مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
لعل الوصف الموضوعي لمسار تاليف حكومة نواف سلام بعد اسبوعين وبضعة أيام من انطلاقه يختصر في “معاندة” الرئيس المكلف عند “خط الخطر” لئلا تنتقل مهمته، ولو أنه لا يزال ضمن مهلة تسامح كبيرة، من حيّز “المرونة” في معالجة التعقيدات والشروط المتراكمة في وجهه من قبل الأفرقاء والكتل والأحزاب إلى مواجهة لا مصلحة فيها إلا للذين يضمرون الدفع بسلام إلى السلبية. ولذا وفيما سادت على نطاق واسع في الأيام الأخيرة معطيات تتحدث عن “بت” العقدة الشيعية ولبّها منح حقيبة المال إلى المرشح الأحادي الحصري الذي رفعه الرئيس نبيه بري كعنوان شيعي فاصل حاسم وخط أحمر ممنوع تجاوزه وكسره، النائب والوزير السابق ياسين جابر، بدا العنوان الأبرز للرئيس المكلف في كلامه من قصر بعبدا مساء أمس، ولو غير الواضح بعد لجهة تفصيل المقاييس التي يتبعها في وضع هندسة التركيبة الحكومية، تشدّده أكثر من أي مرة سابقة في التمسك بمعاييره التي وضعها للحكومة. عكس ذلك أمرين متلازمين: ازدياد التعقيدات أمام الرئيس سلام الذي لم ينزلق إلى أي إلزام استباقي بتحديد مهلة لولادة حكومته، وارتفاع وتيرة الاتصالات خارج دائرة العقدة الشيعية إذ بدأت المقاربات الأوسع حيال المواقع المسيحية والسنّية تحتل دورها تباعاً.
وأفادت معلومات لـ”النهار” أن الاتصالات في الأيام السابقة أفضت مبدئياً إلى طرح منح حقيبة الداخلية إلى العميد المتقاعد أحمد الحجار في حين طرحت للحقائب الخمس التي ستعود إلى الحصة الشيعية إلى ياسين جابر في المال وعلي رباح في الصحة وصلاح عسيران في الصناعة وطلال عتريسي في العمل وعلاء حمية في البيئة، وكان طرح اسما تمارا الزين وعباس ضاهر من قبل حركة أمل لكن “حزب الله” لم يوافق عليهما.
وأفادت مصادر سياسية مطّلعة أن سلام يريد مراعاة القوى السياسية كلّها وعدم تحدي أي منها، إلا أنه في الوقت ذاته، يتمسّك بالدستور وبما ورد فيه حول التشكيل والحقائب واختيار الوزراء، ويعطي الأولوية لحكومة تنال ثقة اللبنانيين وأيضاً المجتمع الدولي والمانحين. وأشارت المصادر إلى أن الايام القليلة المقبلة وبعد زيارة سلام أمس لقصر بعبدا ستغدو مفصلية في تحديد مسار التأليف إذ أن سلام يدرك أن المماطلة في ولادة الحكومة مضرة للزخم الذي رافق انتخاب رئيس الجمهورية جوزف عون وتكليفه أيضاً، خصوصاً أنها تترافق مع تصعيد إسرائيل لاعتداءاتها على لبنان مع معاودة الغارات الجوية أول من أمس على النبطية وتصاعد انتهاكاتها لوقف النار رغم التمديد القسري لموعد انسحاب قواتها من الجنوب.
وأشار الرئيس المكلف بعد انتهاء لقائه مع رئيس الجمهورية العماد جوزف عون مساء أمس إلى أنه على “تفاهم مع الرئيس عون وعلى تواصل يومي مع النواب، ولن أتراجع عن المعايير التي اعتمدها لتشكيل الحكومة، وأبرزها فصل النيابة عن الوزارة والاعتماد على الكفاءات وتوزير أشخاص غير مرشحين للانتخابات البلدية والنيابية”.
وقال: “الشائعات حول تشكيل الحكومة تزداد يوماً بعد يوم ويجب التحلي بالصبر لتفادي البلبلة”.
وأشار سلام إلى أنّ “أبرز معيار لتشكيل الحكومة هو فصل النيابة عن الوزارة والاعتماد على الكفاءات وتوزير أشخاص غير مرشحين للانتخابات، وأي كلام عن أنني لا أطبق المعايير يجب عدم الوقوف عنده وسأبقى على نهج المرونة للتعامل مع الجميع وسنتجاوز الصعوبات ونأمل بأن يخرج النور قريباً للوصول إلى حكومة تنتشل لبنان من أزماته”.
أضاف سلام: “تأخير تشكيل الحكومة ليس بسببي ولست أنا من يضع العقبات وإن كانت هناك من صعوبات سنتجاوزها”، مؤكدًا أنّه “يجب انتظار ولادة الحكومة لمعرفة توزيع الحقائب”.
وجدّد تأكيده أنّ “الحكومة الجديدة ستكون من 24 وزيراً ولا نريد مجلس نواب مصغراً بل نريد حكومة فاعلة ومتجانسة”. كما شدد على أن “لا وزارة حكراً على طائفة كما أن لا وزارة ممنوعة على طائفة وسألتزم بهذا المبدأ”.
