مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
بديهي القول مع انسداد سبل التوافق الداخلي، وهجرة العقل السياسي المسؤول الذي يفترض أن يتدبّر أمر البلد، إنّ جمود الملف الرئاسي في دائرة الشلل والتعطيل سيطول إلى آجال بعيدة. ما يعني أنّ على اللبنانيين أن يجهزوا أنفسهم لتمديد إضافي لإقامتهم تحت رحمة ذهنيات دلّت التجربة معها منذ بداية الفراغ في رئاسة الجمهورية، قبل نحو 22 شهراً، الى أنها لا تفرز سوى مناطحات وعداوات مصحوبة بعراضات على القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وظيفتها محددة ببَث السموم ومراكمة عوامل التوتير والانقسام والتفريق.
المريب في الامر، أنّ هذه السياسة المتّبعة منذ أول تشرين الثاني من العام 2022، قد ثبت عقمها، وشكّلت ما يبدو انّها أطول عملية عض أصابع شهدها لبنان بين اطراف تقدم كل يوم شهادة ودليلا اضافيا على استحالة توافقها طوعاً على تسوية داخلية تعززها تنازلات متبادلة، أو شراكتها في بناء قاعدة تفاهم سواء على الاساسيات والبديهيات، او حتى على الثانويات. بل انّها بمنحاها التعطيلي القائم، تعكس تموضعها خلف متاريس الرهان على ظروف محلية او خارجية توفّر لها مصالح ومكتسبات ذاتية، على حساب البلد كله.
كل شيء معطّل
في هذه الأجواء، كل شيء معطّل، فلغة التواصل مقطوعة تماماً حول أي من الملفات الداخلي، لا سيما حول الملف الرئاسي، ومبادرة رئيس مجلس النواب مركونة على رف انتظار الاستجابة لثلاثية «تشاور فتوافق فانتخاب» القائمة عليها. وما نبتَ الى جانبها من مبادرات وافكار وطروحات وآخرها ما سمّيت «خريطة المعارضة»، نُحيت كلها جانباً، لافتقادها عناصر القوة والجدية التي تجعلها قابلة لأن تصرف في البنك الرئاسي. أمّا اولويات الخارج واهتماماته فباتت محصورة كلها في أمكنة أخرى على مسافة مئات الاميال من لبنان.
وربطاً بكل ما تقدم، فإنّ الرهان على انفراج داخلي، أشبَه برهان غبي على حصان خاسر. وعلى ما هو سائد في الاوساط السياسية، خصوصا تلك المعنية بالملف الرئاسي، هو أنّ تجميد الحل الداخلي الرئاسي والسياسي هو عنوان المرحلة، من الآن، وحتى بلورة التسوية الاقليمية التي تتحدّد في ضوئها معالم التسوية الداخلية. أمّا الثّابت الاساس لدى هذه الأوساط فهو أنّ الفترة الفاصلة من الآن وحتى موعد التسوية المفترضة، لا سقف زمنياً لنهايتها. وتحت هذا السقف سيُراوح الاشتباك السياسي خلف متاريس التناقضات على ما هو حاصل في هذه الايام.
تحذير من المحظور
الا انّ مرجعا سياسيا يُعبّر، عبر «الجمهورية»، عن «قلق بالغ مما هو غير منظور من تطورات قد تبرز على مستوى الداخل والمنطقة في آنٍ معاً. فلا أحد يدرك موعد التسوية سواء اكانت قريبة او بعيدة المدى، ولا احد يملك صورة تقريبية عن تداعياتها والأساس الذي سترتكز عليه، وأكثر من ذلك، لا احد من أطراف الداخل يملك اجابة عن اليوم التالي لبنانيّاً لهذه التسوية، او عن القواعد التي ستُبنى عليها او عن الاثمان التي يمكن ان تدفع في ذلك الوقت».
هذا الوضع، يضيف المرجع عينه، يؤكد أنّ المستقبل مجهول، ما يوجِب وَقف سياسة دفن الرؤوس في الرمال، وجعل هذه الفترة فرصة لتحصين البلد بحلّ رئاسي توافقي عاجل، يُجنّب لبنان الوقوع في أي محظور لاحقاً.
