مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الامامين الحسنين في حارة حريك. ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بأن نكون جديرين بما أشارت إليه هذه الآية عندما قال: {ونبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}. وذلك بأن نواجه ما ابتلينا به عندما فقدنا أعزاء وبيوت ومؤسسات ومواقع عمل، بأن نضبط انفعالاتنا ومشاعرنا ولا نقول إلا ما يرضي لله. وعندها سنكون في عين الله ورعايته، ونكون من المهتدين بهديهم وبذلك نحقق الآماني ونواجه التحديات.
وقال :”أيها الأحبة: نقف اليوم وتتردد في نفوسنا المزيج من المشاعر مشاعر العزة والكرامة لما تحقق وأنجز، فيما الحزن العميق يختلج صدورنا لنتائج هذا العدوان في كل هذا الدمار الهائل الذي نراه حولنا، والذي أصاب المباني السكنية والمحال والمؤسسات التجارية ولم يوفر المؤسسات الصحية والإعلامية ودور العبادة والمواقع التراثية، وفي التدمير الممنهج للبيئة وللبنية التحتية، وفي الكم الكبير من أعداد الشهداء والجرحى والذي لم يوفر النساء والأطفال والشيوخ والذي شاهدناه في أعداد النازحين الذين هجروا من بيوتهم ابتغاء الأمن إلى أماكن لم تكن خيارهم وهناك من لا يزال فيها بعدما تهدم بيته ولم يعد له مكان يلجأ إليه”.
أضاف :”هذا العدوان الذي مهد له العدو باستهداف كوكبة من قادة المقاومة والعلماء والمجاهدين وعلى رأسهم الأخ العزيز السيد حسن نصر الله، واستخدم فيها كل وسائل التدمير والأسلحة الفتاكة.
لقد اعتقد العدو أنه بذلك يستطيع أن يقضي على جذوة المقاومة، وأن يكسر الإرادة والعزيمة والعنفوان في النفوس، وأن يلحق لبنان بالمشروع الذي أعلنه ببناء شرق أوسط جديد تكون فيه يده العليا لكن آماله خابت بفضل جهوزية المقاومة وحضورها الفاعل في الميدان، وفي مشهد الثبات والصمود الذي عبر عنه أهلنا ممن بقوا في أرضهم ورغم المخاطر أصروا ألا يغادروها، أو ممن اضطرتهم الظروف إلى النزوح من ديارهم وايضا من الاحتضان للنازحين والتكاتف معهم والذي عبرت عنه كل فئات الشعب اللبناني من كافة الطوائف والمذاهب والمواقع السياسية، ما دفع هذا العدو إلى الرضوخ في نهاية المطاف لشروط المفاوض اللبناني، والقبول بإيقاف وقف إطلاق النار وإن كان لا يزال يسعى لتجيير ما طرح في المفاوضات لصالحه، وهو ما تنفيه الوقائع والتصريحات التي تصدر من مسؤولي مستوطنيه في الشمال ورؤساء البلديات فيها ومن قادة العدو”.
وتابع :”إننا أمام ما جرى نحيي الصمود الأسطوري لأبطال المقاومة على إنجازهم الذي وصل إلى أن يهدد عمق الكيان، رغم كل القدرات والإمكانات التي يمتلكها هذا العدو في البر والبحر والجو، فضلا عن صمود المفاوض اللبناني وعدم رضوخه للتهاويل والضغوط التي حاول العدو أن يمارسها عليه لكسب المزيد من النقاط لصالحه.
وهنا، لا بد أن نقدر الدور الكبير الذي قام به المفاوض اللبناني وعلى رأسهم رئيس المجلس النيابي اللبناني الأستاذ نبيه بري، والذي نشهد له الحضور الفاعل في كل مراحل العدوان في ثباته وإصراره على المواقف التي رفضت المس بأمن هذا البلد وبسيادته.
في الوقت الذي نقدر للشعب المضحي في البقاع والضاحية والجنوب والجبل على تفانيه وصموده ووعيه وتضحياته، ولا ننسى أن هناك الكثير من الشهداء الذي استهدفهم العدو وهم في أماكن نزوحهم، وفي تمسكه بتراب أرضه التي جبلت بدماء أبنائه حين سارع إلى العودة متجاوزا في ذلك كل التحذيرات والتهديدات التي مارسها عليه العدو.
كما نقدر عاليا الاحتضان والرعاية الذي لاقاه النازحون من أفراد وجمعيات ومؤسسات من كل الطوائف والمذاهب مما فوت الفرصة على العدو بإثارة أي فتنة داخلية كان يريدها العدو ويسعى إليها”.
واستطرد فضل الله :”في هذا الوقت، نجدد دعوتنا للقوى السياسة والدينية إلى الوحدة متناسين كل خلافات الماضي، والكف عن كل ما يثير الفتنة ويؤجج الصراعات بينهم، ويثير الحساسيات، ذلك لمواجهة أعباء هذه المرحلة وتحدياتها من عدو لم يغمد سلاحه بعد وهو ما نشاهده يوميا في الخروق التي يمارسها، أو مما لا يزال يعصف بالبلد على الصعيد السياسي والاقتصادي.
ويبقى الأهم من كل ذلك هو الإعمار والذي ينبغي أن يكون هم الدولة وهم كل اللبنانيين. لقد آن الأوان لهذا البلد أن يحظى بالأمن والاستقرار والبناء على كل الصعد ولكن هذا لن يكون إلا بتوافق كل اللبنانيين فهذا البلد لا يبنى إلا بالتوافق، والذي نحن اليوم أحوج ما نكون للعمل لبلوغه.
وختم فضل الله :”في الوقت نفسه، ستبقى أعيننا على فلسطين الذي كنا مع اهلها وسنبقى نحمل همومهم ونحيي صمودهم وتضحياتهم وكلنا أمل أن يتحقق ما يصبون إليه بإزالة كاهل العدوان عنهم بفعل صمودهم وثباتهم وتحملهم التضحيات الجسام التي لا تزال تعصف بهم”.