الرئيسية / آخر الأخبار / فضل الله: التشكيلات القضائيّة تحدّد قدرة الحكومة على العبور من دولة المحاصصات إلى دولة القانون

فضل الله: التشكيلات القضائيّة تحدّد قدرة الحكومة على العبور من دولة المحاصصات إلى دولة القانون

مجلة وفاء wafaamagazine

توقّف سماحة العلامة السيّد علي فضل الله في حديث الجمعة، عند التطوّرات الصحيّة والمعيشيّة التي يعيشها لبنان، مبدياً تقديره للمواطنين الذين التزموا بالتّدابير الوقائيّة التي أعلن عنها الاختصاصيّون، معبّرين بذلك عن إحساس كبير بالمسؤوليّة الشرعيّة والوطنيّة التي توجب القيام بكلّ ما يحفظ صحتهم وحياتهم وصحّة الذين يعيشون معهم وحياتهم.
وأعاد سماحته التّحذير من الاستخفاف بهذا المرض، منبِّهاً إلى ضرورة التعامل معه بكلّ درجات الجديّة، وتحمّل المسؤوليّة الوطنيّة والأخلاقيّة في الالتزام بإجراءات الوقاية المشدَّدة، ولو أدّى ذلك إلى إحراج أو انزعاج أو ضيق، لأنّ أيّ تلكؤ في هذا المجال أو إهمال أو لا مبالاة، قد يوصلنا إلى كارثة لن تنفع معها وقاية أو علاج أو حتى مستشفى.
ورأى سماحته أنّ مسؤوليّة المواطنين تتضاعف في ظلّ الواقع الصعب الذي يعيشه البلد، حيث تطوّر المرض وسرعة انتشاره يتحدَّى القدرات الصحيّة والطبيّة والاستشفائيّة الموجودة.
وقال سماحته: من وحي مسؤوليتنا الشرعيّة، وفي ضوء تطورات المرض وانتشاره، اتخذنا قرار التوقف عن صلاة الجمعة والجماعة، للحؤول دون حصول أيّ تجمعات قد تؤدّي بطبيعتها في هذا الظرف الحسّاس إلى الإضرار بالصحة العامّة للمؤمنين، والتي اعتبر الدّين أنه لا يجوز أبداً التهاون في حفظها، داعياً إلى التقيّد بكلّ تدابير الوقاية لحمايتها، باعتبار ذلك واجباً شرعياً دينياً.
وأبدى سماحته ارتياحاً لكلّ إجراءات الوقاية التي اتخذتها الحكومة للحدّ من انتشار المرض، وإن حدث بعض التقصير في المرحلة الأولى، مقدِّراً جهود كلّ الفريق الطبي والتمريضي الذي يقوم على معالجة المصابين، والذي لا يتوانى عن التضحية بصحته في هذا السبيل، معتبراً أنّ ما يقوم به هذا الفريق هو من أرقى العبادات.
وطالب سماحته الحكومة بالسعي بكل طاقاتها لتوفير الحدّ الأقصى من الإمكانات أو المستشفيات التي تتيح توفير العلاج للمصابين، مشدِّداً على أن تكون السياسة الصحيّة محكومةً لاعتبار صحة المواطنين، داعياً الحكومة إلى أن لا تتلكّأ أو تتردّد في إلزام المواطنين قانونياً بالإقامة الإلزاميَّة في المنازل، ولو لفترة محدودة، في حال اقتضت الضَّرورات ذلك، وفي حال عدم توفّر سبل مكافحة المرض ومنع انتشاره.
ودعا سماحته جميع القوى السياسيَّة إلى الارتفاع إلى مستوى المسؤوليَّة الوطنيَّة، بعيداً من الاعتبارات السياسيّة، تشكيكاً أو اتهاماً للحكومة في طريقة تعاملها مع الإجراءات، فالمرحلة تتطلّب تضامناً غير مسبوق، والمطلوب في مثل هذه الظروف، اتخاذ المواقف التي تساهم في إنقاذ البلد من هذه الكارثة الصحيّة.
وقال: إننا في الوقت الذي نقدّر لوسائل الإعلام دورها في توعية المواطنين، نؤكّد أهميّة استمرارها بممارسة هذا الدّور بمسؤوليَّة وطنيَّة وأخلاقيَّة وإنسانيَّة، والحرص على توثيق الأخبار، والحذر من إصدار أيّ أخبار تثير الهلع في النفوس.
أمَّا على الصعيد الاجتماعي المعيشي، فرأى سماحته أنّ معاناة اللّبنانيّين تتضاعف من جرّاء ارتفاع الأسعار غير المبرّر، ولا سيّما في السلع والحاجات الضروريّة، في وقت انخفضت قيمة الرواتب والأجور إلى الحدود الدّنيا بفعل ارتفاع سعر الدولار، هذا عدا عن اتساع دائرة البطالة، وما تؤدي إليه من تفاقم حالة البؤس واتّساعها، وهنا ندعو مجدّداً قطاعات الدولة المسؤولة عن الرّقابة على الأسعار، أن تمارس دورها في محاسبة التجار بصرامة، وخصوصاً أولئك الذين يمنعهم جشعهم عن الشّعور بآلام الناس، ويحفّزهم غياب المحاسبة القانونيّة على رفع أسعار السلع، حتى المنتجة محلياً، بوتيرة عالية، ومن دون أيّ مبرّر شرعي أو قانوني أو إنساني.
في هذه الأثناء، ندعو الحكومة إلى توفير كلّ الشّروط والمقوّمات الضروريّة لإنتاج الخطة الإصلاحية الاقتصادية المالية الإدارية التي تقنع اللّبنانيّين بالثقة بحكومتهم، وهي التي آلت على نفسها أن تحدث تغييراً مهمّاً في كلّ السياسات والمسارات التي أدّت إلى هذه الكارثة المالية والاقتصادية والمعيشية التي يعيشها لبنان، وأن تقنع في الوقت نفسه المجتمع الدولي بقدرة لبنان في ضوء هذه الإصلاحات على الوفاء بالتزاماته تجاه الدّائنين، بعد إجراء الهيكلة المطلوبة، والتي نريد ألا تكون على حساب أغلبيّة اللّبنانيين الذين بات مستواهم المعيشي دون الحدّ الأدنى من العيش الكريم.
واعتبر سماحته أنّ من معايير الجدية والشفافية في عملية الإصلاح المنشودة داخلياً ودولياً، تلك التي تتصل بطبيعة التشكيلات القضائية، وما إذا كانت تصبّ في مجرى تعزيز استقلال القضاء، حيث تقف الدّولة في هذا المجال أمام مسؤوليّة كبيرة في محطة من أهمّ محطات بناء الدولة؛ فهل تنجح، ومعها الشعب اللّبناني، في العبور من دولة المحاصصة إلى دولة القانون، وتحفظ الحكومة نفسها من كلّ تشكيك يطاول جدّيتها في الإصلاح، أم تعجز عن ذلك بما يؤدّي إلى تحريك الشّارع ضدّها من جديد، وفتح الباب واسعاً أمام كلّ معارضيها المتربّصين للنّيل منها ومن مصداقيّتها، وهو ما يلقي بتداعيات خطيرة على مسار الإصلاح وعلى مستقبل الحكومة وأوضاع البلد الّتي لم تعد تحتمل المزيد من الصّراعات والانقسامات؟!