الأخبار
الرئيسية / آخر الأخبار / عوّاد : هذه استراتيجية الأمن القومي اللبناني…لا دولة من دونها

عوّاد : هذه استراتيجية الأمن القومي اللبناني…لا دولة من دونها

مجلة وفاء wafaamagazine

يؤكّد الدكتور العميد علي عوّاد، رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والإعلام والأستاذ الجامعي وعميد الركن السابق في الجيش اللبناني، لـ«الجمهورية»، أنّ استراتيجية الأمن القومي اللبناني هي رؤية علمية وواقعية، تهدف إلى بناء الدولة القوية، عبر تعزيز الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، وتصويب علاقات لبنان الإقليمية والدولية. ويُشدِّد على أنّ هدفها الأساسي يتمثل في تحقيق الأمن الوطني والقومي، وحماية النظام السياسي، من خلال التمسك بالثوابت الوطنية ومنع تفرّد أي مكوّن لبناني بصنع القرار المصيري.

يرى عوّاد أنّ الاستراتيجية تتكوّن من بُعدَين متلازمَين: بُعد خارجي يُعنى بمواجهة التجاذبات السياسية الدولية والتهديدات العسكرية والأمنية، وبُعد داخلي يتناول المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والإعلامية.

ولذلك، فإنّ «التزام الثوابت الوطنية يقتضي تقديم إجابات خطية واضحة وصريحة، لا تقبل المواربة، بعد حوار وطني علمي وموضوعي، حول المقوّمات الأساسية للاستراتيجية، مع توقيع تعهّد خطي بالالتزام بتنفيذ مضامينها».

لكنّ أي حوار وطني حول الاستراتيجية يجب أن يسبقه، برأي عوّاد، تصوّر سليم لتشكيل لجنة من خبراء ومفكّرين ومثقفين وباحثين علميِّين، من نُخَب وطنية سيادية معتدلة ومستقلة، تكون على اطّلاع عميق بأفكار وهواجس جميع المكوّنات اللبنانية، لا فقط الحكام أو قادة الأحزاب. ويطالب عوّاد بحوار وطني يقوده رئيس الجمهورية، يشمل كل المكوّنات السياسية، الحكومية وغير الحكومية، ويتبنّى خلاصات وتوصيات اللجنة، من دون أي اعتبارات سياسية ضيّقة.

ويعتبر أنّ هذه الخطوة يجب أن تكون أولوية رئاسة الجمهورية، وإلّا فإنّ الولاية ستُمنى بفشل ذريع. أمّا بالنسبة إلى ملف السلاح، فيرى أنّ تنظيمه وحصره وتسليمه إلى الدولة يجب أن يتمّ من خلال حوارات تنفيذية جانبية فورية، يقودها رئيس الجمهورية بسرّية بعيداً من الإعلام، تُعرَض نتائجها لاحقاً على الحكومة لاتخاذ القرار والتنفيذ عبر القوى المسلحة الشرعية، مؤكّداً أنّ الطرح التقليدي لطاولة حوار لم يَعُد مجدياً.

في مؤتمر جنيف الدولي عام 2021، كان عوّاد قد شدّد على ضرورة تقديم أفكار مكتوبة ضمن مهلة زمنية قصيرة، تتناول المقوّمات الخمسة الأساسية لاستراتيجية الأمن القومي. وهو يُعيد التذكير بهذه المقوّمات التي وضعها في حزيران 2020 وسلّمها آنذاك إلى كل المرجعيات السياسية والعسكرية، ومن ضمنهم قائد الجيش، وهي:

أولاً: المقوّمات السياسية، وهدفها تحقيق ثبات وكيانية نظام الحكم الميثاقي، وفق الدستور. وتشمل تحديد الموقف من أي خلاف داخلي يمسّ الثوابت الوطنية، والاحتكام الحصري إلى المؤسسات الدستورية. كما تشتمل على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، واتفاقية الهدنة لعام 1949، والتموضع الحيادي الإيجابي إزاء النزاعات الإقليمية والدولية، مع التأكيد على 4 مواقف: العداء للكيان الصهيوني، دعم القضية الفلسطينية، تأييد القضايا ذات الإجماع العربي، ومواجهة الظواهر الإرهابية والتكفيرية. ويؤكّد أيضاً سيادة الدولة على كامل أراضيها، ورفض أي تدخّل خارجي في الشؤون اللبنانية، والتمسك بخطاب وطني معتدل يرسّخ السلم الأهلي.

ثانياً: المقوّمات الاجتماعية، هدفها تأمين تماسك الجبهة الداخلية، عبر تكريس الدولة كمرجعية وحيدة للمواطن، تعزيز الأمن الاجتماعي، ومعالجة قضية المقيمين غير اللبنانيين.

ثالثاً: المقوّمات الاقتصادية، وتتمثل في تحقيق المصالح الاقتصادية الحيَوية الاستراتيجية للدولة، من خلال الالتزام بتفعيل المؤسسات الدستورية ومكافحة الفساد.

