مجلة وفاء wafaamagazine
توقَّف سماحة العلامة السيِّد علي فضل الله في بداية حديث الجمعة عند المعاني الروحيّة التي يجب على المؤمنين استلهامها في استقبال شهر رمضان المبارك، قائلاً إنّه رغم كلّ الظروف الصّعبة التي نعيشها، والضّيق الّذي نحن فيه، سنستقبله استقبال المؤمنين المستبشرين بقدومه، فنتعرّف فيه أكثر على أمور ديننا، ونعمل على زيادة وعينا، وبناء أنفسنا على صورة الخير والمحبّة والرّحمة والعدل التي يريدها الله للنّاس.
ورأى أنّ فيروس كورونا الذي لا يزال يتحدّى العالم، حصد حتى الآن أكثر من مليوني إصابة ومئة وثلاثين ألف قتيل، وترك آثاراً كارثيّة لم تقف على الصعيد الصحي الطبي، بل امتدّت إلى الشأن السياسي والاقتصادي، وحتى الأمني، حيث يقال إنّ العالم سيتغيّر بعد كورونا، ولن يكون كما كان من قبل.
وأضاف أنّ التزام اللّبنانيّين بإجراءات التعبئة العامّة، وإن بنسب مختلفة بين منطقة وأخرى، ساهم في تقليل أعداد الإصابات، ومنع من وقوع لبنان في الوضع الكارثي الّذي أصاب بلداناً أخرى، مما لم يكن لبنان قادراً على تحمّل تبعاته.
وحيّا سماحته اللّبنانيّين على صبرهم، والأطبّاء والممرّضين والقوى الأمنيّة على كلّ الجهود التي يبذلونها في مواجهة هذا الوباء لمنع انتشاره، مجدّداً دعوة المواطنين إلى الاستمرار في اتباع إجراءات السلامة الصحيّة، وعدم التّهاون بها، واعتبار الاستمرار بها واجباً شرعيّاً وإنسانيّاً وليس خياراً.
وأمل سماحته الاستجابة لنداءات الطلاب والمغتربين الموجودين في الخارج، بتأمين السّبل لعودتهم إلى وطنهم، مطالباً باستمرار الجهد الذي بذل وأدَّى إلى عودة بعضهم، شرط أن تكون هذه العودة آمنةً للعائدين والمقيمين، وتُتَّبع فيها كلّ الإجراءات الكفيلة بسلامتهم.
ودعا سماحته الحكومة إلى عدم الاكتفاء بالوعود فيما يتعلَّق بالوضع المعيشيّ، والمبادرة إلى معالجته معالجة جديّة وحثيثة، والقيام بكلّ ما من شأنه تخفيف الأعباء عن المواطنين، وتحسين ظروف حياتهم، من خلال تعزيز إجراءات الرّقابة على أسعار السّلع والموادّ الغذائية والحاجات الضّرورية، والتّخفيف من القيود على إيداعات المواطنين، وتوسعة دائرة التقديمات لتشمل حالات لم تشملها سابقاً، وزيادة الاهتمام بالوضع الاجتماعي في ظلِّ تزايد معدّلات الفقر والبطالة والجوع، والتي ترتفع كلّ يوم بفعل استمرار إقفال المؤسّسات والشركات والمصانع والمحال التجاريّة، داعياً الدولة إلى تقديم المساعدات التي أقرّتها للحالات الأشدّ فقراً.
واعتبر أنَّ من المعيب أن يكون السَّبب في تأخير التقدّيمات الاجتماعيّة، اكتشاف خلل وفساد ومحسوبيّات في اللّوائح التي كان يراد توزيع المساعدات على أساسها، ما أدّى إلى إيقافها لإعادة النّظر في الأسماء الموجودة فيها، داعياً الحكومة إلى أن لا تمرّ مرور الكرام على ما حصل، بل أن تسعى إلى محاسبة من باعوا ضمائرهم وتنكّروا لإنسانيَّتهم، عندما حاولوا الاستيلاء على هذه المساعدات على حساب العائلات الأشدّ فقراً، والذين هم بأمسّ الحاجة إليها.