ورداً على سؤال عما هو المحظور الذي يحذّر منه، وما اذا كان ينعى احتمالات التسوية، قال المرجع: التسوية ستحصل في نهاية الأمر، بدءاً من قطاع غزة، وامتداداتها ستصل الى لبنان. لكن ما يخشى منه هو أن نكون امام فترة انتظار طويلة، جرّاء ما نشهده من مماطلة وتعقيدات يفتعلها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في طريق التسوية. وهو أمر يعزز احتمالات القلق من أن تَترتّب على ذلك تداعيات سلبية على كلّ الساحات يمكن أن تخرج عن السيطرة».
الحل السياسي: جمود
وعلى الرغم من هذه الاجواء الملبّدة في أجواء التسوية الرامية الى انهاء الحرب في غزة، الا انّ التقديرات السياسية والديبلوماسية ترجّح بلوغها في مدى قريب، فيما تذهب قراءات سياسية الى مستوى عال من التفاؤل بانسحابها تلقائياً على لبنان في غضون بضعة اسابيع، ليس على شكل حلّ سياسي للمنطقة الحدودية فحسب، بل على شكل سلة متكاملة تبدأ من الجنوب الى الملف الرئاسي، تؤسّس بدورها لمسارٍ حكومي جديد يدفع نحو انفراج سياسي ومالي واقتصادي واجتماعي.
هذه القراءة المتفائلة، تقابلها قراءة واقعية يُبديها مصدر مسؤول معني مباشرة بمفاوضات الحل السياسي، بقوله لـ«الجمهورية»: التسوية ستحصل والحرب ستنتهي، لكنّ عقبات نتنياهو تؤخّرها. وليس في الامكان هنا تقدير فترة المماطلة التي يلعبها نتنياهو. ولكن في نهاية الامر سيرضخ الى التسوية.
اضاف: امّا في ما خَص الشق اللبناني من التسوية، فلا رابط على الاطلاق بين الحل السياسي لمنطقة الحدود الجنوبية، وبين ملف انتخابات رئاسية الجمهورية، الذي يبدو اكثر تعقيداً من الملف الحدودي. ومن هنا فإنّ تكبير الحجر والحديث عن سلة متكاملة تحشر فيها الحل السياسي الحدودي مع الملف الرئاسي والملف الحكومي وسائر الملفات الاقتصادية والمالية، لا يعبّر عن الواقع، بل لا معنى له على الاطلاق.
ويضيف المصدر: انه كما ليس في الامكان تحديد موعد دقيق لبلوغ تسوية او صفقة تبادل بين اسرائيل وحركة حماس ووقف لإطلاق النار في قطاع غزة، ليس في الامكان تحديد موعد بلوغ الحل السياسي. فما هو مؤكد أنّ التسوية في غزة تمهّد الطريق للبحث في حل سياسي على جبهة لبنان، ولكن متى سيتم بلوغه، وكم من الوقت سيستلزم ذلك، فذلك مرتبط بمسار المفاوضات التي ستحصل، وليس معلوماً مداها او ما يبرز خلالها من اشتراطات وغير ذلك.
وكشف المصدر ان ملف الحل السياسي جامد كلياً، وخلافاً لكل ما يقال، فلا حديث مباشراً او بصورة رسمية او غير رسمية حوله. حيث ان كل الاطراف، لا سيما الاميركيين، باتوا مقتنعين بأنّ لا بحث جدياً في مفاوضات الحلّ السياسي الا بعد انتهاء الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة. وبالتالي ما يحكى عن اجراءات او ترتيبات او انسحابات او اخلاء مواقع او مناطق، لا اساس له على الاطلاق».
ورداً على سؤال، قال المصدر: نسمع كلاما كثيرا وتحليلات عن معوقات ومطبّات من شأنها أن تُعيق الوصول الى صفقة تبادل، ولكن مستويات مختلفة في الادارة الاميركية تؤكد انّ هذه الصفقة باتت أقرب من أي وقت مضى. امّا بالنسبة الى ما خص لبنان فما زال الاميركيون يؤكدون ان احتمالات الحرب ضعيفة، ويصرّون أنهم مصممون على رعاية تسوية وحل سياسي عبر الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين.
ولكن ماذا لو تغيّر هوكشتاين؟ يجيب المصدر عينه: اولاً، احتمال أن يتغيّر هوكشتاين ممكن في حال تغّيرت الادارة الاميركية الحالية. وثانياً، يجب ان ننتبه الى انّ امامنا ستة أشهر لنعرف إن كان سيحصل تغيير ام لا. وهي فترة طويلة، فيما الاميركيون وفق ما نعرف باتوا أكثر استعجالاً من ذي قبل على إنهاء الحرب وإنجاز حل سياسي للمنطقة الجنوبية.
