مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “الديار”:
اخيرا، خرج «الدخان الابيض» من ساحة النجمة، وبعد شغور استمر عامين وشهرين وتسعة ايام، انتخب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيسا للجمهورية، وهو الرابع عشر، والخامس الذي ينتقل من اليرزة الى بعبدا، والاول من الجنوب. مع هذا الانتخاب دخلت البلاد مرحلة جديدة مع رئيس قدم في خطاب القسم تعهدات اصلاحية انقاذية طموحة جدا، لكنه يحتاج لتنفيذها، اولا ان تترجم الوعود الدولية والاقليمية بمساعدته افعالا لا اقوالا، فيما لم يعرف بعد ما اذا كان «دفتر الشروط» محصورا بالرئاسة او يمتد الى الحكومة وما بعدها من قضايا اساسية. اما الامر الثاني، فهو تعاون القوى السياسية الداخلية معه لإعادة بناء الدولة، وسيكون اول الاختبارات، الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة، وتنفيذ بنود اتفاق وقف النار حيث واكبت قوات الاحتلال «جلسة الانتخاب برا بالمزيد بالتفجير والتدمير في القرى الحدودية، وواكبت وصول الرئيس الى بعبدا بتحليق مكثف «للمسيرات» في اجواء بيروت.
اخراج متقن للجلسة
وكانت مجريات جلسة الانتخابات، منسقة وباخراج متقن من جانب الرئيس نبيه بري بالتنسيق مع حزب الله، حيث حرصا على تحقيق انتصار تكتيكي من خلال اظهار ان المعبر الرئيسي لانتخاب الرئيس سيكون حكما بالتفاهم مع «الثنائي»، الذي اختار حماية «الوفاق الوطني»، كما كان حاميا للسيادة، كما قال النائب محمد رعد. بدأت الجلسة بدورة اولى لم تمنح عون الاصوات الـ86 المُلزِمة، بعدما عمد «الثنائي» سيناريو الى وضع الاوراق البيضاء، فعلقها بري لساعتين، افساحا في المجال امام النائبين علي حسن خليل، ومحمد رعد لزيارة اليرزة، والاتفاق مع القائد على المرحلة المقبلة.
وهكذا انتخب عون بـ99 صوتا قاطعا الطريق على الطعن الدستوري في رئاسته، والقى خطاب رجل دولة يطمح الى بناء دولة عصرية وقوية. وحدد عناوين المرحلة بما تستوجبه من تحولات. التزم أمام الشعب اللبناني ببسط الدولة سيطرتها وحقها في احتكار حمل السلاح، بالاستثمار في الجيش لضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً ومحاربة الإرهاب وتطبيق القرارات الدولية ومنع الاعتداءات الإسرائيلية… تعهد بمنع التدخل في القضاء والتمسك بالاقتصاد الحر والحاجة إلى مصارف لا يكون الحاكم فيها إلا القانون. وأكدّ عدم التهاون في حماية أموال المودعين، واعادة ما دمره العدو الإسرائيلي في كل أنحاء لبنان.
لقاء «اليرزة» الحاسم
وكانت الاجتماعات تواصلت ليلة اول من امس، لتعبيد الطريق امام انتخاب الرئيس عون، ابرزها اللقاء بين النائب علي حسن خليل، مكلفا من الرئيس بري، والموفد السعودي يزيد بن فرحان في حضور السفير السعودي في مقر السفارة في اليرزة حيث استمر الاجتماع الى قرابة الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، وانتهى على نحو ايجابي. ووفق المعلومات، بدد بن فرحان هواجس حزب الله وحركة امل حيال الاندفاعة السعودية تجاه انتخاب قائد الجيش، وكان تأكيد على ان الرياض ليست في صدد دعم اي اختلال في التوازنات الداخلية اللبنانية وانما موقفها ياتي على خلفية الحرص على تأمين الاستقرار الداخلي اللبناني في ظل المتغييرات الاقليمية والدولية وخصوصا في سورية، مع التزام المملكة بتشجيع الحوارات الداخلية حيال اي موضوع خلافي.
