركة بأيّ “جلسة” من هذا النوع وعدم الاعتراف بها، وأيّ مشاركة من قبلهم أو اعتراف منهم بها يُعَدّ انتهاكاً صارخاً لأحكام الدستور؛ لذلك، إنّنا لن نشارك بأيّ جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس الدولة، ولن نعترف بأي من قوانينها وسنمارس تجاهها أي حقّ يمنحه إيّانا الدستور للطعن بها”.
وعشية اجتماع هيئة مكتب المجلس اعتبرت “القوات اللبنانية ” عبر عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب غسان حاصباني أنه “بغياب رئيس الجمهورية سيكون إقرار القوانين خرقا واضحا للدستور وندرس الطعن بالقرارات التي تضرّ بمصلحة المواطن اللبناني”. وحذّر حاصباني من أن “مَن سيذهب الى الجلسة التشريعية سيتحمّل مسؤولية الزلزال الثاني ما بعد 17 تشرين ونعيد تكرار التحذير من الاستمرار بالنهج نفسه والثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر يسعون لإقرار “الكابيتال كونترول” وفي الجلسة خطرَين دستورياً وتقنياً”.
وعلى جبهة النواب المستقلين المعارضين اعتبر النائب غسان سكاف أن “المادة 75 من الدستور تنص على ان المجلس النيابي يصبح هيئة ناخبة وليس اشتراعية، ومن هنا لن نشارك في الجلسة التشريعية”. وقال “لا لاستغلال او تفسير كلمة التئام لتعطيل نص المادة 75 وافقادها معناها وروحيتها وغايتها”، لافتا الى ان “تسيير أمور المواطنين لا يكون من خلال التطبيع مع الفراغ أو التنظيم معه من خلال وسائل غير قانونية بل من خلال الضغط على المعطلين الذين انتجوا الأزمات الدستورية”. ولفت ان “عدم حضور النواب ال46 يوجه رسالة قوية للمجلس ومكتبه مفادها: حذار أن تدخلوا بلعبة تدخلون اليها قوانين تحمل التباسا”.
أضاف: “عنوان الجلسة التشريعية المحاصصة لذلك لن نقبل بأي جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس للجمهورية. مهما أعطى التيار من تبريرات لحضوره الجلسات التشريعية التي كان يرفضها سابقا لن يقدر ان يقنع حتى مناصريه. والرئيس بري يتجه اليوم الى عبارات تشريع الضرورة لكن المفارقة انه حينها بحجة الميثاقية وحجة الحفاظ على موقع الرئاسة رفض فريق انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، فما الحجة اليوم للقبول بجلسة تشريعية؟”.
اسناد من الراعي
وحظي النواب المعارضون بدعم قوي من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي قال: “يتكلّمون عن الحوار وعن مبادرة ما من البطريركيّة، إنّ الكرسي البطريركي الذي ما توانى يومًا عن تحمّل المسؤولية يتمنى على جميع القوى السياسية أن تشاركه المسؤولية بصراحة ووضوح ليكون النجاح حليفنا جميعًا. فإذا كان رئيس الجمهورية مارونيًّا فالناخبون ليسوا جميعهم موارنة ومسيحيين. وإذا كان جزء من مسؤولية الشغور الرئاسي يتحملها القادة المسيحيون، فالمسؤولية الكبرى تقع على غيرهم. لأن المسيحيين مختلفون على هوية الرئيس بينما الآخرون مختلفون على هوية الجمهورية. لذلك نحن حريصون على عدم المس بهوية لا الرئيس، ولا الجمهورية لأنهما ضمانة لوحدة لبنان والكيان في ظل المشاريع الداخلية والأجنبية التي وضعت لبنان على المشرحة دون أيّ اعتبارٍ لتاريخ هذه الأمّة وخصوصيتها. ولبنان ليس نظامًا ينتقل من فريق إل فريق، إنما أمّة تنتقل من جيل إلى جيل عبر الآلية الديمقراطية دون ما سواها. في كلّ حال يبقى الموضوع الأساس أن يلتئم مجلس النواب وينتخب رئيسًا بموجب المادّة 49 من الدستور. إنّ عدم إلتئامه والتمادي في الشغور لا يبرّر مخالفة المادّتين 74 و75 منه اللتين تعلنان “المجلس النيابي هيئة إنتخابيّة لا تشريعيّة”. إنّ مخالفتهما تنسحب على مخالفة المادّة 57 المختصّة بصلاحيّة رئيس الجمهوريّة، وتقضي على مبدأ فصل السلطات الذي تقرّه مقدّمة الدستور في بنده (هاء). فمن أجل هذا، يعتصم النائبان، مشكورين، في المجلس النيابيّ بصورة متواصلة منذ خمسة وعشرين يومًا، من دون كهرباء ودفء في هذه الأيّام، والبرد قارص، محرومين من التنقّل والإستجمام والعيش في دفء عائلتيهما. إنّنا نعوّل على حكمة دولة رئيس مجلس النواب للمحافظة على وحدة المجلس”.