وشكلت حقيبة المال عنواناً اعتراضيا لدى”القوات اللبنانية” والقوى المعارضة سابقاً إذ لا تزال “القوات” على مبدأ عدم احتكار أي طائفة لاي حقيبة مع التشديد على المداورة المفتوحة بين الجميع ومن غير المسموح التعاطي مع توصيف “الوزير الملك” لأن ما تتخذه الحكومة يجب أن يلزم كل الوزراء. وإذا كانت لا ترى مانعاً اليوم رغم كل تحفظاتها في تسلّم شيعي لهذه الحقيبة شرط أن يسميه سلام وأن من الاسلم للحكومة أن يكون من يتولى هذه الوزارة من خارج “الثنائي”، تنبه “القوات” من اليوم من أن تسمية “الثنائي” لمن يشغل المال يعني زرع لغم في الحكومة سيقدم صاحبه عند أول امتحان أو أي احتكاك إلى تعطيلها مع التخوف من أن يقدم الوزراء الشيعة الخمسة إلى الاعتكاف أو الاستقالة بطلب من بري و”حزب الله” إذا كانوا كلهم من تسميتهما. وينسحب موقف “القوات” على الكتائب ونواب “تغييريين” يعارضون تسمية بري لشيعي وتمسّكه بالنائب السابق ياسين جابر في وقت نصح فيه الحزب التقدمي الاشتراكي سلام بالوقوف عند رأي بري في هذه الحقيبة وعدم الوقوع في فخ تأخير ولادتها.
ولكن رئيس الجمهورية العماد جوزف عون شدد مجدداً أمس على أنه “سيعمل على تنفيذ خطاب القسم لأن ما يحتاجه اللبنانيون هو أن يعيشوا بكرامتهم”. كما شدد على “ضرورة الابتعاد عن المناكفات وسياسة الزواريب الضيقة وتناتش الحصص” معتبراً أن “كل الوزارات هي للبنان كما هو مجلس الوزراء”، لافتاً إلى “ضرورة أن تتمثل الطوائف فيه من خلال النخب التي لديها إستقلالية القرار”.
الجنوب
أما على صعيد الوضع في الجنوب، فاستمرت عودة الأهالي إلى القرى الجنوبية وذلك غداة استهداف الجيش الاسرائيلي آليات تنقل سلاحا لـ”حزب الله” مرتين في النبطية. وفي وقت أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن “دولة لبنان وجيشها لم يحترما اتفاق التهدئة بعد 60 يوما”، سجل مزيد من الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف النار الممدّد حتى 18 شباط، إذ تقدمت آلية إسرائيلية باتجاه طريق الطيبة – القنطرة، قرب مقهى الشلال، وأطلقت النار في الهواء لترهيب السكان. ونفّذ الجيش الإسرائيلي، عملية نسف جديدة في بلدة كفركلا سمع صداها في أنحاء المنطقة. كما ألقت مسيّرة إسرائيلية قنابل على بلدة بني حيان. واعتقل الجيش الإسرائيلي أربعة مواطنين كانوا يتفقدون منزلهم عند اطراف بلدة مارون الراس، قبل أن يطلق سراح 3 منهم، كما أطلق النار على شخصين آخرين أصيبا بجراج أثناء محاولتهم التقدم في البلدة، كما احتجز سيارة لـ”كشافة الرسالة” الإسعاف الصحي في البلدة كانت تحاول نقل الجرحى، في وقت يصر أهالي مارون الراس على الدخول إلى قريتهم لتفقد منازلهم. وأطلق النار على الأهالي المتجمعين وعلى سيارة إسعاف تابعة لـ”كشافة الرسالة الإسلامية”عند مدخل مارون الراس. كما ألقت محلقة إسرائيلية قنابل صوتية على تجمع المواطنين عند مثلث شقرا – مجدل سلم- حولا ما أدى إلى إصابة مواطنين اثنين. وأفيد عن إصابة مواطنين اثنين جراء إلقاء مسيّرة اسرائيلية قنابل صوتية على تجمع مواطنين بوادي السلوقي قرب استراحة اكاسيا. وإستكمل الجيش الإسرائيلي ولليوم الثالث على التوالي أعمال جرف المنازل والبنى التحتية في حولا وميس الجبل ومركبا، وقام بإزالة عدد من الأشجار بين كفركلا وبرج الملوك.
وأعلنت قيادة الجيش اللبناني أن “الجيش يستكمل الانتشار في منطقة جنوب الليطاني، بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار، وسط تمادي العدو الإسرائيلي في اعتداءاته بما فيها إطلاق النار على الجيش والمواطنين أثناء الانتشار، إلى جانب الغارتين الأخيرتين على منطقة النبطية”. واشارت إلى أن “الجيش يتابع مواكبة المواطنين في البلدات الحدودية. كما يواصل العمل على تطبيق القرار 1701 وتنفيذ الإجراءات الميدانية الضرورية في مواقع عدة في منطقة جنوب الليطاني”. ودعت “المواطنين إلى التزام التوجيهات الصادرة في بياناتها الرسمية، والتقيّد بإرشادات الوحدات العسكرية المنتشرة”.