وقد لمس الخليل توجها سعوديا لالتقاط اللحظة السياسية الحالية في ظل وجود تنسيق ايجابي مع ادارة الرئيس جو بايدن، وفي ظل مخاوف من تعقيدات قد تطرأ مع دخول الرئيس المنتخب دونالد ترامب الى البيت الابيض في العشرين من الجاري. وقد ابلغ خليل السعوديين بان الثنائي سيتعامل بايجابية مع الاجماع شبه التام على عون ولن يكون حجرة عثرة امام تحقيق الاستقرار الداخلي، لكن تبقى بعض الامور التي يجب مناقشتها مع الرئيس المفترض قبل جلسة الانتخاب، وهو امر متروك تنسيقه للرئيس بري الذي يتعهد بان يكون للبنان رئيس يوم الخميس.
ماذا دار بين عون و «الثنائي»
وفي هذا السياق، عقد اجتماع صباحي بين كتلتي «الوفاء للمقاومة» «وكتلة التحرير والتنمية»، وتم استعراض الموقف من عملية الانتخاب وتم التوافق على الاقتراع «بورقة بيضاء» في الدورة الاولى، على ان يلتقي كل من النائب علي حسن خليل والنائب محمد رعد قائد الجيش بين الجلستين، وقد تم تنسيق الموعد معه قبل الجلسة. ووفق مصادر مطلعة، كان اللقاء ايجابيا جدا بين الطرفين حيث تم التاكيد على متانة العلاقة التي كانت خلال توليه قيادة الجيش، وجرى استعراض التحديات المقبلة التي ستواجه العهد، وكان الحديث صريحا وشفافا لجهة كل الهواجس المنطقية بعدما اندفع الخارج بطريقة غير مسبوقة للتسويق لعملية الانتخاب، فكان عون واضحا بانه لم يقدم اي التزامات لاحد سواء في الداخل او الخارج، وهو كما كان حريصا في قيادة الجيش على حماية لبنان واللبنانيين ستكون مسؤوليته اكبر في الرئاسة الاولى للتعامل مع المرحلة الصعبة والدقيقة وفق منطلقات وطنية تعزز اللحمة الداخلية في مواجهة التطورات الاقليمة والدولية المتسارعة، متمنيا كل تعاون في هذا السياق. وكان رد وفد «الثنائي» واضحا لجهة التعاون في كل ما يخدم الاستقرار الداخلي وبناء المؤسسات وحماية البلد من المخاطر الاسرائيلية، وانتهى اللقاء «بمباركة» مبكرة والتمني له بالنجاح في مهمته. اما كل ما ذكر عن حصول تفاهم حول اعادة الاعمار، والحكومة، ورئيسها، مع تزكية عودة الرئيس ميقاتي، وتوزيع الحقائب، وكيفية التعامل مع ملف الجنوب والخروق الاسرائيلية، والاستراتيجية الدفاعية، فلم تؤكدها مصادر الطرفين، وكان تاكيد على ان اللقاء ركز على الخطوط العامة ولم يدخل في اي تفاصيل محددة، اما الاتفاق الوحيد الذي انجز فهو التفاهم على اعادة اعمار سريعة برعاية الدولة.
«الوطني الحر» اول الخاسرين
في هذا الوقت، يمكن اعتبار «التيار الوطني الحر» اول الخاسرين سياسيا بعدما تمسك بموقفه بعدم انتخاب عون رئيسا، وخاض النائب جبران باسيل حربا خاسرة حتى اللحظات الاخيرة، بعدما «احرقت المراكب» مع اليرزة دون ان يتم حفظ خط الرجعة، واعلن خلال الجلسة ان الاملاءات الخارجية واضحة، رافضا الاعتداء على الدستور، متمسكا بموقفه المعارض لوصول قائد الجيش الى بعبدا. لكنه وجد نفسه وحيدا في مواجهة مد داخلي وخارجي لا يمكن وقفه، ولم يتمكن من استدراك الموقف اقله لتقليل الخسائر.
