مجلة وفاء wafaamagazine
منذ حوالى الشهرين، يعيش كل سكان كوكبنا في حجر منزلي-عالمي. ولقد انتشرت في هذه الفترة، وعلى جميع وسائل التواصل الإجتماعي، الكثير من الفيديوهات المضحكة والمسلية والتي تحتوي على نشاطات قام بها سكان الأرض لتمضية الوقت. كما انتشرت على صفحات الإنترنت بعض الصور الكاريكاتورية والتي «تستهزئ» بحالة الإنسان الذي كَسب عدة كيلوغرامات. وكان تناول الطعام بدون انقطاع من أكثر النشاطات المتداولة. وطبعاً، لهذه الحالة تفسيرات نفسية علمية توضّح لماذا الإنسان، في كل أقطار العالم، لجأ الى الطعام؟ هل هو تعويض عن نقص التفاعل الإجتماعي؟ أم أنها طريقة فعّالة لتخفيف القلق الذي أصاب الكثير من الأشخاص؟ وما هو دور الأهل خلال تناول الطعام مع العائلة؟
الجميع يحب الطعام. وهناك دلالتان أساسيتان له: دلالة فيزيولوجية، كونه حاجة أساسية لحياة كل إنسان، ودلالة نفسية، عن طريق التعويض العاطفي. نجد لدى بعض الأهالي نقصاً في الاهتمام والرعاية بأطفالهم، مما يدفع الأهل بالتعويض لهم من خلال الطعام. لكنّ تناول الطعام بكمية كبيرة خلال الحجر الصحي والتعبئة العامة له دلالاته النفسية أيضاً، فلم يقتصر «بَلع» تلك الكميات الكبيرة من الطعام على الأطفال، بل طالَ أيضاً الراشدين. وفي هذه الحالة لا يعبّر الطعام عن دلالته الصحية كونه حاجة فيزيولوجية، بل يمكن أن يتعدى ذلك ويصبح حاجة نفسية.
الطعام والحجر الصحي
خلال الطفولة والمراهقة والرشد وحتى الشيخوخة، يُبدي الإنسان اهتماماً خاصاً بالطعام. فمنذ الطفولة المبكرة، تتبلور العلاقة ما بين الطفل والأم خلال وقت تناول الطعام. أما في فترة المراهقة، فيهتم أيضاً الشاب أو الصبية بالطعام، ولكن يصبحان أكثر دقة في اختيار نوعيته، خاصة خلال هذه الفترة حيث ينصبّ اهتمامهما على الشكل الخارجي. لذا، يأخذ الطعام طابع النمو الجسدي والجمال الجسدي في تلك المرحلة العمرية الدقيقة، فنرى أنّ معظم الإضطرابات المتعلقة بالطعام، مثل الأنوريكسيا أو البوليميا أو غيرها، يمكن أن تظهر خلال مرحلة المراهقة. أمّا في مرحلة الرشد، فيصبح الطعام حاجة أساسية وملحّة لكل شخص، ولا يهتمّ الراشدون فقط بنوعيته، بل بكميته أيضاً. وفي مرحلة الشيخوخة، تختلف نظرة المسنّ للطعام التي تصبح حاجة يومية للاستمراء على قيد الحياة. وفي جميع هذه المراحل العمرية تختلف كمية الطعام باختلاف مستوى الراحة النفسية للإنسان.
وهذا ما حصل خلال الحجر الصحي، حيث «تَلملَمت» العائلة كلها مع بعضها، وبدأت بتناول الطعام من دون توقف، إذ يصبح تناوله في بعض الاحيان مُعدياً ما بين مختلف أفراد العائلة. وإنّ طلب المساعدة من أفراد العائلة في تحضير بعض الاطباق البسيطة، كالسلطة مثلاً، يكون نوعاً من النشاط الذي يشارك فيه أفراد العائلة كلها. ومن المهم جداً أن يكون وقت الطعام للاستمتاع بلذة الأطباق، لذا على أفراد العائلة الابتعاد عن المشاجرات والصراخ والتأنيب خلال تناول الوجبة. يمكن للأهل وضع موسيقى هادئة خلال الغداء، أو إضفاء جَو مرح أثناء تناول الطعام من خلال طرح الاسئلة وتلاوة النكت… ويمكن تخصيص مرة أو مرتين في الشهر لتناول الغداء خارج إطار البيت (أي في حديقة عامة، أو حتى في غابة…). كما يُنصَح بالابتعاد عن التكنولوجيا خلال تناول الطعام. لذا، من المفروض على جميع أفراد العائلة، مهما كانت انشغالاتهم، الإبتعاد خلال تَشارُك الطعام مع العائلة، عن أجهزة الهواتف الخلوية وألعابها والجرائد والأيباد وكل أنواع التكنولوجيا وأشكالها، والتفرّغ لشيء واحد هو الحوار مع العائلة.
«تناول الطعام مُعد… كالـ»كورونا»
خلال الحجر الصحي، إجتمعت العائلة كلها، كل يوم وعلى مدار الساعة، لتتناول الطعام الذي أصبح كمؤشر على قوة العلاقة بين الافراد. وتناول الطعام المستمر يمكن أن يكون معدياً… أي عندما ترى أحداً من العائلة يتناول سندويشاً، فإنّ العدوى تنتقل إليك وتتناول أنت أيضاً سندويشاً مماثلاً، حتى لو لم تكن تشعر بالجوع. وهذا ما يفسّر تناول الطعام طول الوقت وبشكل متكرر خلال الحجر الصحي.
وقد تكون تحضيرات ربّة المنزل، التي لا تنتهي، للأطعمة التي تقدّمها لعائلتها تصرفاً لاواعياً، وهو متصل بقلق الموت بسبب كورونا، وكأنّ ربة المنزل تكافح هذا الوباء من خلال الطعام.
وأهمية تناول الطعام ضمن الأسرة في هذه الفترة الحرجة يمكن أن نختصرها بالنقاط التالية:
– إجتماع جميع أفراد العائلة، ومشاركة الأفكار والمشاعر مع الآخرين.
– مشاركة الطعام مع أفراد العائلة تُحقّق نوعاً من الاستقرار النفسي والعاطفي لجميع الأفراد، خاصة في هذه الفترة التي يشعر الجميع فيها بالقلق.
– تقوية العلاقات ما بين كل أفراد العائلة من خلال مناقشة قرارات مهمة بين الوالدين والأولاد.
– تعليم بعض مزايا وسلوكيات المجتمع للأولاد: آداب المائدة، إحترام الصمت خلال الأكل، المضغ بشكل سليم…
– مشاركة الطعام مع العائلة يعزّز مفاهيم اجتماعية: كحب الآخر واحترامه، وتقديم المساعدة للمحتاجين، ومشاركة الإخوة والأخوات الطعام…
– خلال مشاركة الأهل مع أطفالهم الغداء، يتعرّف الوالدان الى نفور أطفالهم الغذائية، ويمكنهم عندها تعديل هذا التصرّف بعادات صحية مقبولة.