الرئيسية / آخر الأخبار / عينة من سيناريوهات «ترامبية» لإدارة المنطقة!

عينة من سيناريوهات «ترامبية» لإدارة المنطقة!

مجلة وفاء wafaamagazine

كتب جورج شاهين في “الجمهورية” :

«طحشة» الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اليوم الثاني عشر للحرب الإسرائيلية – الإيرانية لم تظهر نتائجها بعد، لأنّ المؤشرات الدالة متعددة وتحاكي مستقبل المنطقة التي تحولت مسرحاً للعمليات العسكرية من دول الخليج العربي والشرق الأوسط وصولاً إلى عمق الأراضي الإيرانية وبعض دول الجوار التي لم تتورط في الحرب مباشرة. وعليه فإنّ هذا الواقع فرض رصد السيناريوهات التي يمكن أن يلجأ اليها ترامب، وهذه عينة منها.

في انتظار بعض التفاصيل الدقيقة المحيطة بالضربة العسكرية الأميركية الخاطفة للمفاعلات النووية الإيرانية وما سبقها وتلاها من العمليات العسكرية، لن يتمكن أي من الخبراء والمحللين السياسيين من تقدير مستقبل المنطقة، وما يمكن ان تشهده منذ التفاهم على موعد وقف إطلاق النار المفاجئ فجر الثلاثاء الفائت، في وقت كانت المراجع العسكرية تدقق في النتائج الفعلية للضربة الأميركية الصاعقة وتأثيراتها على القدرات النووية الإيرانية، بعدما صرف النظر منذ اللحظات الأولى عن أي تفاعلات نووية خطيرة يمكن ان تنعكس على المدنيين في إيران وربما في الدول المحيطة بها، نتيجة التطمينات التي قدّمها الإيرانيون اولاً ومن بعدهم مسؤولو الوكالة الدولية للطاقة النووية.

على هذه الخلفيات، لم تغيّر المواقف الإيرانية والدولية من وهج طحشة ترامب ومعه الديبلوماسيون والقادة العسكريون الأميركيون الذين تحدثوا عن رزمة من الخطط التي وضعت على طاولته، إن لم ترتدع طهران وتفهم معنى الرسالة الأميركية، وما يمكن ان تؤدي اليه أي عملية تمسّ الجنود الأميركيين المنتشرين بالآلاف في القواعد الأميركية في دول الجوار الإيراني، والتي يمكن ان تطاولها قذائف المدفعية والصواريخ القصيرة المدى. ذلك انّ المعلومات الأولية التي تبلّغتها الإدارة الأميركية من الوسطاء، تحدثت عن ليونة إيرانية ملحوظة، قبل أن تطلب طهران منهم مهلة للردّ على الضربة الأميركية، غسلاً لماء الوجه ولكي يتقبّل الشعب الإيراني مهما تعدّدت ردّات فعله على قرار من هذا النوع، بعدما شهد ما شهده من عمليات مذهلة قبل اتخاذ أي قرار بوقف للنار.

على هذه الخلفيات، اتجهت الأنظار لفهم موقف إيران، بعدما أرجأت التعبير عن أي ردّ فعل حيال القواعد الأميركية، وفضّلت أن تضرب بقوة وبصواريخ ربما استخدمت للمرّة الأولى الأراضي الفلسطينية المحتلة من شمالها حتى جنوبها. وعليه كان التريث مناسبة لرصد أي عملية يمكن ان تطاول القواعد الأميركية مباشرة، بعدما عبّرت عن نيتها بعدم تجاوزها اياً كانت الكلفة المقدّرة لها. وجلّ ما فهمه المتعاطون بالاتصالات غير المباشرة، حاجتهم الملحّة لوقت قصير لفهم الخطوة الإيرانية التالية التي تحتسبها طهران، حتى لا تشكّل أي دعسة ناقصة لا يمكن العودة عنها لاحقاً. فهي وحسب التجارب السابقة، لا تقبل بأن تُقاد إلى مواجهة أميركية ـ إيرانية مباشرة، لا يستطيع أحد أن يضبطها او يتحكّم بها، خصوصاً انّه سبق لترامب أن قدّم بعد ساعات قليلة ملخصاً للضربة التي أمرّ بها ونتائجها، تحدث فيه عن «القضاء» على البرنامج النووي الإيراني بما يطمئن حليفته إسرائيل، مشفوعاً بدعوة طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات، واعداً بـ»غدٍ مشرق» لإيران والمنطقة، متى تخلّت عن طموحاتها النووية.