«القوات» والحسابات الخاطئة
واذا كان النائب السابق وليد جنبلاط اول من التقط «التعليمة» الخارجية واطلق حملة ترشيح الرئيس عون، ولحق به معظم النواب السنة، ومعظم النواب «التغييريين»، فان الخاسر الثاني، الذي يعيش حالة من الانكار، وحسبها «غلط»، برأي مصادر مطلعة، رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي يحاول الادعاء انه «ام الصبي» في وصول القائد الى قصر بعبدا، مع العلم ان «معراب» كانت وراء الترويج لفكرة «تطيير» الجلسة في سياق تحضير الارضية لاعلان جعجع ترشيح نفسه للرئاسة او يكون صانعا رئيسيا للرئيس الجديد، لانه يعتقد ان صلاحية ترشيح عون انتهت، فهو كان منطقيا قبل الحرب الاسرائيلية، واضعاف حزب الله، وسقوط النظام السوري، والتطورات المنتظرة التي تشير الى ضربة لايران، والان حان الوقت لرئيس «سيادي» لا «وسطي»، لكنه لم يلق التجاوب السعودي المطلوب وتم ابلاغ مبعوثه النائب بيار بوعاصي ان الظروف غير ملائمة لهذا الترشيح، كما لم يتعامل الاميركيون بجدية مع هذا الطرح، فاقترح حينئذ ان تمر الرئاسة «بمعراب» طارحا اسمين من خارج الاسماء المتداولة، فجاء الجواب سلبيا، وحضر الموفد السعودي يزيد بن فرحان، ولم يمنح «الحكيم» حق المناقشة وابلغه ان عون هو مرشح المملكة والقوى الدولية «ونقطة على السطر»، وهكذا كان..!
خطاب قسم طموح… وعودة ميقاتي
واذا كانت الاستشارات النيابية ستنطلق الاسبوع المقبل، رجحت مصادر مطلعة اعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة «كفاءات»، فان الرئيس لم يمكث في القصر ليلة امس، واختار العودة الى منزله، على ان تبدأ مواعيده الرسمية في بعبدا عند ال9 والنصف صباح اليوم. وكان قائد الجيش انتخب رئيساً للجمهورية بالدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بعدما حصل على 99 صوتًا. وعقب تلاوته يمين القسم، ألقى عون كلمة توجّه فيها للشعب اللبناني وللمسؤولين اللبنانيين، تعهد فيها بمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وضبط الحدود وفرض الأمن على الأراضي اللبنانية كافة. وأشار عون إلى «أننا سنستثمر في الجيش لضبط الحدود وتثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً ومحاربة الإرهاب وتطبيق القرارات الدولية ومنع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان»، مؤكدا أهمية «تفعيل عمل القوى الأمنية كأداة أساسية لحفظ الأمن وتطبيق القوانين.
استراتيجية دفاعية وردع العدوان
وفيما أكد أننا «سنناقش استراتيجية دفاعية كاملة على المستويات الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكّن الدولة اللبنانية من إزالة الاحتلال الإسرائيلي وردع عدوانه»، تعهّد بالعمل «على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح. وأكد عون أن عهده سيكون مسؤولاً عن إعادة إعمار ما دمّره العدو في الجنوب والضاحية والبقاع وفي كل أنحاء لبنان، مشدداً على أن «شهداؤنا هم روح عزيمتنا وأسرانا هم أمانة في أعناقنا. وقال إنه «إذا أردنا أن نبني وطناً فإنه علينا أن نكون جميعاً تحت سقف القانون»، ورفض التدخل في القضاء مشيراً إلى أنه «لن يكون هناك حصانات لمجرم أو فاسد ولا وجود للمافيات ولتهريب المخدرات وتبييض الأموال. كذلك، رفض رئيس الجمهورية المُنتخب «توطين الفلسطينيين»، مؤكداً «عزمنا على تولي أمن المخيمات، وسنمارس سياسة الحياد الإيجابي ولن نصدّر للدول إلا أفضل المنتوجات والصناعات ونستقطب السياح، ودعا «لبدء حوار جدي وندّي مع الدولة السورية لمناقشة جميع العلاقات والملفات العالقة بيننا، لا سيما ملف المفقودين والنازحين السوريين. وكان النواب قد فشلوا في انتخاب عون رئيساً للجمهورية في الدورة الأولى إثر حصوله على 71 صوتاً، فيما تم التصويت بـ37 ورقة بيضاء، و2 لشبلي الملاط، و14 لـ «سيادة الدستور»، و4 ملغاة.
