مجلة وفاء wafaamagazine
5 درجات على مقياس الفوضى والغضب سجّلها لبنان أمس في بداية مسار منتظر في هذا الاتجاه على وقع هزات أرضية اصبحت شغل الناس الشاغل، فويلهم الزلازل وبات الخوف منها يسكنهم وويلهم الهزّات الارتدادية لكارثة الدولار الذي يسابق الريح آتياً على كل القطاعات التي تصاب بانهيارات متتالية وتصاعدية، وقد شكلت ساعات حرق بعض المصارف وقطع طرق متنقّل ولو خجول بروفا لمشهد سوداوي يحتسب له اللبنانيون الذين وَحّدهم الجوع وقلة مسؤولية اهل الحكم في اجتراح حلول للمعالجة بعيداً عن المصالح الفئوية…
وقال مصدر أمني رفيع لـ”الجمهورية” إن “الوضع لا يطمئن وان رقعة الاحتجاجات والتحركات على الارض ستتوسّع، وعنوانها اجتماعي قابل للاستثمار في السياسة وقد توصل الى الانهيار الشامل ويستطيع الخارج من خلفها إحضار الافرقاء السياسيين الى الطاولة مُنهكين وفرض ارادته عليهم، ليس بالضرورة ان تكون مقبولة انما ستجعلهم يفتحون الباب على تسوية والقبول باسماء غير معلنة وخريطة حل”.
واكد المصدر “ان هذه التحركات لن تؤدي الى انفجار امني، فمَن سيحارب من؟ لكن حتماً ستدخل البلد في نفق جرت العادة ان يعلم من وراءها كيف تبدأ وليس كيف ستنتهي، والخوف ليس من صدام داخلي، إنما صدام في المنطقة، خصوصا انها مقفلة في ملفات عدة من اليمن الى سوريا والعراق ومصر وتركيا، فالجو الاقليمي ملبّد ولبنان ورقة “ملك” بعكس ما يقال من انه في قعر الاهتمامات، وان لا يرسم له الحل لا يعني انه ورقة مهملة او غير ذات اهمية خصوصا لدى من يدعون ادارة الظهر له”. وختم المصدر قائلاً: “انها لعبة شطرنج في المنطقة ولكن متى “يكش الملك”؟؟؟ هذا هو السؤال”.
مشهد أسود ومقلق
وقد اتّسم نهار امس بمشهد النار التي كانت تلتهم ماكينات سحب الاموال امام المصارف، وامام منزل رئيس جمعية المصارف اللبنانية، فيما ساد قلق من تفلّت الاوضاع، وانتقال النار الى مواقع أخرى، بحيث يصبح الفلتان مُعمّماً، ويصعب ضبطه.
في الموازاة، كان سعر صرف الدولار يسجّل قفزات قياسية جديدة، ويضيّق الخناق على كل اللبنانيين، وتجاوز عتبة الـ 80 الف ليرة، وسط ذهول شعبي، وعجز حكومي تم التعبير عنه باجتماع يتيم في السرايا، لم يصدر عنه اي قرار يشفي الغليل.
ويبقى السؤال لماذا جنّ جنون الدولار في الايام القليلة الماضية، وهل من عوامل محددة لهذا الانهيار الدراماتيكي في سعر صرف الليرة؟
فَنّد خبير اقتصادي لـ”الجمهورية” العوامل المستجدة، التي ساهمت، الى جانب الأزمة الرئيسية، في اعطاء دفع للدولار، ويمكن تلخيصها بثلاث نقاط:
اولاً – وقف عمل منصة صيرفة وحَصرها بموظفي القطاع العام، بسبب تراجع مصرف لبنان عن ضخ الدولارات، بعدما زاد الضغط عليه.
ثانيا – تداعيات تغيير سعر السحب من الودائع الدولارية من 8 آلاف الى 15 الف ليرة. اذ أصبح هناك فجوة بين سعر الشيك باللولار وبين السحب بالليرة. بالاضافة الى تهافت المودعين على السحب على السعر الجديد.
ثالثا – الاضطرابات التي رافقت الأزمة بين المصارف وبعض القضاء، الامر الذي دفع المضاربين الى الافادة من الوضع لبيع كميات “الكاش” بالليرة، ما زاد من الضغوطات على العملة الوطنية”.
وختم الخبير قائلاً: “هذه العوامل هي اضافية وليست اساسية، ووقف انهيار الليرة لا يمكن ان يتم سوى من خلال معالجة اساس الأزمة، اي إقرار خطة للانقاذ تنقل البلد الى مشهد مختلف عن مشهد الافلاس الذي دخله رسمياً منذ آذار 2020”.