واستغرب سماحته صمت المعنيّين إزاء ارتفاع سعر الدولار في سوق الصيرفة، وقد تجاوز الثّلاثة آلاف ليرة، الأمر الذي ينعكس بشكل سلبيّ على ارتفاع الأسعار، ويشكّل ضغطاً على القدرة الشرائيَّة للمواطنين، وعلى استيراد السّلع من الخارج، في وقت تقف المؤسَّسات الماليَّة والمصرفيَّة مكتوفة الأيدي أمام ما يجري، داعياً الحكومة إلى الإسراع في اتخاذ إجراءات جدّيّة وصارمة لمنع استمرار الارتفاع غير المبرَّر لسعر الدّولار، وفرض الضّوابط لهذا التفلّت في حركة السّوق، والذي لا يخدم إلا فئة من المحتكرين سوف تستمرّ بهذا العبث المتمادي بآلام المواطنين، ما لم تجد الرادع والعقاب المناسب.
ولفت سماحته إلى أنَّ السجالات الحادّة التي حصلت بين القوى السياسيّة حول مسودة الخطّة المالية والاقتصادية للحكومة، لا ُتخفى الخلفيات السياسية للكثير منها، وهي تدخل في إطار الصراع السياسي الموجود في البلد، مشدّداً على رئيس الحكومة أن يفي بوعوده بعدم اقتطاع جزء من ودائع المواطنين الموجودة في المصارف، والذين لا ينبغي تحميلهم مسؤوليّة الانهيار وما آلت إليه حالة البلد الاقتصاديّة والماليّة.
وطالب سماحته بتحميل المسؤوليَّة للذين كانوا في مواقع المسؤوليَّة على المستوى السياسي والمالي، ممن أوصلوا البلد إلى الإفلاس، وأثروا على حساب أموال المودعين والمال العام، من كبار المساهمين في المصارف، أو من كبار المتعهّدين في مشاريع الدّولة، وكلّ الذين هرّبوا أموالهم أو حوَّلوها إلى الخارج، لافتاً إلى أنَّ هؤلاء جميعاً معروفون ويشار إليهم بالبنان.
وأردف سماحته: إنَّ اللّبنانيّين ينتظرون من الحكومة أن تحمي أولئك الذين أفنوا حياتهم من أجل جمع المال لتأمين حاجاتهم وحاجات عائلاتهم، ولمستقبلهم ومستقبل أولادهم، ويريدون منها أن تمتلك الشّجاعة لمواجهة الذين حصَّلوا ثرواتهم من طرق غير مشروعة ومال منهوب، من خلال التّمييز بين الأموال المشروعة لأغلبيّة المواطنين، والأموال غير المشروعة لهؤلاء النَّافذين، ونحن نعلم أنَّ لدى الحكومة من الوسائل والأدوات ما يجعلها تستطيع معرفتهم بدقّة، وهؤلاء هم من يجب أن يُساءَلوا ويُحاسَبوا وتؤخذ أموالهم، فلا تمتدّ الأيدي إلا إليهم.
وتناول سماحته الخروقات التي قام بها العدوّ الصهيوني في الأسبوع الماضي في العديسة، أو في الطائرات المسيّرة التي كانت تجوب سماء بيروت والضّاحية، أو في العدوان السافر بالصّواريخ على سيارة لبنانيّة على الحدود اللبنانيّة – السوريّة، مستغلاً الواقع الصحي والاجتماعي والاقتصادي، والانقسام السياسي، لتغيير المعادلة القائمة، داعياً إلى المزيد من الحذر والجهوزيّة لمواجهة غدر هذا العدوّ الذي يغتنم الفرصة، ويريد الاستفادة من هذه المرحلة، ليثبت قواعد اشتباك جديدة تلغي السابقة.
وأخيراً، أعلنَ أنّ بداية شهر رمضان المبارك ستكون في الرابع والعشرين من شهر نيسان، بناءً على المبنى الفقهي لسماحة السيّد(رض)، والذي يأخذ بالحسابات الفلكيّة، سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الشّهر شهر خير وبركة على الجميع، وأن يزيل هذه الغمّة عن هذه الأمّة.