رابعاً: المقوّمات الثقافية-التربوية، وتهدف إلى ترسيخ مفهوم المواطنة والانتماء للبنان بوجهه العربي. ويتطلّب ذلك إعداد كتابَين موحّدَين للتربية الوطنية والتاريخ، يعزّزان ثقافة المواطنة، وإطلاق حوار استشرافي حولهما.

خامساً: المقوّمات العسكرية-الأمنية، وهي الأكثر حساسية، نظراً للخلافات العميقة حولها بين الأطراف السياسية. فيوضّح عوّاد أنّ الغاية منها تأمين إمكانات عسكرية قادرة على ردع 4 أنواع من التهديدات: العدو الإسرائيلي، الإرهاب، انتشار السلاح بين السكان، والمربّعات المسلحة داخل لبنان. لذلك، يطرح 4 إشكاليات رئيسة تتطلّب إجابات واضحة من اللجنة، بعد حوار علمي مع مختلف المكوّنات:

– ما هي الرؤية التنفيذية لتسليم السلاح للجيش اللبناني؟ فوراً، أم وفق مراحل؟

– هل يمكن الاستفادة من هذا السلاح موقتاً في دعم الجيش بمواجهة التهديدات؟ ولأي مدة؟

– ما هو الوضع الوظيفي والعضوي للسلاح بعد التسليم؟

– ما هي آلية اتخاذ قرار دعم الجيش في مواجهة التهديدات؟ وهل يمكن اعتماد ترتيبات مرحلية في ظل الضغوط الدولية والعربية المطالبة بحصر السلاح؟

كل هذه التفاصيل يرى أنّها يجب أن تبقى سرّية، ويؤكّد أنّ لديه تصوّرات بحثية واقعية بشأنها.

في ما يخصّ حصر السلاح، يرفض مصطلح «الاحتكار» ويفضّل الحديث عن ضبطه تحت سلطة الدولة. ويؤكّد عوّاد أنّ اللجنة يجب أن تقيس تلك الطروحات وفق معايير علمية، دستورية ودولتية، وأن تحسم عبرها استراتيجية الأمن القومي، معوِّلاً على مساحة مشتركة بين اللبنانيِّين، عُبِّر عنها في مؤتمرات جنيف وبيروت، تقوم على عدد من الثوابت: ضبط سلطة القوة بيد الدولة وحدها، إعطاء دور أولوي للجيش اللبناني والقوى الأمنية في التنفيذ، حصر قرار السلم والحرب بالدولة اللبنانية، عدم استخدام السلاح في الداخل عند أي خلاف سياسي، نزع السلاح من المربعات الأمنية بإيعاز سياسي وتنفيذ عسكري.

ويذكّر بأنّ الاحتلال الإسرائيلي لخمسة مواقع جنوبية، والخطر على الحدود الشمالية-الشرقية، يفرضان دوراً محورياً للاستراتيجية. ويعتبر أنّ «التوازي الإجرائي» – أي خطوة مقابل خطوة – هو الحل الواقعي، لكنّ تفاصيله أيضاً سرّية.

أمّا السلاح الموجود لدى المدنيِّين، فيعتبره الأخطر لأنّه يُغذّي الفتنة. ويقترح تنظيمه عبر نماذج متعدّدة: تسليح منضبط لحرس البلديات، دعم الدفاع المدني والإطفاء، تشكيل أفواج وطنية داخلية أو حدودية، أو نموذج مواطنين بسلاح مضبوط على غرار النموذج السويسري، أو اعتماد صيغة ثالثة تبتّ بها اللجنة.

وبشأن تمكين الجيش والقوى الأمنية، يقترح وضع خطة عملية ترتبط مباشرة بالاستراتيجية، تستند إلى التواصل الدولتي مع دول صديقة وحليفة، وطروحات القوى السياسية. لكنّه يُثير تساؤلاً محوَرياً: كيف يمكن لمنظومة سياسية فاشلة أن تصوغ استراتيجية للأمن القومي؟

ويُشدّد على أنّ إعداد الاستراتيجية ليس شأناً عسكرياً أو سياسياً فحسب، بل يتطلّب جهود مفكّرين وخبراء من مختلف القطاعات، على أن تصادق الدولة على نتائجهم من خلال جهة دستورية، مثل المجلس الأعلى للدفاع.

ويختم العميد بالمعادلة التالية: قوة الدولة = (ثوابت التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا والثقافة والهوية) + (المتغيّرات السياسية والاقتصادية والعسكرية) × الإرادة السياسية.

ويُضيف محذراً: «إذا كانت الإرادة السياسية صفراً، فإنّ قوة الدولة تنهار، وهذا ما حصل سابقاً. أقولها بوضوح: الانهيار الجديد أقرب من حبل الوريد».