مال وأمن
وحضرت امس تداعيات التدهور المالي في سلسلة اجتماعات عقدت في السرايا الحكومية، ومنها الاجتماع الذي عقد برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وشارك فيه وزير المال يوسف الخليل، وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووفد من المجلس المركزي للمصرف، المدير العام لوزارة المال جورج معراوي، المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة محمد ابو حيدر. وخصص الاجتماع للبحث في الحلول المطلوبة للأزمة النقدية والتخفيف من انعكاساتها على اللبنانيين، وتم الاتفاق على ابقاء الاجتماعات مفتوحة.
إضراب المصارف
وعلم انّ البحث تناول ملف إضراب المصارف ونتيجة الاتصالات التي أجراها وزير المال مع أركان جمعية مصارف لبنان، بعد مسلسل الاعتداءات على فروع بعض المصارف في بدارو وفروع مصرف لبنان في أكثر من منطقة.
وعلمت “الجمهورية” ان وزير المال نقل الى ميقاتي أجواء عن احتمال رفع الإضراب الجزئي في المصارف الإثنين المقبل، على أن يَلي ذلك إجتماع مالي موسّع يتم فيه البحث في تدابير يمكن اتخاذها للحد من الارتفاع السريع لسعر صرف الدولار عدا عن المراجعات القضائية.
وخصّص ميقاتي اجتماعاً لملف المحروقات التي ترتفع اسعارها اكثر من مرة يومياً على وقع ارتفاع سعر الدولار، شاركَ فيه وزير الاقتصاد والتجارة امين سلام ووزير الطاقة والمياه وليد فياض وممثل موزعي المحروقات فادي ابو شقرا وامين سر نقابة المحطات حسن جعفر ورئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط مارون شماس، وجرى البحث في تفاصيل التعاطي مع أسعار المحروقات من دون اللجوء الى التسعير بالدولار وطريقة برمجة جداول الأسعار قياساً على التقلب في أسعار العملة الخضراء.
مجلس الأمن المركزي
وفي حصيلة مجموعة الاجتماعات ومنعاً لتداعياتها الأمنية وانعكاساتها على مختلف وجوه الحياة في لبنان، دعا ميقاتي اعضاء مجلس الامن المركزي الى اجتماع يُعقد بكامل اعضائه عند العاشرة قبل ظهر اليوم في السرايا للبحث في الخطط الامنية المطلوبة لمواجهة الاستحقاقات الأمنية التي عكست أجواء الاحتقان نتيجة الوضع النقدي والمالي، والاحداث في البقاع الشمالي التي سقط فيها امس ثلاثة شهداء من الجيش في بلدة حورتعلا في مواجهة شبكة خطيرة من تجار المخدرات والاتجار بالممنوعات وملاحقة مطلوبين بجرائم متعددة.
لبنان يستعيد صوته
وفي اجتماع خصّص للبحث في نتائج اجتماعات الجولة التي قام بها سفراء لقاء باريس الخمسة الأميركي والسعودي والفرنسي والقطري والمصري، التقى ميقاتي وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب الذي أبلغَ إليه أنّ لبنان يستعيد حقه بالتصويت في هيئات الأمم المتحدة في أول استحقاق في 23 الجاري بعدما تسلمت الامم المتحدة أولى الدفعات المالية المترتبة عليه من اشتراكات مالية متأخرة لعامي 2021 و2022 على ان تستكمل هذه العملية قبل هذا الموعد في مجلس الأمن.
