مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “الجمهورية”:
حال السياسة في لبنان لا تعدو أكثر من تقطيع وقت، وثمّة تسليم عام لدى المستويات السياسية على اختلافها بأنّ كل الملفات الداخلية مؤجّلة حتى ما بعد جلاء الصورة في المنطقة، ما يعني بقاء هذا البلد محبوساً في مربّع الانتظار الى أجل غير مسمّى.
على انه في موازاة هذا الإنتظار يبدو المشهد الداخلي مضبوطاً من جهة، على إرباكات ضاربة كل المفاصل، وشعور عام بانعدام فرص التفاؤل في بلوغ نوع من الانفراج في المدى المنظور. ومن جهة ثانية، على صورة فاضحة تبرز حقيقة انّ تطورات المنطقة عَرّت ديوك الانقسام السياسي، وأعطَت لكل منهم حجمه الطبيعي وأكدت بما لا يقبل أدنى شك أن لا مكان لهم في القضايا الكبرى، وكشفت حقيقة السياسات والنوايا والغايات التي يُعبّر عنها بالصياح من خلف المنابر وعلى الشاشات وبَث السموم والشحن السياسي وغير السياسي وعوامل التفرقة وإشهار العداوات وتعميق الاصطفافات على مواقع التواصل الاجتماعي.
فرص التحصين معدومة
كان يمكن للواقع اللبناني الّا يُصاب بهذا التحلل، على ما يقول مسؤول كبير لـ”الجمهورية” في معرض توصيفه للمشهد الداخلي، “المخاطر تتراكم على البلد من كل الاتجاهات، والمُفجع انّ المناعة الداخلية مفقودة. فاصِل الخلل، لا بل المرض الذي يعانيه لبنان هو من الداخل، لو نَزلت اطراف السياسة في لبنان الى ارض الواقع، وقاربت اللحظة المصيريّة التي تعيشها المنطقة ومن ضمنها لبنان، بما تتطلّبه من خطوات تحصينيّة عاجلة لوضعنا الدّاخلي. وأولى هذه الخطوات المُسارعة إلى صياغة توافق على انتخاب رئيس للجمهورية كمقدمة لإعادة انتظام الحياة السياسية المعطلة، ولكن لا أمل بحل يُرجى مع عقليات يحكمها الحقد على البلد”.
بري جاهز بشرط …
وسط هذه الأجواء، تؤكد مصادر عين التينة لـ”الجمهورية” انّ رئيس المجلس نبيه بري وجّه دعوة مباشرة الى كل الاطراف المعنية بالملف الرئاسي، بأنّ “الظرف الحالي الذي تمر به المنطقة وما استتبعَه من تطورات على الجبهة الجنوبية، يوجِب ان نَتلقّف الفرصة لتحصين البلد وانتخاب رئيس الجمهورية، وهو على جهوزية دائمة لأيّ تحرّك من شأنه أن يكسر حلقة التعطيل، والشرط الاساس لذلك هو تجاوب كل الاطراف واستعدادهم لحسم الملف الرئاسي والتوافق على انتخاب رئيس”.
وتلفت المصادر الى أنّ بري لا “يغيّب الملف الرئاسي عن لقاءاته التي يجريها، خصوصاً في محادثاته مع الموفدين والسفراء حيث يقارب هؤلاء موضوع الرئاسة من زاوية الضرورة المُلحّة للتعجيل بحَسمه وانتخاب رئيس، والرئيس بري يرحّب بأيّ مسعى خارجي يرمي الى إنهاء الازمة الرئاسية، وضمن هذا التوجّه بادرَ الى تشجيع القطريين على استئناف مسعاهم”.
واذ اشارت المصادر الى وجود مرشح واحد حالياً مُعلن بشكل رسمي، هو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، فيما الآخرون لم يحسموا ترشيحاتهم بعد، خَلصت الى التأكيد على جهوزية الرئيس بري للدعوة فوراً الى جلسة انتخابية اذا ما لمس استعدادا صادقا من قبل الاطراف لتأمين نصاب انعقاد الجلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، وهو في هذا السبيل أكد دعمه ومباركته لكل الحراكات التي تسعى الى تحريك المياه الرئاسية الراكدة، سواء عبر تحرّك النائب غسان السكاف الذي قال انه سيتحرّك بمبادرة جديدة، او تحرّك نواب الاعتدال الذين قالوا انهم بصدد تسويق مبادرة في هذا الخصوص”.