هوكشتاين: بعد غزة
الى ذلك، أعلن هوكشتاين: «نحن نتطلّع لإنهاء الحرب في غزة وفي جنوب لبنان، ونتمنى إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان».
وقال: «نتمنى ألّا نحتاج لأكثر من 18 شهراً من تمديد إقامات البنانيين في أميركا، ونعمل على إنعاش الإقتصاد اللبناني بطرق مختلفة».
ورأى «أنّ «حزب الله» هو مَن بدأ الحرب على إسرائيل من لبنان وربط الوضع بما يجري في غزة. واكد أنّ القتال في لبنان لن يتوقف ما لم يتوقف في القطاع». وتابع: «إنّ الوقت حان لإنهاء المرحلة الاولى من وقف النار وإطلاق سراح بعض الرهائن، قبل أن نصل إلى المرحلة الثانية وهي وقف الحرب بالكامل».
وأشار إلى أنّ «زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة كانت ناجحة، وناقشنا عملية وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وقمنا بالضغط على حماس للتفاوض وإنهاء الصراع».
لا ترحيل
على صعيد أميركي آخر، اعلن البيت الابيض أمس، انّ الرئيس الاميركي جو بايدن قرر تأجيل ترحيل لبنانيين من الولايات المتحدة الاميركية بسبب التوترات بين اسرائيل و»حزب الله».
تشكيك
وفي سياق متصل، ذكر موقع اكسيوس الاميركي انّ الرئيس الاميركي ومستشاريه غير متأكدين مما اذا كان نتنياهو يرغب حقاً بصفقة او يريد منع حكومته من الانهيار». ونقل الموقع عن مسؤول اسرائيلي انّ نتنياهو بحث مع بايدن مطالب جديدة، وتعهّد بإرسال اقتراح محدث خلال يومين الى الوسطاء. ولفت الى انّ مدير الاستخبارات المركزية الاميركية يعتزم لقاء مسؤولين من اسرائيل وقطر ومصر في روما بشأن اتفاق في غزة.
ونقل موقع «واللا» الاسرائيلي عن مسؤول اسرائيلي مُطّلِع انّ نتنياهو يريد صفقة لا يمكن تحقيقها، وهو غير مستعد للتقدم حالياً. وانه لا يتوقع تقدما كبيرا خلال اجتماع روما الاحد، ولا يبدو انّ بايدن أقنعَ نتنياهو بتخفيف شروطه».
الوضع الميداني
ميدانياً، حافظت المنطقة الحدودية على وتيرة عالية من التوتر، جرّاء استمرار الاعتداءات الاسرائيلية على المناطق اللبنانية، حيث أُفيد عن سلسلة من الغارات الجوية الاسرائيلية التي استهدفت عيتا الشعب، ومركبا حيث أُفيد عن سقوط شهيدين. وترافقَ ذلك مع قصف مدفعي على معظم البلدات المتاخمة للخط الحدودي.
في المقابل، أعلن «حزب الله» انّ المقاومة الاسلامية نفذت سلسلة عمليات وفق الشريط الآتي:
هجوم جوي بسرب من المسيرات الانقضاضية على موقع الراهب، مُستهدفاً تجهيزاته وتموضعات جنود العدو فيه.
إستهداف مبنى يستخدمه جنود العدو في مستعمرة افيفيم، رداً على اعتداءات العدو على بلدة عيترون.
إستهداف عدة مَبان يستخدمها جنود العدو في مستعمرة شتولا، رداً على اعتداءات العدو على بلدة عيتا الشعب.
إستهداف موقع الرمثا في تلال كفر شوبا.
إستهداف موقع زبدين في مزارع شبعا.
إستهداف المنظومة الفنية في موقع رامية.
إستهداف تحرّك لجنود العدو الإسرائيلي داخل موقع حدب يارون.
إستهداف عدة مبانٍ يستخدمها جنود العدو في مستعمرة مسكفعام رداً على الاعتاداءات الاسرائيلية على بلدة شيحين،
ونعى «حزب الله» الشهيدين فضل سميح نور الدين «مجاهد» من بلدة مركبا، وعباس حسين حمود «امير» من بلدة مركبا.
