مجلة وفاء wafaamagazine
لعلّ مصطلح «الصفقة» يحتاج اساساً إلى تعديل في معرض تفسير «الخروج الهوليوودي» للفاخوري من السجن. إذ انّ الصفقة غالباً ما تتمّ بين طرفين متساويين او متوازنين، يتبادلان عبرها التنازلات والمكاسب، في حين انّ هناك من يعتبر انّ ما حصل بالنسبة إلى قضية الفاخوري ليس سوى خضوع آحادي الجانب من قِبل البعض في لبنان للضغوط الأميركية، تحت تأثير التهديد بفرض العقوبات والخوف على المصالح الشخصية، وبالتالي فإنّ واشنطن ربحت جولة في ساحة كان يُقال انّها محكومة بنفوذ إيران و«حزب الله».
وليس خافياً، انّ «حزب الله» هو أكثر المتضررين مما جرى واشدّ المحرجين حياله، بعدما لجأ بعض مناصريه وخصومه على حد سواء، إلى اتهامه بالتواطؤ وغض الطرف عن الصفقة المفترضة، بينما كان يستطيع في رأي هؤلاء، التصدّي لها ومنعها، لو أراد، وهو الذي يملك فائض قوة يمتد بمفاعيله ووهجه من قلب الداخل الى دائرة الإقليم.
على الرغم من انّ هذه المعادلة تبدو صحيحة نظرياً، غير انّه يُنقل عن احد مسؤولي الحزب إقراره، بأنّه ثبت مرة أخرى بعد واقعة الفاخوري، أنّ «الدولة العميقة» هي صاحبة التأثير الأقوى وصانعة القرار في كثير من الأحيان، وانّ الحزب لا يزال مقيماً على ضفافها وغير حاضر في جانب اساسي من مراكزها الحيوية، ولو كان يملك ترسانة من السلاح.
ويجزم المسؤول ايّاه، بأنّ «حزب الله» لم يعط اي ضوء أخضر او حتى أصفر للإفراج عن الفاخوري، «وبالتالي لم يكن شريكاً في اي صفقة او تفاهم مع الاميركيين، لا مباشرة ولا مداورة».
وينطلق المحيطون بالحزب من هذه التجربة المريرة ليصلوا إلى استنتاج مفاده، انّ مقولات رائجة من نوع انّ الحزب يصادر قرار الدولة وإرادتها ويهيمن على مفاصلها ومؤسساتها، او انّ الحكومة الحالية هي حكومته، إنما بدت مقولات هشة وهزيلة عقب قرار المحكمة العسكرية برئاسة العميد حسين عبدالله إطلاق الفاخوري.
ويلفت مطلعون، إلى أنّ ليس صحيحاً انّ عبدالله يتبع للحزب، وانّه ما كان ليلفلف قضية الفاخوري من دون تغطيته السياسية. موضحين، انّ الحزب لم يعترض على اختيار عبدالله لموقع رئاسة المحكمة العسكرية من ضمن لائحة محدّدة من الاسماء، لكنه لم يكن ينظر اليه في اعتباره محسوباً مباشرة عليه أو منبثقاً من نسيجه.
ويؤكّد المطلعون، انّ الحزب كان حازماً وقاسياً في تحذير عبدالله من إطلاق الفاخوري، وهو أبلغ اليه الرسالة الآتية: «يا عميد انت ابن الخيام، وملف الفاخوري شديد الخطورة والحساسية ويرتبط بالكرامة الوطنية وتضحيات الأسرى، فإيّاك ان تخطئ التقدير حتى لا تُنهي مسيرتك بالخيانة. وإذا كنت غير قادر على مواجهة الضغوط الأميركية فمن الافضل لك ان تتنحى وتستقيل، على أن تنصاع لها وتُفرج عن الفاخوري».
لكن عبدالله أوضح للحزب، «انّ الجرائم التي ارتكبها الفاخوري سقطت بمرور الزمن من الزاوية القانونية، وانّ القضاة الآخرين في هيئة المحكمة «بدن يمشوا بالقصة»، إضافة إلى أنّ هناك تهديدات أميركية بالعقوبات، ولهذه الأسباب مجتمعة لا خيار سوى إطلاقه».
كذلك، هناك في الوسط السياسي من أتى لينصح الحزب بأن يتعاطى بمرونة وبراغماتية مع المسألة، على قاعدة «انكم حريصون على مصلحة البلد، وانّ الوضع الصحي للفاخوري دقيق نتيجة إصابته بمرض السرطان وقصته صارت مش محرزة، ولذلك من الأفضل لنا أن يموت في أميركا بدل ان يموت هنا ونتحمّل مسؤولية وفاته وتبعاتها التي يمكن أن تجرّ على لبنان مزيداً من العقوبات».
لم يقتنع الحزب بهذا الطرح، ولا سيما انّ الامر يتعلق بالعمالة التي لا يستطيع أن يتسامح بها او يتهاون حيالها، وأصرّ على ضرورة الاستمرار في محاكمة الفاخوري حتى النهاية وإصدار الحكم القضائي الذي يستحقه.
غير أنّ الضغوط الأميركية كانت في الوقت نفسه تتصاعد وتفعل فعلها على أكثر من مستوى، لتثبت من جديد أنّ نفوذ واشنطن لا يزال واسعاً ومتغلغلاً في شرايين الدولة العميقة، وأنّ المناعة الوطنية ضعيفة جداً لدى جزء ممن يمسكون بالقرار.
ويلفت العارفون في هذا السياق، الى انّ عبدالله لو صمد أمام التهويل عليه ورفض تهريب الفاخوري عبر الباب القضائي الخلفي، لكان «حزب الله» المعروف بوفائه لأصدقائه، قد بادله التحية بأحسن منها والوقفة بما يليق بها، «الاّ انّ الرجل اختار ان يجازف برصيده وسمعته حتى يتجنّب إغضاب الاميركيين».
ويرى القريبون من الحزب، انّ المزايدين عليه حالياً، كانوا هم أنفسهم سيهاجمونه لو خضع الفاخوري الى المحاكمة وصدر بحقه حكم الإعدام، «إذ كان سيُقال للحزب حينها انّ القضية سقطت مع مرور الزمن، وانّ ضغطك على المحكمة العسكرية تسبّب في إصدار حكم من شأنه الإضرار بالمصالح الوطنية العليا وتعريض لبنان واقتصاده المُنهك إلى عقوبات اضافية، بينما كان من الأجدى والأسلم ترك الفاخوري يموت في الولايات المتحدة بدل ان يتمّ تحميل لبنان تبعات موته». ما مؤداه وفق هؤلاء، انّ الاستغلال او الاستثمار السياسي لهذا الملف حاصل في إطار المناكفات الداخلية، سواء حوكم الفاخوري أم أُخلي سبيله.