مجلة وفاء wafaamagazine
ذكرت «موديز» في تقريرها، انّه على رغم تاريخ الديون ومقاييس القدرة على تحمّل التكاليف الضعيفة للغاية، تجنّب لبنان التخلّف عن السداد في الماضي، «لماذا اختلفت الامور هذه المرّة؟».
يقول التقرير: «انّ تدهور ميزان المدفوعات في لبنان وإغلاق المعابر التجارية إلى سوريا بالاضافة الى تدفق اعداد كبيرة من اللاجئين، أدّت إلى تقويض استدامة نموذج التمويل اللبناني الذي يعتمد على الاستثمار الأجنبي المباشر وتدفقات رأس المال من دول مجلس التعاون الخليجي ومن المغتربين اللبنانيين».
وفي هذا الإطار، قالت نائب رئيس وكالة «موديز» وكاتبة التقرير إليسا باريسي كابوني، انّه «سيكون للتخلّف عن سداد الديون السيادية تأثير سلبي كبير على مالية البنوك، وسيقوّض الاقتصاد بشكل أكبر ويؤثر على استدامة سياسة تثبيت سعر الصرف مقابل الدولار».
كما ذكر التقرير، انّ الرياح الجيوسياسية المعاكسة والمأزق السياسي المحلي أعاقا بشكل اضافي التدفقات المالية الحيوية بالنسبة للاقتصاد اللبناني، في حين أنّ تدابير البنك المركزي لتمويل الدين الحكومي والاقتصاد لا يمكن أن تعوّض عن التأخير في الحصول على الدعم المالي الدولي في ظلّ غياب الإصلاح المالي الموثوق.
وسأل عن «الروابط المالية بين الحكومة والبنك المركزي والقطاع المصرفي»، فأشار الى انّ تدابير مصرف لبنان على مدى السنوات القليلة الماضية أدّت إلى تحفيز تدفقات الودائع الجديدة من الخارج، «وبالتالي دعم متطلبات الحكومة للاقتراض وإلى زيادة التداخل بين الميزانية العمومية وبين النظام السيادي والنظام المالي».
وتوقّع أن يؤدي كشف نموذج التمويل هذا، إلى خسائر كبيرة نسبياً للدائنين من القطاع الخاص، في ضوء ضعف قدرة القطاع العام على امتصاص الخسائر».
هل سيُبقي لبنان على ربط الليرة بالدولار؟
لفتت «موديز»، الى انّ المستوى المنخفض بنسبة كبيرة لاحتياطات النقد الأجنبي يعني أنّ الضغوطات على الليرة اللبنانية حادّة، وهذا يظهر جليّاً من خلال هبوط سعر الصرف في السوق الموازية. ويمكن أن يشكّل تعديل سعر الصرف جزءاً من خطة تعديل اقتصادي شاملة.
وأشارت، انّ «التصنيف المقبل للمصارف اللبنانية أخذ في الاعتبار عملية إعادة هيكلة الديون السيادية على المدى القريب مع خسائر كبيرة محتملة للدائنين. كما انّ عدم استدامة ربط العملة، سيؤدي إلى مزيد من الخسائر للمصارف».
لماذا هذا الوقت مختلف؟
أضافت «موديز»: «حتى وقت قريب، كان لبنان قادراً على تأمين تمويل ديون الحكومة والاقتصاد. ومع ذلك، تسبّبت الصدمات الخارجية والمحلية في السنوات الماضية، في انهيار نموذج الاستدانة في البلاد مع نضوب مصادر التمويل المختلفة. منذ نهاية الحرب الأهلية في 1990، تلقّى لبنان حُزم دعم مالي دولية كبيرة ومتتالية ركّزت على إعادة بناء البنية التحتية. في المرحلة الثانية التي بدأت عام 1997، استُخدمت معظم المساعدات المالية الخارجية لدعم ميزان المدفوعات ودعم الاستقرار المالي، على حساب الاستثمارات الإنتاجية».
