مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
على وقع تصاعد غير مسبوق للتهديدات الإسرائيلية بالتحوّل نحو الشمال إيحاء بأن عملية كبيرة للهجوم على لبنان صارت ناجزة، وربما تكون مقدماتها جارية عبر التصعيد المتدحرج راهناً، شهدت الجبهة الجنوبية في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة أعنف الغارات الإسرائيلية الكثيفة ما استتبع ردوداً كثيفة من “حزب الله” في ما وصف بأنه التصعيد الأوسع والأخطر منذ بداية المواجهات قبل 11 شهراً. وطغى هذا التطور الخطير على مجمل الأولويات الداخلية المتزاحمة، إذ علمت “النهار” أن تحركات ديبلوماسية عربية وأوروبية كثيفة انطلقت وتتركز مجدداً على احتواء ما تعتقد دول عدة بأن الحكومة الإسرائيلية ماضية نحوه بجدية في الاستعداد للقيام بعملية كبيرة في لبنان تسبق موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وتفيد المعلومات أن مراجع لبنانية عدة تبلغت هذه المعطيات والأجواء، ولكن أحداً لا يفصح علناً عنها، فيما برزت على أرض الميدان في الساعات الأخيرة معالم تصعيد إسرائيلية مثيرة للقلق الشديد، إذ تجاوزت ليس فقط “قواعد الاشتباك” التي سادت في مراحل سابقة وانتهكت مرات عدة فقط، بل بدت بمثابة دفع متعمد بعنف لإحداث مناخ متفجر ينذر بتوسيع الحرب والمواجهات.
وبعد ليلة شهدت ما وصف بانها كانت من أعنف المواجهات استهدفت أمس مسيّرة إسرائيلية دراجة نارية في بلدة ميس الجبل قرب الطريق العام أدت إلى مقتل عنصر من “حزب الله” وإصابة آخر. كما قتل شقيقان في منطقة البياضة قرب الناقورة جراء غارة إسرائيلية استهدفت دراجتهما على مدخل البلدة. وفي المقابل، دوت صفارات الإنذار في أفيريم في الجليل الغربي بعد إطلاق نحو 60 صاروخًا من جنوب لبنان في اتجاه الجليل الأعلى. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية عن اندلاع حريق نتيجة سقوط صواريخ بين منطقتي شلومي وليمان بالجليل الغربي. وأشارت إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى إصابة خطرة جراء سقوط صاروخ مضاد للدروع على مستوطنة دان قرب الحدود اللبنانية.
أيضاً، شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة على أطراف بلدة ياطر. وتعرّضت الأحياء السكنيّة لبلدة كفرشوبا لقصف مدفعي، كما اطراف بلدتي الضهيرة وعلما الشعب ما أدى إلى اشتعال النيران في المنطقة المستهدفة. واستهدفت الطائرات الإسرائيلية أطراف بلدة راشيا الفخار. وشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارات على البساتين والاودية المجاورة للقليلة وزبقين والحنيّة ومجدل زون وطيرحرفا وعلى أطراف دير سريان وزوطر الشرقية.
ونعى “حزب الله” هاني حسين عز الدين “إسماعيل” مواليد عام 2001 من بلدة دير قانون النهر. وأعلن الحزب في سلسلة بيانات أنه استهدف تجمعًا للجنود الإسرائيليين في محيط موقع الراهب كما استهدف موقع رويسة القرن وثكنة زبدين في مزارع شبعا ودشمة يتموضع فيها الجنود في موقع المطلة، والموقع المستحدث التابع لقوات الفرقة 146 في قاعدة ابيريم بصليات من صواريخ الكاتيوشا ومربض الزاعورة. وبرز تطور جديد بإعلان “كتائب القسام” أنها “قصفت من جنوب لبنان مقر اللواء الغربي 300 الإسرائيلي في الجليل الغربي برشقة من 30 صاروخاً استهدفت مرابض مدفعية اللواء ومركز صيانته وتجمع قوات العدو فيه”.
وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية شنّت فجراً، أكثر من 15 غارة جوية واستهدفت المنطقة الحرجية والبساتين المتصلة بين أطراف بلدات زبقين – الشعيتية – القليلة جنوب صور وشكلت حزاماً نارياً بين تلك القرى. كما شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة على الناقورة.
يشار في هذا السياق إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن فرضت أمس عقوبات جديدة على 5 شركات وكيانين بتهمة أنهم ينشطون في تهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل “حزب الله”. وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أنها جارية في إجراءات العقوبات.
التحرك الفرنسي
في سياق ديبلوماسي على صلة بالواقع الميداني في الجنوب، أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين أن التحضيرات تجرى للقاءات التي سيعقدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث ستحضر حرب غزة ولبنان بقوة في محادثاته في 24 و25 من الشهر الحالي، علماً أن من بين رؤساء المنطقة الذين قد يلتقيهم، الرئيس الإيراني. وزارت السفيرة آن كلير لوجاندر المسؤولة عن ملف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واشنطن لإجراء مشاورات مع المسؤولين في البيت الأبيض والخارجية الأميركية حول الحرب في غزة وفي لبنان وخصوصاً الضغط على الأطراف لوقف الحرب في جنوب لبنان وتجنب توسيعها وتنفيذ القرار 1701. وتعوّل باريس على تطبيق القرار الدولي وترى أن الطرفين لا ينفذان القرار كما هو مطلوب ومن الأفضل تجنب أي تصعيد وهذا يتطلب التزاماً لبنانياً بالقرار 1701 بحيث يوقف “حزب الله” قصفه على إسرائيل وأن تتوقف إسرائيل عن خرق سيادة لبنان.
وترفض باريس مبدأ الاستمرار في العمل العسكري والقصف على الخط الأزرق طالما الحرب الإسرائيلية مستمرة في غزة لأن هناك حاجة للأمن في لبنان بما يتطلب أولاً أن يتوقف “حزب الله” عن قصفه على إسرائيل وأن تتوقف إسرائيل عن توسيع عملياتها في لبنان لأن الواقع السائد يمثل خطورة حين وقوع حادث يؤدي إلى اشتعال عام. ولم تتوقع باريس اشتعال الوضع كليا في لبنان لا بعد اغتيال إسماعيل هنية ولا بعد هجوم “حزب الله” على الجولان، لكنها بذلت جهوداً للحد من توسيع الحرب خصوصاً وأن أحداً لا مصلحة له في اشتعال الوضع.
وفي ملف توقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة الذي كان صديقاً لفرنسا ترى باريس أن التعامل مع سلامة كان في اطار التعامل مع لبنان وكان بصفته حاكم البنك المركزي وأن هناك مساراً قضائياً جارياً في لبنان. وبالنسبة لمسالة انتخاب الرئيس في لبنان، ترى باريس أن مسؤولية انتخاب الرئيس هي أولا على السياسيين في لبنان والرئيس نبيه بري، فطالما لا يعقد اجتماع للبرلمان لانتخاب رئيس لن يكون هناك أي نتيجة وباريس ترى ضرورة انتخاب رئيس ليضمن عمل المؤسسات. وعلم أن المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان أجرى محادثات مع المسؤولين السعوديين وهو على اتصال مع القطريين والدول الخمس وسيستمر في الضغط، ولكن لا يمكنه أن يعمل ما يجب على رئيس البرلمان القيام به أي فتح جلسة لانتخاب رئيس في لبنان. وتؤكد باريس أن لودريان سيزور لبنان والمنطقة قريبا.