مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
مع أن صخب التهديدات المتصاعدة من إسرائيل بشن عملية او ضربات كبيرة على لبنان وما يقابلها من اعلان “حزب الله” استعداده لمواجهة احتمال الحرب لم يترك فسحة كبيرة لأي تطور سياسي داخلي ولو متصل بالأزمة الرئاسية المستعصية على كل الجهود والوساطات، بدا من غير الممكن تجاهل تزامن ثلاثة مؤشرات أمس صبت جميعها، عفواً ام قصداً، في خانة ما يسمى إما “المرشح الثالث” وإما “المرشح التسوية”. المؤشر الأول صاغه انطلاق تحرك “اللقاء الديموقراطي” والحزب التقدمي الاشتراكي سعياً الى توافق على المرشح “الوفاقي” ولو من دون تسمية. والمؤشر الثاني برز في الرحلة المشتركة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مع قائد الجيش العماد جوزف عون الى البقاع الشمالي وإشادة الراعي اللافتة بنهج “فتح الطرق” الذي يعتمده قائد الجيش فيما سواه يقطعها، ما اكتسب دلالة تتجاوز مناسبة تدشين شبكة طرق أقامها الجيش. والمؤشر الثالث جاء في ما نقل عن السفير السعودي وليد بخاري لجهة تقدم السعي نحو “مرشح التسوية”.
أما ما نقل وتردد في شأن وساطة قطرية لجمع وفد “القوات اللبنانية” والمعاون السياسي لرئيس حركة “أمل” النائب علي حسن خليل اللذين تزامن وجودهما في الدوحة، فنفته الأوساط المعنية لدى الجهتين نفياً قاطعاً، مشيرة الى أن كلاً من الفريقين موجود بدعوة خاصة به من قطر وليس بدافع أي وساطة لجمعهما.
غير أن لبّ الحركة السياسية الداخلية برز في بداية تحرك “اللقاء الديموقراطي” برئاسة رئيسه النائب تيمور جنبلاط إذ بدا لافتاً أنه اعتمد أو الزم نفسه سقفاً شديد الواقعية لجهة وصف تحركه في اتجاه جميع القوى السياسية بأنه “محاولة” توافقية أو توفيقية وليس مبادرة ببنود محددة، الأمر الذي عكس حذراً ضمنياً استباقياً لدى “اللقاء الديموقراطي” لادراكه طبيعة الحواجز والعقبات والصعوبات التي لا تزال قائمة أمام أي مبادرة لكسر انسداد الازمة الرئاسية. وعكست تصريحات المتحدثين باسم “اللقاء” هذا الاتجاه بوضوح بعدما استهلّ تحركه بلقاء رئيس حزب “القوات اللبنانيّة” سمير جعجع في معراب وضمّ الوفد إلى النائب تيمور جنبلاط النواب مروان حماده، أكرم شهيب ووائل أبو فاعور، في حضور النائبين غسان حاصباني ونزيه متى. واعتبر شهيّب “أننا بدأنا جولتنا ليس بهدف طرح مبادرة جديدة أو أسماء رئاسية إنما من أجل خلق مساحة مشتركة بين الكتل النيابية”. ورأى أنه “بغض النظر عن النتائج المرجوّة، من الضروريّ البحث الجديّ المشترك بين القوى السياسيّة لمحاولة الوصول الى رئيس وفاقي يجمع ولا يفرّق ويخرج البلاد من المأزق الحالي، وهذا لا يكون في رأينا، إلّا من خلال التلاقي والحوار والتشاور كما سمّاه أخيراً رئيس مجلس النواب نبيه بري”. وشدد على ضرورة “تسهيل الامور بين مختلف الأفرقاء السياسيين وصولاً الى صيغة مرنة مقبولة تلاقي المسعى المشكور لسفراء الدول الخمس ومسعى موفد الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان، علّنا ننتج مع جميع المخلصين رئيساً، حفاظاً على المؤسسات ورحمةً بالناس وحرصاً على وجود لبنان السياسيّ”. ولفت شهيب إلى “أنها محاولة وليست مبادرة، تهدف إلى التلاقي مع الجميع، ونحن ننتظر استكمال اللقاءات مع معظم القوى السياسيّة الفاعلة في البلد وعلى ضوئها نرى إن كنا سننجح أم لا”.
بعد ذلك التقى الوفد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في ميرنا الشالوحي، في حضور النائبين غسان عطالله وسيزار أبي خليل والمستشار أنطوان قسطنطين. وأوضح النائب هادي أبو الحسن “أن الحركة اليوم هي حركة سياسية بهدف خلق دينامية تؤدي لخلق مساحة مشتركة بين اللبنانيين يمكن التأسيس عليها لتجاوز الاستعصاء الرئاسي في هذه المرحلة الحرجة والنزوح السوري أجمعنا على معالجته. من خلال النقاش مع الزملاء الكرام، مع من سبق ومع من سيلي، نحاول إيجاد صيغة مرنة تؤدي إلى شكل من أشكال التشاور والنقاش في ما بيننا كلبنانيين”.
“رئيس التسوية”
وفي سياق آخر أفاد بيان لمكتب المرشح الرئاسي شبلي ملاّط أن “السفير السعودي وليد البخاري التقى بمجموعة من أهل العلم والعمل في مقره في اليرزة”، وأضاف أن “السفير أوضح موقف الحكومة السعودية في استنهاض الاقتصاد في مشروع 2030 على أساس تفاعلي ومتقدم في الدول العربية، كما أعلم ضيوفه عن تقدم التشاور حثيثاً على طريق رئيس التسوية الكفيل بإعادة الثقة لطاقات أهل بلاد الأرز الراسخة”.