وتابعت: «في الحالتين، ساعدت حزم الدعم الخارجي، التي نُظّمت في إطار مؤتمري «باريس 2» و»باريس 3» في التغلّب على التحدّيات المالية. وكان لبنان أيضاً قادراً على الاعتماد على الدعم المالي من دول مجلس التعاون الخليجي في شكل ودائع مباشرة متقطعة في المصرف المركزي عام 1997 وعام 2001، مما عزّز ثقة المستثمرين والمودعين وأعاد تدفق رؤوس الأموال من الخارج.
لم تتحقق قنوات الدعم التقليدية هذه المرة، وأغلقت نافذة الفرصة لوقف الإنكماش الاقتصادي والمالي المتسارع، ما دفع الحكومة لاتخاذ قرار عدم تسديد الاستحقاقات الدولية».
وقدّرت «موديز» انخفاض احتياطات العملات الأجنبية القابلة للاستخدام إلى ما بين 5 و10 مليارات دولار مقابل متطلبات خدمة الدين بالعملات الأجنبية عند 4.7 مليارات دولار في 2020 و4 مليارات دولار في 2021.
ورأت انّه كخطوة تالية، ستركّز الحكومة على خطط الإصلاح المالي المتأخّرة المُتفق عليها مع المانحين الدوليين، والموجّهة نحو قطاع الكهرباء كمصدر رئيسي لعدم الكفاءة المالية والاقتصادية، والتي يمكن أن تستفيد من دعم الاستثمار الدولي على النحو المحدّد في الخطة الاستثمارية المطروحة في «سيدر».
الحكومة والمركزي والمصارف
فيما نجحت التدابير التي اتخذها البنك المركزي في الحفاظ على بعض الاستقرار في الاقتصاد الكلي والمالي، خلال الأزمة، فقد زاد التداخل بين المصارف والحكومة، بما جعل الآثار المترتبة على التخلّف عن سداد الديون السيادية شديدة للغاية بالنسبة إلى المصارف. ومع ربط سعر الصرف وارتفاع معدل دولرة الودائع من 60 % الى 80 % بتغذية من التحويلات، اعتمد لبنان على تدفقات ثابتة بالدولار لتمويل الحكومة، والحفاظ على الاستقرار المالي وعلى ثبات العملة.
ومنذ أيار 2016 وحتى صيف 2019، تدخّل مصرف لبنان عبر سلسلة من العمليات المالية لتحفيز المصارف على وضع أصولها الأجنبية السائلة معه بدلاً من المصارف الدولية. وقد فعل ذلك بهدف تحقيق الاستقرار في صافي وضع الأصول الأجنبية أو احتياطات النقد الأجنبي، من خلال تزويد المصارف بالعائدات لتقديم فوائد تنافسية على الودائع تضمن استمرار التدفقات. ومع ذلك، تعرّضت هذه العمليات المالية لعوائد متناقصة مع تدهور صافي الأصول الأجنبية للمصارف، مما أثّر على ميزانياتها العمومية.
ووفق «موديز»، «أتاحت مركزية السيولة في مصرف لبنان في البداية، إبقاء أسعار الفائدة منخفضة وثابتة من خلال شراء الدين الحكومي المحلي والأجنبي، الذي لم يستوعبه النظام المصرفي. وفي نهاية 2019، توسعت موجودات الدين بالليرة في مصرف لبنان إلى 54 % (نحو 30 مليار دولار، 56 % من الناتج المحلي الإجمالي) من نحو 25 % في نهاية 2010».
ربط الليرة بالدولار
رجّحت «موديز» ان يتمّ تعديل سعر الصرف كجزء من خطة تعديل اقتصادي شاملة. في ضوء المدخرات الوطنية السلبية في لبنان وحجم الاستيراد الكبير على حساب قاعدة الإنتاج المتآكلة، فإنّ الإنخفاض الحاد في الليرة اللبنانية أدّى الى انخفاض كبير في القوة الشرائية للمواطن وزيادة كبيرة جداً في عبء الدين الحكومي.
وأشارت، انّ خفض قيمة العملة مرة واحدة بنسبة 20 %، سيؤدي الى ارتفاع الدين العام إلى نحو 200 % من الناتج المحلي الإجمالي.
الجمهورية