مجلة وفاء wafaamagazine
ترأس متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس وتوابعها المطران الياس عوده، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس.
بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “الأحد الثاني من الصوم الأربعيني المقدس مكرس للقديس غريغوريوس بالاماس، رئيس أساقفة تسالونيكي. فبعدما عيدنا في الأسبوع الأول من الصوم لانتصار الرأي القويم، يعتبر تثبيت القديس غريغوريوس بالاماس لتعاليم الكنيسة المقدسة في القرن الرابع عشر إنتصارا ثانيا لاستقامة الرأي بعد الإنتصار على محاربي الأيقونات. لهذا، خصصت الكنيسة الأحد الثاني من الصوم لتذكاره، إلى جانب تذكار رقاده في الرابع عشر من تشرين الثاني. تمرس القديس غريغوريوس بالصلاة القلبية، أي صلاة الرب يسوع، التي نتعلمها من فم العشار القائل: «يا الله ارحمني أنا الخاطئ». يعلمنا الآباء القديسون شكلا آخر لتلك الصلاة حيث نقول: «ربي يسوع المسيح ارحمني أنا عبدك الخاطئ». بالنسبة إلى القديس غريغوريوس، إن صلى المرء بمنتهى البساطة في قلبه مكررا الصلاة القلبية، فإنه يؤدي العمل الفائق الذي من أجله خلق، لأنه سيجد نفسه أخيرا في دائرة النور الذي أشرق على قمة جبل ثابور يوم التجلي الإلهي. يقول القديس غريغوريوس: «في الاسم القدوس، طاقة إلهية تخترق قلب الإنسان وتغيره متى انبثت في جسده». هذه الصلاة، رغم بساطتها، تحمل تعليما عميقا. فيها نعترف بأن يسوع المسيح هو ربنا، تاليا ننبذ كل ما يمكنه أن يتسلط علينا من أفكار وأهواء وشهوات يولدها المجرب في قلوبنا. نقر بأن الرب يسوع هو ابن الله الوحيد، الذي أتى إلى العالم ليخلص الإنسان من عبودية الخطيئة وموتها، وهو كلمة الله الذي، إذا سرنا على خطاه وهدي تعاليمه، نرث الملكوت السرمدي والحياة الأبدية”.
أضاف: “وبما أن الكبرياء كانت سبب سقوط الإنسان قديما، وهي أم الخطايا، نجد هذه الصلاة مؤسسة على التواضع والاعتراف بأننا خطأة وأننا بحاجة إلى رحمة الله. نجاهر بعبوديتنا لله، وما العبودية لله إلا أقصى درجات الحرية، كما يقول الرسول بولس: «فاثبتوا إذا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها، ولا ترتبكوا أيضا بنير عبودية» (غل 5: 1). عندما نتضع مقرين بأننا عبيد الرب، نكتسب صفة البنوة التي يمنحها الله لمحبيه، بيسوع المسيح. يقول الرسول بولس: «لم تأخذوا روح العبودية أيضا للخوف، بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ: يا أبا الآب» (رو 8: 15). عندما نصلي الصلاة القلبية، معترفين بحرية بما فيها من تعاليم، ننال النعم الإلهية التي يغدقها الله علينا، ومنها نعمة التبني. يقول الرسول بولس: «أما الآن، إذ أعتقتم من الخطيئة، وصرتم عبيدا لله، فلكم ثمركم للقداسة، والنهاية حياة أبدية» (رو 6: 22). إذا، أن نكون عبيدا لله، يعني أن نكون فعلة في كرمه، عاملين بكلمته حتى نأتي بثمر أفضل، أي أن نقوم بالأعمال المبنية على المحبة”.
وتابع: “يقول أحد الآباء المعاصرين: «هذه هي الحال في قلوبنا. في الداخل هناك أعداء متمردون: أفكار سيئة، أهواء، ضعفات، تشويشات، اضطرابات، قلق، وتجاذبات. كل شيء يحدث في القلب. فمن أجل ترتيب حالة القلب هذه وإخضاعه، يجب أن يأتي المسيح الملك مع جنوده ليستلم زمام الأمور، ويطرد الشيطان، ويهدئ كل قلق ناتج عن أهوائنا وضعفاتنا، ويحكم كملك قدير. إستنادا إلى الآباء، هذه الحالة معروفة باسم سكينة القلب، أي أن تسود الصلاة بلا انقطاع وأن تخلق نقاء وقلبا هادئا”.
