مجلة وفاء wafaamagazine
تصدّرت الأزمة الاقتصادية والمالية أمس الاهتمامات الرسمية والسياسية، وذلك غداة نيل الحكومة ثقة المجلس النيابي وانعقادها في اول مجلس وزراء سبقه اجتماع مالي خصّص للبحث في مصير استحقاق «اليوروبوند» في آذار المقبل، والذي يتجاذبه موقفان أحدهما يدعو الى تجميده والآخر يدعو الى تسديده.
ولم ينته النقاش أمس الى اي قرار بعد، لكنّ الاستنفار على هذه الجبهة مستمر الى حين الاتفاق على طبيعة هذا القرار في ظل مَيل الى تجميد دفع هذا الاستحقاق المالي والذهاب الى مفاوضات مع الجهات المدنية للاتفاق معها على تأجيله وإعادة جدولة الديون.
وقالت مصادر معنية لـ«الجمهورية» انّ الاتصالات سترتفع وتيرتها في الايام المقبلة، من اجل حسم الخيارات إزاء المعالجات المطلوبة للأزمة الاقتصادية والمالية، في الوقت الذي باشَرت الدوائر المختصّة في القصر الحكومي اتصالاتها لترتيب جولة، او جولات، يعتزم القيام بها رئيس الحكومة حسان دياب عربياً ودولياً، في سياق السعي الى تأمين الدعم اللازم للبنان لتمكينه من تجاوز المرحلة الصعبة التي يمر بها. والمرجّح أن تشمل هذه الجولة، في ما ستشمل، عواصم عربية خليجية فاعلة، وكذلك عواصم أوروبية بعضها ينتمي الى «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان».
على رغم انّ الحكومة بَدت مُستنفرة أمس بحثاً عن المعالجات المطلوبة بإلحاح للملف المالي، خصوصاً ما يتعلق في مسألة إصدار اليوروبوند استحقاق 9 آذار المقبل، لحسم الموقف بتسديده أو بدء التفاوض لتأجيله، لم تنته الاجتماعات التي عقدت في القصر الجمهوري أمس، وفي مقدمها الاجتماع المالي، الى ارتفاع الدخان الابيض إيذاناً بولادة قرار في هذا الشأن.
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد ترأس أمس في قصر بعبدا، اجتماعاً مالياً واقتصادياً، في حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء حسان دياب ونائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر عدرا، ووزير المال غازي وزني، ووزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، والمدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير.
وخُصّص الاجتماع للبحث في مسألة استحقاق «اليوروبوند» والاوضاع المالية والاقتصادية في لبنان، والإجراءات اللازمة لمواجهة الأزمة المالية وتطمين المودعين الى أموالهم في المصارف.
وبعد انتهائه، تبيّن من التصريح الذي أدلى به وزير المال غازي وزني انه لم يتم حسم القرار في شأن «اليوروبوند». إذ أشار الى «خيارات متعدّدة طُرحت، وقد تمّ درس كل خيار بعمق، سواء لجهة الدفع ام عدمه، وقد عبّر كلٌ من المجتمعين عن رأيه بصراحة، وتمّ الاتفاق على استمرار البحث في المرحلة المقبلة لاتخاذ القرار المناسب، لأنّ المسألة مهمة جداً بالنسبة الى البلد والمودعين والمصارف، كما الى القطاع الاقتصادي وعلاقاتنا الخارجية على حد سواء».
وتخوّف المراقبون من التأخير الجاري في اتخاذ القرار، لأنه كلما أصبح الوقت ضيقاً كلما أصبح احتمال النجاح في تأجيل الدفع بموافقة المُقرضين أصعب وأكثر تعقيداً، وليس من مصلحة لبنان التخلف عن الدفع من دون الحصول على تغطية قانونية تؤمّنها موافقة المقرضين. وبالتالي، قد يصل وقت تصبح معه الحكومة مُلزمة بالدفع بما يعني خسارة مليار و200 مليون دولار من أموال الناس، ودفعها الى حاملي السندات، ومعظمهم من المضاربين.