المسعى القطري
الى ذلك، وفي موازاة اللقاء الذي عُقد في دافوس بين رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أكدت مصادر موثوقة لـ”الجمهورية” عَزم قطر على استئناف حراكها حول الملف الرئاسي اللبناني، وانّ الموفد القطري ابو فهد جاسم بن فهد آل ثاني سيقوم بزيارة الى بيروت في القريب العاجل، من دون ان تحدد مصادر المعلومات موعداً معيناً لهذه الزيارة.
يأتي ذلك في وقت لم تبرز فيه أي معطيات ايجابية ملموسة تؤشّر الى امكان حسم الملف الرئاسي، وابلغت مصادر رسمية مواكبة للحراكات الخارجية الى “الجمهورية” قولها: انّ المستويات السياسية في بيروت لم تتبلّغ أي موعد لزيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت.
اضافت: ربما يأتي الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في زيارة جديدة، ولكن بالنسبة الى ما يتعلق بلودريان فقد سمعنا عن زيارته في الاعلام وفق ما نقل عن السفير الفرنسي، وسمعنا ايضاً انّ اللجنة الخماسية ستجتمع، لكنّنا لا نعرف اين ستجتمع، ومتى، كما لا نعرف ما اذا كان في برنامجها أصلاً زيارات لموفدين عنها الى لبنان. في كل الاحوال كل جهد خارجي مساعد مُرحّب به بالتأكيد”.
ولدى السؤال عن تَرَدّد مبادرة جديدة سيحملها معه لودريان لتحريك الملف الرئاسي؟ قالت المصادر: قبل الحديث عن مبادرات يجب أن نتأكد أوّلاً إن كان سيأتي او لا، وبإسم من سيأتي هل باسم الدولة الفرنسية او ممثلاً للجنة الخماسية او باسمه الشخصي او في زيارة استطلاعية على غرار زياراته السابقة؟ حتى هذه اللحظة، لم نتبلغ رسمياً بحصول الزيارة، وبالتالي لا مواعيد محددة. وبالتالي كل ما يُحكى حول هذه الزيارة ما زال في اطار الكلام.
جبهة الجنوب
اما على الخط الجنوبي، فإنّ اسرائيل بدأت تدفع بالتطورات العسكرية في اتجاه تصاعدي أعنف ممّا كان عليه الوضع في السابق، في ظل كثافة ملحوظة في العمليات العدوانية الاسرائيلية لم تعد محصورة في منطقة الحدود، بل تجاوزتها الى مناطق لبنانية اخرى الى الشمال من نهر الليطاني.
وقد سجلت امس سلسلة غارات جوية عنيفة نفذها الطيران الحربي الاسرائيلي، على بلدة مركبا وحي المرج وحي صبيح وبئر المصلبيات في بلدة حولا، واطراف مروحين وبين راميا وبلاط، وخلة وردة في عيتا، والمنطقة الحرجية بين كفر حمام والهبارية وراشيا الفخار وكروم محيبيب. بالتزامن مع غارات نفّذتها مسيرات اسرائيلية على اطراف الضهيرة ويارين، وعلى منزل في عيتا الشعب، وسهل القليلة، ومحيط دير قانون راس العين بين العلية ومفرق الشعيتية، وعلى منزل في مارون الراس، ومحيط دبل وعيتا الشعب. وتواكب ذلك مع قصف اسرائيلي واسع شملَ سهل الخيام، ووسط الخيام، والعديسة، اطراف طير حرفا والجبين وشيحين، خراج الوزاني، اطراف مروحين، والبستان، اطراف راشيا الفخار والهبارية، خراج دير ميماس، خراج الطيبة، ميس الجبل وعلما الشعب حيث استهدفت الكنيسة الانجيلية الوطنية وألحقت أضراراً كبيرة في منزل القس ربيع طالب.