وفي سياق آخر أيضاً، ألقى البطريرك الراعي كلمة خلال حفل الغداء الذي أقيم على شرفه في رأس بعلبك خلال زيارته مع قائد الجيش العماد جوزف عون لمناسبة افتتاح شبكة الطرق الجديدة، رأس بعلبك – القاع – قاموع، وصولاً إلى دير مار مارون العاصي. ومما قال الراعي: “أريد أن أحيّي مجدداً قائد الجيش العماد جوزف عون لأقول إننا اليوم معه والى جانبه، وأشكره على الطرق التي تم فتحها في هذه المنطقة، وأقول للعماد: أنت تفتح طرقاً بينما آخرون يقفلون طرقاً. نعم جميعنا بحاجة لأن نفتح طرقاً لبعضنا البعض، وتمنياتنا وصلواتنا ألا تكون هناك منطقة محرّمة على أبنائها أو محسوبة على شخص معيّن. فرحتنا لا توصف اليوم بما رأيناه من طرق افتتحناها والتي تحمل شعار قائد الجيش وهي جمع المجموعات اللبنانية حول بعضها البعض، وهذا أمر نحن بأمسّ الحاجة له. نحن اليوم ننتظر ونتمنى من المجلس النيابي أن يختار رئيس الجمهورية، فلا العائلات اللبنانية ستصبح عائلات ولا الطرق ستُفتح على بعضها من دون رئيس للجمهورية الذي هو عربون وحدة اللبنانيين والوطن، ومن دونه لا وجود للدولة والمؤسسات، وهذا ما لا نقبل به، والتأخير الحاصل غير مقبول أمام المجتمع الدولي وأمام الشعب، لذا يجب انتخاب رئيس لتعود الصلاحية لمجلس النواب وللحكومة”.
غليان وتهديدات
في غضون ذلك بقي الوضع الميداني للجبهة اللبنانية- الإسرائيلية تحت وطأة غليان تترجمه العمليات الميدانية وتصاعد التهديدات المتبادلة. وفي هذا السياق، اشارت “هيئة البث الإسرائيلية” الى انعقاد اجتماع لمجلس الحرب الليل الفائت لمناقشة التصعيد على الجبهة اللبنانية بطلب من حزب بيني غانتس. ودعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى “حرق معاقل “حزب الله” في لبنان وإبادتها، فلا يعقل أن يٌستهدف إقليم لنا ولبنان ينعم بالهدوء”. وأدلى بن غفير بهذا التصريح من مستوطنة كريات شمونة التي زارها بعدما شهدت حرائق ضخمة بسبب القصف الصاروخي من “حزب الله”.
وقال الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس خلال جولة في المنطقة الشمالية الحدودية مع لبنان أمس، “بحلول شهر أيلول (سبتمبر) سننهي المهمة هنا ونكون قادرين على بدء واقع آخر”. وأضاف “سوف يمر الأمر إما بالدبلوماسية أو بالتصعيد… لكن لا يمكننا خسارة عام آخر هنا”.
بدوره أجرى رئيس هيئة الأركان الاسرائيلي اللواء هيرتسي هاليفي جولة وتقييماً للوضع مع المفوض العام لسلطة الإطفاء والإنقاذ الإسرائيلي اللواء إيال كاسبي في قاعدة “جيبور” على الحدود الشمالية. وقال رئيس هيئة الأركان للواء غولاني على الحدود الشمالية، “إننا نقترب من النقطة التي يجب فيها اتخاذ القرار، والجيش الإسرائيلي مستعد للغاية له”. وأضاف: “نحن نهاجم هنا منذ ثمانية أشهر و”حزب الله” يدفع ثمناً باهظاً جداً، لقد زاد من قوته في الأيام القليلة الماضية ونحن مستعدون بعد عملية تدريب… مستوى التدريب العسكري يسمح للانتقال إلى هجوم في الشمال… نحن نقترب من نقطة القرار”.
في المقابل، أكد نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أنه “إذا أرادت إسرائيل خوض حرب شاملة فنحن جاهزون لها”. وأشار إلى أن “أي توسيع إسرائيلي للحرب على لبنان سيقابله خراب ودمار وتهجير في إسرائيل”، قائلاً: “استخدمنا قسماً قليلاً من قدراتنا بما يتناسب مع طبيعة المعركة”. ونفى القاسم الكلام عن انسحاب “قوات الرضوان” من الحدود اللبنانية مع إسرائيل مؤكداً انه “غير صحيح” وكاشفاً أنه “وصلتنا تهديدات في الشهرين الماضيين وكان جوابنا أن جبهة لبنان مرتبطة بغزة”.
غير أن المتحدث الرسمي باسم السفارة البريطانية في بيروت نفى أمس أن تكون بلاده نقلت تحذيراً الى لبنان من عملية إسرائيلية، وقال: “ليس من حق المملكة المتحدة التعليق على التخطيط العسكري الإسرائيلي. نرفض التقارير التي أشارت إلى أن المملكة المتحدة نصحت، ناهيك عن إرسال رسالة دبلوماسية إلى السلطات اللبنانية، عن أن إسرائيل ستنفذ عمليات عسكرية في حزيران (يونيو)”.وشدد على أن “المملكة المتحدة تواصل العمل مع الطرفين على تهدئة التوترات بين إسرائيل ولبنان، ويرتكز تواصلها مع الطرفين على تهيئة الظروف اللازمة للاستقرار والأمن على الخط الأزرق، ونحن واضحون في أن الصراع ليس في مصلحة أحد”.