الى ذلك، تحدثت بعض الأوساط الديبلوماسية عن أنّ هناك 4 مهمّات ستطرح نفسها بإلحاح في المرحلة المقبلة، وتفرض حواراً لبنانياً – لبنانياً وإجماعاً وطنياً على حلّ المأزق القائم بوجوهه المالية والنقدية والاقتصادية والسياسية. وأشارت هذه الاوساط الى انّ فرنسا يمكنها ان تجمع اللبنانيين على طاولة حوار في بيروت او في باريس، على غرار سان كلو 2007.
وحددت هذا الاوساط المهمّات الأربع كالآتي:
1 – النقاش حول الخلل في دستور الطائف وتصحيحه.
2 – إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
3 – إعادة هيكلة الواقع النقدي لمصرف لبنان.
4 – إعادة هيكلة النظام القضائي.
وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قد أعلنت في بيان لها أمس، وَزّعته السفارة الفرنسية في بيروت، أنّ «فرنسا تنتظر، مثل جميع شركاء مجموعة الدعم الدولية للبنان (GIS) الذين اجتمعوا في كانون الأول الماضي في باريس، من السلطات اللبنانية إصلاحات بعيدة المدى وطموحة، خصوصاً في ما يتعلق بشفافية الاقتصاد، والاستدامة الاقتصادية والمالية، ومكافحة الفساد واستقلال القضاء».
وشدّدت الوزارة على ضرورة أن «تتمّ هذه الإصلاحات بروح من المسؤولية ولمصلحة جميع اللبنانيين». وإذ أشارت إلى أنّ «مجلس النواب اللبناني وافقَ على البيان الوزاري للحكومة الجديدة»، رأت «أنّه يقع حالياً على عاتق هذه الحكومة التحرّك سريعاً لتلبية التطلعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعبّر عنها اللبنانيون منذ أشهر عدة».
وأكدت أنّ «فرنسا تبقى إلى جانب اللبنانيين، مثلما فعلت دوماً، وهي تتمسّك بسيادة لبنان واستقراره وأمنه، الذي لا بدّ من فصله عن التوترات والأزمات الإقليمية».
من ناحيته، حَضّ المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش الحكومة الجديدة على اتخاذ «تدابير جريئة وموجعة لإنقاذ البلاد من الانهيار».
وشدّد، عبر «تويتر»، على ضرورة «الشفافية الكاملة في شأن الملاءة المالية للبنان ومصرفه المركزي»، آملاً في «عدم إخفاء المشورة التقنية التي طلبتها حكومة لبنان من صندوق النقد الدولي عن الشعب».
مجلس الوزراء
وتخلّل مجلس الوزراء كلمة استهلالية لرئيس الجمهورية، طلبَ فيها من من الوزراء المباشرة في إعداد مشروع موازنة 2021 لكي يسلك مساره ضمن المهل الدستورية المحددة. فيما وقّع الوزراء، بناء على طلب رئيس الحكومة، تعهّدات بعدم الترشح للانتخابات النيابية في حال تمّت تحت إشراف الحكومة الحالية. كذلك وقّعوا تصريحاً عن أموالهم المنقولة وغير المنقولة.
كذلك طلب دياب من الوزراء «إعداد ملف يتضمن المشاريع الملحة والضرورية التي يُفترض أن تُعرض خلال زيارات في الخارج أو مع الزوّار العرب والأجانب عندما يزورون لبنان، وكذلك مع الجهات المانحة، على أن تكون هذه الملفات جاهزة خلال الأسبوع المقبل».
وترأس دياب مساء أمس في السراي الحكومي اجتماعاً مالياً اقتصادياً، حضره وزيرا المال والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف، وتركز البحث على العلاقة بين المصارف والمودعين والآليات المطروحة لتنظيم هذه العلاقة.
وفيما كان رئيس الحكومة يعمّم على الوزارات والادارات العامة التقشّف واقتصار النفقات على الضروري والمُلح منها، بَدا أنّ بعض الوزراء بدأوا التورّط في الاستمرار بالتوظيف المقنّع، حيث علم انّ وزير الطاقة ريمون غجر وقّع «صفقة اليد العاملة لمصلحة المياه» التي يستفيد منها عادة أحد المسؤولين الاداريين الكبار، الأمر الذي يستدعي من النيابة العامة وَضع يدها على هذا الملف في ظل حاجة البلاد الملحّة الى المال.