وبالعودة إلى تلك اللحظات، كانت السلطات القطرية قد تبلّغت توجّهاً ايرانياً وصفه الوسطاء بأنّه «صادق» و«عملي» و«منطقي» إلى وقف العمليات العسكرية، ما أن تردّ بشكل ما على القواعد الأميركية في المنطقة، وتجاوز ما يمنعها من اتخاذ قرار بهذا الحجم. وكان المخرج ان تكون قاعدة العديد في قطر هدفاً محتملاً نظراً لرمزيتها. وبعدها تقرّر وقف الحرب التي صادفت يومها الثاني عشر.

وبمعزل عن أي تفسير للعملية الإيرانية، وأقله القول بـ«الإخراج السيئ» لـ«عملية فولكلورية» استنسخت تجربة قصف قاعدة «عين الاسد» في العراق بعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، بما انتهت اليه من نتائج «صفرية». وهكذا عبرت العملية في توقيت سبق الموعد المتفق عليه لوقف النار، بإحدى عشرة ساعة، على رغم مما شهدته هذه الساعات من إفراغ لحمولات الطائرات الاسرائيلية التي كانت تجول فوق الأراضي الإيرانية، وما انتهت اليه الصليات الصاروخية الجاهزة للإطلاق في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة كاملة.

على انّه بعد تثبيت وقف النار، بدأ احتساب النتائج. وفي انتظار بروز اي مرجع حيادي يثبت حجم خسائر الطرفين في جدول مقارنة نهائي، تنتظر الأوساط ما يشرح الخطوات العملية المرفقة بالاتفاق فور استئناف المفاوضات الأسبوع المقبل. اما وقد سارعت طهران وتل ابيب وكل من لف لفهما إلى قراءة نتائج الحرب، وكان الجميع حققوا أهدافهم منها، فإنّ ما التقى عليه المراقبون المحايدون، انّ هناك رجلاً واحداً بات يتحكّم بالنتائج وهو ترامب الذي تقبّلت طهران وتل ابيب ملاحظاته بما حملته من صراحة في مخاطبتهما وصولاً إلى قوله أمس حرفياً: «لا أعتقد أنّ أياً من إسرائيل وإيران ستُقدم على مهاجمة الأخرى بعد اليوم». وهو كلام كبير لا يمكن لأحد ان يتحمّل نقضه او تخطّيه إن لم يكن قادراً على تنفيذه.

وفي الخلاصة، تتبادل المراجع الديبلوماسية سيناريوهات عدة لمستقبل المنطقة، وأبرزها يسأل عن طريقة توزيع ترامب المغانم على حلفائه وخصومه في آن في المنطقة. ففي حساباته لأدوار الحلفاء ان يكون عادلاً في توزيع المغانم عليهم. فإلى إسرائيل وتركيا وما تريدانه من نفوذ وهيمنة، هناك المملكة العربية السعودية لما باتت تشكّله من قوة صاعدة في الخليج والعالم ولا يمكن تجاهلها. وعدا عن ذلك، فإنّ هناك من يتوقع مواجهة اميركية ـ إسرائيلية محدودة. فدول المنطقة الحليفة لواشنطن تخشى إطلاق يد تل ابيب في المنطقة، وسيكون على ترامب إدراك ذلك ليدوزن مواقفه، خصوصاً انّه قد يضطر إلى لجمها في مكان ما ولحظة ما، فلا يشاركه أحد في هيمنته المطلقة على المنطقة وتوجيه الرسائل المتعددة في كل الاتجاهات. ذلك انّ هناك دروساً يمكن استقاؤها في معالجة أزمات دولية أخرى. فأوكرانيا على الطريق والنزاع مع الصين على اللائحة المقبلة، والرواية قد تطول على مسرح العالم بكامله.