ترحيب عربي ودولي
في هذا الوقت، رحّبت مواقف عربية وإقليمية ودولية بانتخاب الرئيس عون، وأعلنت السفيرة الأميركية في بيروت، ليزا جونسون، أنها «سعيدة جدا» بانتخاب عون. وأكدت السفارة التزام واشنطن «العمل بشكل وثيق مع الرئيس عون مع بدئه جهود توحيد البلاد، وتنفيذ الإصلاحات وتأمين مستقبل مزدهر للبنان، وهو امر اكد عليه المبعوث الاميركي عاموس هوكشتاين. وفيما اعلن في باريس ان الرئيس ايمانويل ماكرون سيزور لبنان قريبا، هنّأت وزارة الخارجية الفرنسية الرئيس اللبناني الجديد بانتخابه في «لحظة تاريخية وحيوية بالنسبة إلى مستقبل لبنان». ورأت الخارجية، في بيان، أن هذا الانتخاب «ينبغي أن يعقبه تأليف حكومة قوية دعماً لرئيس الجمهورية، قادرة على جمع اللبنانيين وتلبية تطلعاتهم وحاجاتهم. وعلى الصعيد الأوروبي أيضاً، هنأ سفيرا «الاتحاد الأوروبي» وبريطانيا في لبنان بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ورحبت إيران، بدورها، بانتخاب عون، آملةً أن يتعاون البلدان خدمة للمصالح المشتركة. وأعلنت سفارتها في بيروت، عبر موقع «أكس»، تطلعها إلى «التعاون في مختلف المجالات في شكل يخدم المصالح المشتركة لبلدينا». وبعث ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، برقية تهنئة إلى عون، متمنياً له وللشعب اللبناني «المزيد من التقدم والرقي». كما رحّبت قطر بانتخاب عون. وقالت وزارة خارجيتها، في بيان، إنها «تتطلّع إلى أن يسهم إنهاء الشغور الرئاسي في إرساء الأمن والاستقرار في لبنان وتحقيق تطلعات شعبه في التقدم والتنمية والازدهار»، مؤكدة أنّ الدوحة «ستواصل وقوفها الدائم إلى جانب الشعب اللبناني». وفيما تلقى الرئيس عون اتصالا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مهنئا بانتخابه، هنأ الأمين العام لـ «جامعة الدول العربية» أحمد أبو الغيط، عبر موقع «أكس»، بانتخاب رئيس جديد للبنان، متمنياً له «التوفيق في مهامه الجديدة ولشعب لبنان السلام والاستقرار والرفاهية.
الخروقات الاسرائيلية
وفي «رسالة خبيثة»، اعلن وزير خارجية دولة الاحتلال جدعون ساعر ان انتخاب عون يعد بتحقيق الاستقرار وتمنى علاقات جوار جيدة، فيما جنود الاحتلال يواصلون العربدة في البر والجو، حيث تقدمت دبابتا «ميركافا» وناقلة جند اسرائيلية باتجاه طريق عام مارون الراس من جهة بنت جبيل ومشطت المنطقة بالرشاشات بعد ظهر امس. ونفذ جيش الاحتلال بعد منتصف ليل امس الاول، عمليات نسف كبيرة في بلدة حولا لجهة بلدة ميس الجبل وفي رب ثلاثين، وحلق الطيران المسيّر الاسرائيلي منذ الصباح، في أجواء الجنوب، وعصر امس أقدم جيش العدو على تفجير ٩ مبان دفعة واحدة في عيتا الشعب، كما حلقت طائرة مسيّرة إسرائيلية فوق بيروت…