الرئيسية / آخر الأخبار / الذكاء الاصطناعي بين خلق الوظائف وتفكيكها

الذكاء الاصطناعي بين خلق الوظائف وتفكيكها

مجلة وفاء wafaamagazine

الذكاء الاصطناعي يغيّر سوق العمل بفرص جديدة، وتحديات في التوظيف والإدارة وتوزيع المهارات.

يشهد سوق العمل تحوّلاً جذرياً بفعل الذكاء الاصطناعي، لكن هذا التحول لا يسير في اتجاه واحد. فبين من يرى في الذكاء الاصطناعي محرّكاً للنمو والتوظيف، ومن يحذّر من تسريحات جماعية واحتكار المهارات، يبقى التأثير الفعلي معقّداً ومتعدّد الأوجه.

ومع تسارع إدماج هذه التقنيات في المؤسسات، تظهر تباينات لافتة في مسارات التوظيف وإعادة هيكلة الفرق. ما تكشفه الدراسات الحديثة لا يقتصر على الأرقام، بل يعكس توجهاً أعمق نحو نمط جديد من بيئات العمل، قد لا يكون متاحاً للجميع بالقدر نفسه.

أظهرت دراسة حديثة، صادرة عن مدرسة IESE لإدارة الأعمال، أن الذكاء الاصطناعي قد يدفع المؤسسات لتوظيف مزيد من المدراء، من أجل الإشراف على تطبيق هذه التقنيات وإدارتها داخل الشركة. وهي نتيجة تتقاطع مع بعض التحولات الراهنة، لكنها تناقض ما توصّلت إليه دراسة فرنسية سابقة حول الروبوتات، والتي رصدت انخفاضاً في الحاجة إلى الوظائف الإدارية.

أما جامعة كاليفورنيا في بيركلي فقد اعتمدت مقاربة مختلفة، عبر تحليل مئات ملايين السير الذاتية وإعلانات التوظيف بين عامي 2010 و2018، بهدف رصد التأثير الفعلي لتبني الذكاء الاصطناعي. ووجدت أن الشركات التي وظّفت مختصين في مجالات مثل التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية شهدت ارتفاعاً عاماً في عدد الموظفين، نتيجة تعزيز الابتكار والإنتاجية.

لكن هذه الزيادة لم تكن متوازنة عبر جميع الفئات. فقد تراجعت الوظائف غير المحتاجة لشهادات جامعية، مقابل ازدياد فرص العمل لأصحاب الخلفيات العلمية والتقنية. كما لوحظ “تسطح” في الهياكل الإدارية، إذ أصبحت الشركات تفضل توظيف كفاءات قادرة على العمل باستقلالية، دون الحاجة إلى إشراف مباشر من إدارة وسطى.

ولتأكيد العلاقة بين هذه التغييرات وتبني الذكاء الاصطناعي، ركّز الباحثون على الشركات التي تربطها صلات أكاديمية بمراكز متقدمة في هذا المجال، مثل جامعة تورنتو. وتبيّن أن هذه الروابط أسهمت في تشكيل فرق ذكاء اصطناعي مبكرة، انعكس وجودها لاحقاً على تركيبة القوى العاملة واتجاهات التوظيف داخل هذه الشركات.

غير أن دخول الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى الساحة عام 2023 أعاد خلط الأوراق. فالشركات الكبرى التي تمتلك البيانات والموارد التقنية باتت في موقع الصدارة، لكنها في الوقت نفسه اتخذت قرارات مثيرة للقلق، مثل تسريحات موظفين رغم الأرباح القياسية—كما حدث مع “ألفابت”، الشركة الأم لـ “غوغل”. هذه المفارقة تعزز المخاوف من أن النمو في هذا القطاع قد لا يعني بالضرورة نمواً موازياً في فرص العمل.

في المحصلة، يصعب تقديم إجابة قاطعة عمّا إذا كان الذكاء الاصطناعي يقود إلى ازدهار في سوق العمل أم إلى إعادة هيكلة جذرية له. لكن ما يبدو مؤكداً هو أن التأثير بات ملموساً، وسيتسع نطاقه على الأرجح في السنوات المقبلة، مع إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا داخل بيئة العمل.

 

 

 

 

 

 

 

النهار