تهديد
الى ذلك، قال قائد المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي اوري غوردين: «اننا ملتزمون بتغيير الواقع الأمني. وعندما يحين وقت الهجمة ستكون حاسمة». ويأتي ذلك، غداة كلام وَجّهه قائد سلاح الجو الاسرائيلي تومار بار لمسؤوليين محليين في الشمال، دعاهم فيه الى الاستعداد للحرب، مضيفاً: «سنعمل بحسم ضد عدو نعرفه وستكون هناك مفاجآت».
ونقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مسؤول إسرائيلي معلومات تُفيد بأنّ «إسرائيل لن تنتظر الضوء الأخضر من الولايات المتحدة للقيام بأيّ نشاط عسكري من أجل دفع الحزب بعيداً من الحدود. كما أنّ الولايات المتحدة تدرك أن إسرائيل لن تسمح باستمرار الوضع على الحدود الشمالية على ما هو عليه»، وفق الصحيفة.
أضافت الصحيفة: إنّ إسرائيل تأمل في التوصّل إلى حلّ من خلال التدابير الديبلوماسية، لكنّها لن تتردّد في اتخاذ إجراء عسكري إذا ثبت أنّ ذلك مستحيلاً.
الّا ان صحيفة هآرتس الاسرائيلية نشرت أمس تقريرا اشارت فيه الى انّ «أضرار حرب شاملة على لبنان أكبر من إنجازاتها».
وقال التقرير: «ألحقت الغارات الجوية والقصف المدفعي الإسرائيلي على جنوب لبنان أضراراً كبيرة، مثلما ألحق قصف «حزب الله» بالصواريخ والمقذوفات والطائرات المسيرة أضراراً في شمال إسرائيل، وهذا الوضع إلى جانب خلو البلدات الإسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية من السكان، «يزيد الإحباط في الحكومة والجيش الإسرائيلي».
وأشار التقرير إلى أن «الأضرار المتزايدة في لبنان جراء الهجمات الإسرائيلية لا تُترجم إلى إنجاز استراتيجي». لافتاً الى أنّ «عدم شهية الحكومة وهيئة الأركان العامة لحرب في الشمال بارز، بالرغم من التصريحات العلنية المتشددة» التي تدعو لشن حرب على لبنان، «واعتراف وزير التربية والتعليم، يوآف كيش، هذا الأسبوع، بأنّ السنة الدراسية لن تفتتح في البلدات الحدودية مطلع أيلول، يعكس خطورة الوضع. والنتيجة قد تكون مغادرة جماعية لعائلات مع أطفال وفِتية، بحثاً عن مستقبلهم في مكان آخر، آمِن أكثر».
واشار التقرير الى إطلاق «حزب الله» للنار «لا يزال محسوباً وحتى أنه محدود، بالرغم من الضرر الشديد الذي يلحقه بمعنويات الجمهور الإسرائيلي»، وفقاً للتقرير. ذاكراً أنّ «وحزب الله لم يجنّد كافة قواته في الاحتياط ولم يستخدم أسلحة استراتيجية، مثل الصواريخ الدقيقة للمدى الطويل. وهو يستخدم موارده بحذر».
ولفت التقرير أيضا إلى أنه بالرغم من تحسين إسرائيل لقدرتها في جمع المعلومات الاستخباراتية في لبنان، إلا أنه «يصعب نفي الاشتباه بأنه نَشَأت فجوة مُقلقة بين ما تعلم به إسرائيل وبين الواقع الموجود تحت سطح الأرض. فقد استعد «حزب الله» طوال 18 عاماً، بشكل يسمح لقوات الرضوان بالقفز لهجوم على الحدود، عند الضرورة».
ونقل التقريرعن معارضي الحرب في التوقيت الحالي، أنه «توجد ضرورة لدى الجيش الإسرائيلي لإدارة اقتصاد ذخائر (عدم إطلاق ذخيرة بشكل مكثّف وعشوائي)، ويَتعيّن على الجيش النظامي وجيش الاحتياط أن ينتعشا من التآكل والعبء المتعلقين بالحرب في الأشهر التسعة الأخيرة. وهناك الخطر الواضح على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، التي لم تختبر أبداً مواجهة ترسانة صواريخ وقذائف صاروخية مكثفة، كتلك الموجودة بحوزة «حزب الله».