باسيل وريتشارد والفساد
من جهة ثانية، لفت الاوساط السياسية اللقاء الذي انعقد أمس بين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والسفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد، والذي استمر 3 ساعات، وتلاه غداء عمل تناول الاوضاع الاقتصادية والمالية وأولويات الحكومة الجديدة كما تطورات الوضع في منطقة الشرق الاوسط.
وحسب المعلومات فإنّ باسيل طلب من السفيرة الاميركية أن تقوم بلادها بتطبيق القانون الاميركي الخاص بملاحقة الفساد المالي خارج الحدود الاميركية، على ان يشمل ذلك لبنان، لكشف الحقائق المتصلة بعمليات تهريب او نقل أموال من لبنان الى الخارج لمعرفة مدى قانونيتها او مخالفتها للقوانين.
ولوحِظ انّ زيارة ريتشارد لباسيل جاءت قبل أن تجتمع مع اي وزير في الحكومة الجديدة. وفيما تم الاجتماع في ظل حضور حشد إعلامي، كان واضحاً انها تقصّدت أن تعقده مع باسيل في مقر «التيار الوطني الحر» في سنتر ميرنا الشالوحي – سن الفيل.
الحريري وذكرى والده
من جهة ثانية، يحيي تيار «المستقبل» اليوم الذكرى الخامسة عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري في احتفال يقام في «بيت الوسط» بعدما كان مقرراً في مجمع «بيال»، وينتظر ان يعلن خلاله الرئيس سعد الحريري جملة من المواقف السياسية التي ستعكس طبيعة توجهاته السياسية في التعاطي مع المرحلة المقبلة، خصوصاً انه يتّجه الى اعتماد خيار المعارضة بالتحالف مع قوى سياسية أخرى، في ظل معلومات عن تَوجّه لديه الى إظهار تيار «المستقبل» الذي يتزعّم في حلة قيادية وسياسية جديدة.
وفي المناسبة أصدر رئيس الحكومة حسان دياب بياناً قال فيه انّ هذه الذكرى «تأتي ولبنان يمر في مرحلة حسّاسة ويواجه تحديات خطيرة مالياً واقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً. فالرئيس الشهيد الذي أطلق ورشة إعمار لبنان بعد الحرب، وأزال آثارها، نَفتقد اليوم قوة حضوره العربية والدولية من أجل إنقاذ لبنان من الأزمة المالية الحادة المتراكمة».
واعتبر «انّ اغتيال الرئيس الشهيد شكّل اغتيالاً لأحلام اللبنانيين، وجريمة كبرى في حق مستقبل لبنان الذي أراده الرئيس الشهيد منارة في المنطقة والعالم».
المحكمة
الى ذلك وعشيّة هذه الذكرى، التقى أمس رئيس القلم في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان داريل موندز (أعلى مسؤول مالي واداري في المحكمة) كلّاً من رئيس الحكومة حسان دياب والرئيس سعد الحريري ومستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي.
وعلمت «الجمهورية» انّ مسؤول المحكمة تبلّغ من رئيس الجمهورية ميشال عون ودياب الالتزام بالقرار الدولي 1757 المتعلّق بإنشاء المحكمة الدولية، وبالتالي التزام لبنان بتسديد مساهمته المالية فيها لسنة 2020 والبالغة 50 مليون دولار اميركي، على رغم الازمة الاقتصادية – المالية التي تواجهه.
وفي المعلومات انّ عون متمسّك باحترام مندرجات القرار الدولي المتعلق بالمحكمة، «لأنّ الدولة اللبنانية ترفض من جهة أن تكون خارج المنظومة الدولية على المستويين القضائي والمالي، وتستعجل من جهة أخرى صدور الحكم في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري».
وقد أبلغ جريصاتي الى موندز موقف عون الداعي الى الاستعجال في إنجاز المحاكمة، وإصدار الحكم في ملف اغتيال الحريري، وضرورة إعطاء هذا الامر الاولوية القصوى من دون أن يتأثر بالقضايا المتلازمة، مع التأكيد انّ لبنان سيستمر في تسديد متوجّباته للمحكمة.
الجمهورية