وقال: “الصلاة ليست حكرا على الرهبان أو الكهنة، بل هي حوار قائم بين كل إنسان يسعى إلى البنوة، وبين الآب السماوي. لهذا علمنا الرب يسوع أن نصلي قائلين: «أبانا الذي في السموات…». لا يتعلم الإنسان الصلاة بين ليلة وضحاها، بل هي وليدة خبرة روحية تبدأ منذ الصغر، يشب عليها المصلي، وللأهل دور كبير في غرس بذور الصلاة في قلوب أولادهم، كما كان لوالدة القديس غريغوريوس بالاماس الأثر الأكبر في حياة ولدها. ولا ننسى أن الشيطان لا يطرد إلا بالصلاة والصوم كما يقول الرب لتلاميذه (مر 9: 29)، لهذا فالهدية الأفضل التي يمكن للأهل منحها لأولادهم هي تدريبهم على أصول الحياة الروحية وعلى استخدام الأسلحة النافعة للنفس”.
أضاف: “منذ أيام، احتفل العالم بيوم المرأة. كثر منا يعرفون أنهم مهما فعلوا لا يوفون المرأة جزءا مما تعطي. فهي الوالدة وهي المربية وهي الزوجة المحبة والمحتضنة عائلتها وجامعة شملها. من تقود العائلة بمحبة وتفان وتضحية هل يمكن أن تبخل على وطنها بعطاءاتها؟ المؤسف عندنا أن الرجال يقطعون الطريق أمام النساء الرائدات، المتحمسات للعمل في الحقل العام، ومشاركة الرجل المسؤولية، وخدمة الوطن والمجتمع، وقد يكن أنجح من الرجال لأنهن أشد صبرا وأكثر إيجابية وعطاء ويرفضن الظلم والعنف والحرب. في هذه المناسبة، لا يسعنا سوى التفكير بما سيكون الوضع عليه لو يتم انتخاب امرأة لرئاسة الجمهورية. فمنذ نشوء الدولة في لبنان، لم نر إلا رجالا في سدة الرئاسة، كانوا حينا أقوياء قادرين، وأحيانا عاجزين. لم يمر لبنان بخبرة نسائية في مراكز القيادة، وكأن المرأة مهمشة ومقموعة وممنوعة عن إتمام دور قيادي لا شك أنها ستنجح فيه، مما قد يشكل عقدة نقص لبعض الذكور، وسيظهر ضعفهم الذي يسببه جلوسهم على عروشهم التي يعتبرونها أملاكا. المرأة لا تعرف الجلوس والراحة، أكانت أما أو ربة منزل أو موظفة، أو في أي مكان حلت. فلماذا، إذا، لا تسلم المرأة زمام أمور الدولة والبلد، أسوة بكثير من البلدان التي أصبحت رائدة بفضل رئيساتها؟ كذلك احتفل طلابنا بمعلميهم بمناسبة عيد المعلم. فالمعلم الناجح صانع للأجيال الناجحة، ينشئ طلابه على حب المعرفة والحس النقدي، ويلقنهم ما يساعدهم على تنمية قدراتهم واستنباط مهاراتهم. المعلم العظيم ملهم لطلابه. إنه «ناسك انقطع لخدمة العلم كما انقطع الناسك لخدمة الدين» كما يقول أحد الأدباء”.
وتابع: “المؤسف أن الوضع الصعب الذي نمر فيه جعل المعلم ينشغل بكيفية توفير العيش الكريم لعائلته عوض الإهتمام برسالته التعليمية. المعلم، كسائر اللبنانيين يعاني، ولا يجد أذنا صاغية عند المسؤولين، فيما نحن اليوم بحاجة إلى معلمين أكثر مما نحن بحاجة إلى سياسيين. المجال التربوي برمته يعاني. فلا الأهل قادرون على تحمل أعباء تعليم أولادهم، ولا المعلم قادر على تأمين حياة أولاده لينصرف إلى مهنته ، ولا المؤسسات التربوية قادرة على تحمل كلفة التعليم، وكلفة التشغيل، والقيام بمساعدة من تجب مساعدتهم كما في السابق، بسبب الإنهيار المالي والإقتصادي والسياسي، وبسبب تأخر انتخاب رئيس ذي رؤية واضحة وبرنامج إصلاحي، يقود البلاد مع حكومته إلى إنقاذ الوضع العام، والوضع التربوي الذي كان علامة لبنان الفارقة. فوطننا، معلم الحرف والحقوق والريادة والإبداع، وقد أبدع أبناؤه في العالم أجمع، أصبح يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة في ظل سياسات فاشلة، وغياب الضمير الذي هو المعلم الداخلي الذي يرشد الإنسان إلى الخير والحق والصواب. فمتى الخلاص؟ متى يشعر المسؤولون بما يعانيه المعلم، والشعب كله؟”
وختم: “نرفع الصلاة من أجل أن ينير الرب حياتنا بنوره غير المخلوق، الذي علمنا عنه القديس غريغوريوس بالاماس. كما نصلي من أجل أن يعرف الجميع أن الله محبة، والمحبة تستوجب التواصل مع المحبوب، ومن لنا غير الله حبيبا وختنا. دعاؤنا أن يحفظ الرب الإله جميع النساء والمعلمين والمعلمات ليتابعوا رسالتهم، وأن يحفظكم جميعا بشفاعات والدة الإله القديسة”.