وكان ميقاتي قد التقى مدير قسم الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية فيجاي رانغاغاجان الذي دعا “السياسيين اللبنانيين الى الاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
نصرالله يحذّر
وفي هذه الاجواء أطلّ الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في ذكرى “القادة الشهداء” في الحزب، مُطلقاً رسائل في مختلف الاتجاهات فقال: “لا جديد في الملف الرئاسي، الكل انتظر اللقاء الخماسي في باريس، كلّكم عشتم صورة النتائج، وأنهم لم يُصدروا بياناً لأنّ نقاشاتهم ما زالت مفتوحة، وجاؤوا وحمّلوا اللبنانيين المسؤولية، وهذا صحيح، لأن اللبنانيين هم الذين يتحملون المسؤولية، ومن اليوم الأول وإلى اليوم نادَينا وسنبقى ننادي أنّ هذا استحقاق داخلي وان الدنيا لا تستطيع أن تفرض رئيسًا على الشعب اللبناني ولا على القوى السياسية اللبنانية، وان الخيار الحقيقي هو التفاهم الداخلي واستمرار الجهد، يعني مرة نقول انّ الأفق مسدود والأمور صعبة ولا أحد لديه 65 صوتاً وكل شخص يذهب إلى بيته، هذا خطأ، يجب أن يستمر الجهد والبحث عن حلول وآفاق وتفاهم واتفاق، ليكون للبنان رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن”. واشار الى “الهمّ الاقتصادي والمعيشي الطاغي” الذي ازداد سوءًا في ضوء الارتفاع المتفلّت لسعر الدولار وقال: “الآن يقولون ان الليرة اللبنانية فقدت 95 % من قيمتها، يمكن أن يأتي وقت لا يعد لها قيمة. ماذا نفعل؟ أنبقى ننتظر الأميركي؟ الأميركي لن يرضى”. وحذّر شركات التنقيب من التسويف في موضوع النفط والغاز، وقال: “إذا ظنّ أحد أنه إذا حصل تسويف بموضوع استخراج النفط والغاز من المياه اللبنانية ونكتشف حقًا أن هناك تسويفاً ولعباً على اللبنانيين وأن هناك ضحكاً على اللحى، سنسمح بأن يستمر باستخراج النفط والغاز من كاريش؟ أنا أقول لكم أبدًا. هذا معنى إذا كنت تريد أن تجوّعني فسأقتلك، هناك أناس أخذوها أنه كلام انفعالي، لا، أنا فكّرت جيدًا بالكلمة، هذا معنى إذا كنت تريد تجويعنا سنقتلك، نقتلك، لم يتغيّر شيء في منطقنا”.
واضاف: إذًا، في موضوع النفط الغاز شدّوا همّتكم، ثلاث سنوات، أربع سنوات، حسنًا، أصبح لنا ثلاث أربع سنوات في الدوّامة، من تشرين 2019، هذا باب فرج كبير. قرأت بعض التقارير أن بعض أجهزة المخابرات تقول انه إذا لم يحصل حلّ سياسي في لبنان وإصلاح، هذا النفط لا أدري ماذا سيحصل به والغاز لا أدري من سيأخذه وإلى آخره… يعني هناك نيات مسبقة للتسويف، أنا أحذّر من التسويف وهذا يحتاج الى قرار جريء تتخذه الحكومة الحالية، الحكومة الآتية، نقول للأميركي اعمل معروف “حلّ عنّا قليلًا”، وإذا كان للبنان الجرأة فليأتِ بالصيني وبالروسي وليقبل بالمساعدات الإيرانية، الأميركي براغماتي، سيلف وسيعود وسيجلس ويتحدث معك بالشروط وسيخفف اندفاعك، لكن إذا بقينا مستسلمين، نحن في لبنان لماذا يحتاج إلى قانون قيصر ولا إلى قانون عقوبات للأسف الشديد، الأمر المحزن جدًا يكفي أن ترفع السفيرة الأميركية الحالية أو الآتية حاجبيها بالرفض حتى ينتهي الأمر. ما علاقة هذا بالسيادة والقرار المستقل وبالوطنية وبالإنسانية وبالشخصية وبالرجولة وبالشهامة. أنا أقول ان المطلوب هذا الحلّ، وإلا سنعود إلى الدوامة نفسها، إسحبوا من أموال البنك المركزي وأموال المودعين وضَعوهم في السوق لتنزل الليرة، هذه اللعبة ستنتهي، عاجلًا أم آجلًا ستنتهي، هل نقبل أن نذهب إلى الانهيار؟”.
واضاف: “إذا كان الأميركي يخطّط للفوضى، إذا كان جماعة أميركا في لبنان يُخطّطون للفوضى ولانهيار البلد، أنا أقول لهم من الآن أنتم ستخسرون، ستخسرون كل شيء في لبنان”. وحذّر من انه “إذا دفعتم لبنان إلى الفوضى ستخسرون في لبنان وعليكم أن تنتظروا الفوضى في كل المنطقة”. وقال: “عندما تمتد مؤامراتكم إلى اليد التي تؤلمنا وهي ناسنا سنمدّ أيدينا وسلاحنا إلى اليد التي تؤلمكم وهي ربيبتكم إسرائيل. من يتصوّر أننا سنجلس ونتفرّج على انهيار وعلى فوضى وعلى منع من الحلول من دون أن نحرك ساكنًا هو واهِم. أنظروا، نحن في موضوع الحدود البحرية والنفط والغاز كنّا جاهزين جدّيًا والعدو أدرك هذا بجديّة أن نذهب إلى خيار الحرب. واليوم أقول في ذكرى قادتنا: من يُريد أن يدفع لبنان إلى الفوضى أو الانهيار عليه أن يتوقع منّا ما لا يخطر له في بالٍ أو وهم، وإن غدًا لناظره قريب”.