وفي المقابل اعلن “حزب الله” انّ المقاومة الاسلامية استهدفت تجمّعاً لجنود العدو في محيط موقع الراهب، كذلك استهدفت محيط موقع رويسات العالم بصواريخ “بركان”، وتجمّعاً لجنود العدو في تل شعر، ومستوطنة المنارة رداً على استهداف المناطق المدنية، ما أدى الى اصابة احد المباني فيها. ونَعى الحزب الشهيد رشيد محمد شغليل (ذو الفقار).
وأعلنت كتائب القسام انها قصفت ثكنة ليمان العسكرية في الجليل الغربي شمال فلسطين برشقة صاروخية من 20 صاروخاً انطلاقاً من جنوب لبنان، وذلك في سياق الرَد على المجازر الصهيونية بحق المدنيين في قطاع غزة، واغتيال القادة الشهداء واخوانهم في الضاحية الجنوبية”.
ميقاتي يلتقي بلينكن
هذه التطورات على الجبهة الجنوبية حضرت في المحادثات التي أجراها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي على هامش مشاركته في المنتدى الاقتصادي في دافوس، حيث التقى وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن، رئيس جمهورية أرمينيا فاهاجن خاتشاتوريان، ووزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان، ووزير خارجية اسبانيا خوسيه مانويل الباريس، ووزير خارجية النمسا الكنسدر شالنبرغ، والامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، ورئيس وزراء الاردن بشر الخصاونة، ورئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، رئيس وزراء تونس أحمد الحشاني، رئيس وزراء باكستان أنوار الحق كاكر ورئيس وزراء هولندا مارك روته.
وكرر ميقاتي خلال هذه اللقاءات “تأكيد التزام لبنان بمندرجات القرار الدولي الرقم 1701 وسائر القرارات الدولية”، مطالباً “بالضغط على اسرائيل لتطبيق القرار كاملاً والعودة الى الالتزام بكل القرارات الدولية منذ اتفاقية الهدنة الموقّعة عام 1949”.
كما اكد على “أولوية العمل على وقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية الى القطاع تمهيداً للعودة الى البحث في حلّ سلمي من خلال الاعتراف بالحق الفلسطيني بالعيش في وطنٍ آمِن”. ودعا “الدول الفاعلة الى الضغط على اسرائيل لوَقف تعدياتها على جنوب لبنان وانتهاكاتها المستمرة للسيادة اللبنانية”.
تحذير أميركي
وفيما برز امس تحذير اميركي على لسان وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن الذي اشار الى “أنّ هناك مخاطر كبيرة وواقعية لامتداد الحرب إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط”، تواصلت النار الاسرائيلية في اتجاه قطاع غزة وكذلك على مناطق في الضفة الغربية. امّا على الجبهة مع لبنان فتتوالى الاشارات الاسرائيلية حول استعدادات لعمل عسكري في هذا البلد، حيث أعلن عن مناورة اجراها الجيش الاسرائيلي تُحاكي هجوماً على لبنان.
تهديد إسرائيلي
وبحسب صحيفة “تايمز اوف اسرائيل”، قال قائد القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي اللواء أوري غوردين لجنود المناورة: “إنّ التمرين جزء من أهمية زيادة جهوزيتنا واستعدادنا لتوسيع القتال والهجوم على لبنان، نحن أكثر استعدادا لهذا ممّا كنّا عليه في أي وقت مضى، وعلى استعداد للهجوم إذا اضطررنا لذلك”.
وحول عودة المستوطنين قال: “لا يزال هناك كثير ممّا يجب التعامل معه، من أجل النجاح في تحقيق النتيجة المرجوّة المتمثلة في إبعاد “حزب الله” عن الحدود وتحسين الوضع الأمني، حتى نتمكن من إعادة سكان الشمال إلى منازلهم”.
وفي سياق التلويح الاسرائيلي بالحرب، كشفت القناة 12 الإسرائيلية عن قائمة مطالب بعثَ بها الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس إلى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، من ضمنها “تحديد سقف زمني للمفاوضات الدبلوماسية بالنسبة للوضع على الحدود مع لبنان”.
