مجلة وفاء wafaamagazine
قبل أسابيع أورد جيفري فيلتمان في تقرير نشره عبر الموقع الإلكتروني “مؤسّسة بروكينغز” أن هناك تخوفا حقيقيا من قيام “حكومة “حزب الله” بإستغلال حملة مكافحة الفساد، للإنتقام من حلفاء واشنطن في لبنان مسمياً كل من سعد الحريري وفؤاد السنيورة ووليد جنبلاط. لكن السياق الذي جاء فيه تحذير فيلتمان يُظهر أنه ليس موجهاً إلى اللبنانيين من خصوم واشنطن بل إلى جناح آخر في الإدارة الأميركية.
تسيطر على دايفد شينكر، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، قناعة تقول بأن الثمن الذي قد تدفعه واشنطن في لبنان ليس مهماً إذا كان سيؤدي إلى سقوط “حزب الله” أو ضموره، بمعنى أوضح، لا يُمانع شينكر حصول الإنهيار المالي والإقتصادي الكامل في لبنان، وإن أدى إلى إنهيار حلفاء واشنطن السياسيين وتضرر المنظومة المصرفية، وحتى خسارتها نفوذها الأمني والعسكري بتراجع فاعلية الجيش، إذا ما كان الأمر سيؤدي إلى إحداث ضرر جذري في بنية “حزب الله”.
إنطلاقاً من هذه القناعة بحث شينكر عن مداخل عملية لتحقيق الهدف الأميركي، بداية من خلال ضرب حلفاء “حزب الله” والتأثير عليهم عبر التلويح بوضعهم على لائحة العقوبات، وهذا ما لم يستطع شينكر تسويقه لعدم وجود رغبة أميركية بكسر الجرة مع جزء كبير من مسيحيي لبنان.
تعرضت نظرية شينكر لضربة ثانية عندما لم يستطع الحراك الشعبي التأثير المباشر على بنية البيئة الحاضنة لـ”حزب الله”، وبدا أن تضرر الحزب هدف بعيد المدى، فأصبح الهدف الآني هو عزله من خلال ضرب وإضعاف حلفائه، لكن المدخل الحقيقي نحو هذا الأمر لم يكن واضحاً لدى صناع القرار الأميركيين خصوصاً بعد سقوط فكرة العقوبات.
مع إستنفاذ أدوات الإحتجاج الشعبي قدرتها على الحشد وتراجع إمكانية الرهان على ضرب بيئة الحزب، تفرمل دور شينكر لصالح دور وزير الخارجية مايك بوبيو الأقل راديكالية بالنظر إلى الساحة اللبنانية وأدوات التأثير بها، فالأخير يعتقد أن الإنهيار سيعزز دور الحزب وتأثيره، وقد تمثل تقدم نظرة بومبيو على نظرة شينكر بزيارة قام بها دايفد هيل وكيل الشؤون السياسية في وزارة الخارجية الأميركية إلى بيروت.
زاد إهتمام واشنطن بخلق بدائل عن حلفائها التقليديين من الحراك المدني، وإعدادهم لملء الفراغ الذي قد يتركه أفرقاء قوى 14 آذار في حال الذهاب بعيداً في الفوضى والإنهيار، وهو ما سيحدّ من خسائر واشنطن السياسية ويجعلها قادرة على وراثة الدور الذي سيخسرها حلفائها عبر حلفاء جدد أكثر حيوية في خطابهم السياسي المدني.
لكن ترتيب ساحة حلفاء واشنطن في لبنان وإدخال عناصر جديدة إليها، لا يعني شيئاً إن لم يكن هناك تأثير سلبي على ساحة الخصوم، أي على “حزب الله” وحلفائه، ولما كان التصويب على الحزب غير فعال في المرحلة الحالية، عادت نظرية ضرب حلفائه لعزله تطل برأسها، ومعها المنظر الأول لها دايفد شينكر.
حمل شينكر هذه المرة أسلوباً جديداً لضرب حلفاء “حزب الله” يتماشى مع الجوّ العام السائد في لبنان، وهو إستخدام قانون ماغنيتسكي لمحاربة الفساد، والذي يقوم بإختصار على فرض واشنطن لعقوبات مالية على شخصيات تساهم في فساد وسرقة المال العام في دول العالم، وعلى هذا الأساس بدأ الأميركيون عملية متابعة وتحقيق واسعة لكشف خطوط المساهمين الفعليين في الفساد على أمل أن يكون جزء أساسي منهم من حلفاء “حزب الله” في مختلف الطوائف اللبنانية.
هذا التوجه الأميركي يخدم نظرية شينكر التي تتعايش مع إمكانية تضرر حلفاء واشنطن جراء هذا القانون إذا كان سيساهم بعزل الحزب وإضعاف حلفائه، لكن في لبنان برز تطور آخر بالتوازي مع عدم توصل لجان التحقيق الأميركية إلى مفاتيح أساسية يمكنها من خلالها ضرب البنية الحقيقية لـ”التيار الوطني الحرّ” عبر “ماغنيتسكي”، فالرئيس ميشال عون بدأ يلوح بشكل حقيقي بإمكانية قيام حكومة اللون الواحد بملاحقة “الفاسدين”، وهو يقصد هنا بعض حلفاء واشنطن، خصوم الأكثرية النيابية التي شكلت الحكومة، وهذا ما كرره عون نفسه قبل يومين.
هكذا حاول باسيل اللعب على وتر الخلاف في النظرة بين وزارة الخارجية الأميركية وتحديداً بين دايفد هيل وبين دايفد شينكر، إذ إن الأول يرفض تفعيل قانون “ماغنيتسكي” لأنه سيؤدي إلى إحراج حلفاء واشنطن وتضررهم أولاً من القانون وثانياً جراء الردّ الذي قد يقوم به عون تجاههم وهم خارج السلطة.
طرح باسيل أمس على السفيرة الأميركية في بيروت إليزابيث ريتشارد أن يشمل القانون الأميركي الخاص بملاحقة الفساد المالي خارج حدود لبنان في مزايدة واضحة يهدف من خلالها إلى اللعب على حافة الهاوية مع هيل وفريقه ودفعهم إلى إسقاط نظرية شينكر الجديدة، مستعيناً بتلويح عون بمحاسبة الفاسدين.