وقالت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية: “إنّ الصبر الإسرائيلي بشأن جبهة لبنان بدأ ينفد”. ولفتت إلى أنه “حتى عندما لا تكون إسرائيل مهتمة بحربٍ مع “حزب الله” في هذا الوقت، فإنه من المتوقع أن تزيد كثافة العمليات ضدها”. وقالت: “إسرائيل تعتقد أنّ انسحاب جزء كبير من القوات التي قاتلت في غزة من أجل التدريب، يوفّر الآن للجيش مرونة أكبر حتى في القرار الذي قد يؤدي إلى صراع أكثر كثافة، إلى حَد الحرب أيضاً على الحدود الشمالية مع لبنان”.
وفي حديثٍ عبر إذاعة “راديو نورث 104.5 إف إم”، أعربَ كبير الباحثين ورئيس قسم العالم العربي في جامعة رايخمان الإسرائيلية مايكل ميلستين، عن قلقه إزاء ما يجري عند الحدود مع لبنان، وقال: “إنّ الحرب مع لبنان هي مسألة وقت”، لكنه في الوقت نفسه لم يستبعد “الحل السياسي” بين إسرائيل ولبنان.
وبحسب موقع “Middle East Eye” البريطاني، فإنّ اسرائيل، وعلى الرغم من إعلان استعدادها لحربٍ شاملة على الجبهة الشمالية، تبدو أقل رغبة في هذا التصعيد، ومن المرجّح أن ينبع هذا التردد من التزاماتها العسكرية الحالية في غزة والتقييم الرصين لموقعها الاستراتيجي. ويعزّز هذا الموقف تقرير أميركي سرّي صدر مؤخراً، يشير إلى أنه من غير المرجّح أن تحقق إسرائيل نصراً حاسماً ضد “حزب الله” على جبهة ثانية”.
اضاف الموقع: “في حين يُظهِر كِلا الطرفين صورة من الاستعداد والقوة، يبدو أن هناك فهماً متبادلاً للمخاطر الكبيرة والخسائر المحتملة التي ينطوي عليها الصراع الشامل، مما يؤدي إلى اتّباع نهج حَذِر من قبل كليهما”.
وركّز الاعلام الاسرائيلي على “انّ “حزب الله” يدفن عناصره وسط مراسم حاشدة بينما يُدفن القتلى في المستوطنات الشمالية في الظلام وبحضور عدد محدود من الناس”، معتبراً ذلك “صورة تحكي كل شيء عن فقدان شرفنا الوطني وفقدان الردع عند الحدود الشمالية، وهذا إذلال لنا جميعًا”. ونقلت صحيفة هآرتس الاسرائيلية عن ضابط الأمن في كفار يوفال قوله: إنه “أمر غير مقبول، حتى لا يتخيّله العقل، لا يمكننا حتى إقامة جنازة بشكل صحيح. من المحزن أن تضطر عائلة إلى دفن الأم والابن في مراسم محدودة يحددها لنا نصر الله”.
وتحدثت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن “كابوس صواريخ “حزب الله” المضادة للدروع”، وقالت: “هناك عدد غير قليل من العائلات الإسرائيلية التي تتعامل مع الدمار الهائل الذي لحق بمنازلها، والبعض منها لن يعود إلى الشمال خوفاً من تكرار السيناريو الذي حدث في غزة”. وأشارت صحيفة “معاريف” الى أنّ “الجيش الإسرائيلي فوجىء بالصواريخ المضادة للدروع التي أطلقها “حزب الله” على قاعدة ميرون الجوية حيث كان هجومًا ناجحًا، ولكن ما الذي سيمنعه من مفاجئتنا مرة أخرى ويُقبل على إطلاق آلاف الصواريخ على حيفا وتل أبيب”؟.
ووصفت صحيفة “هآرتس” ما يحصل في الحدود الشمالية مع لبنان بـ”الصعب للغاية”، وقال محلل الشؤون العسكرية في الصحيفة عاموس هرئِل: “ما يحدث في الشمال يكفي لخلق وضع لا يطاق”، موضحاً أنّ “حزب الله” في الواقع يفرض بالنيران حزاماً أمنياً يمتد عدّة كيلومترات من الحدود، وفي المقابل تَردّ الحكومة الإسرائيلية بخطاب فارغ”. وأضاف: “إنّ ضربات الجيش الإسرائيلي، مهما كانت شديدة ودقيقة، لا تحدث تغييراً جوهرياً في الوضع”.