أرخت أزمة الدولار بثقلها على أصحاب بوالص التأمين الذين بات عليهم دفع قيمة بوالصهم «المسعّرة» بالدولار الأميركي، إما بالعملة نفسها للبوليصة أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية، بحسب سعر صرف السوق. ابتداءً من الغد، يوم عيد العمال، لا خيار آخر أمام المؤمّنين، تماشياً مع اقتراح جمعية شركات الضمان: إما الدفع بالدولار أو ما يعادله وإما الانسحاب من البوالص
ابتداءً من الأول من أيار، تباشر شركات التأمين استيفاء قيمة البوالص بالعملة الأجنبية من المؤمّنين لديها بعملة البوليصة أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف في السوق الموازية. اليوم، تنتهي مفاعيل دولار الـ1507، لتبدأ غداً مرحلة جديدة من «التسعير» وفق سعر السوق الذي لا يعرف ثباتاً. وإن كانت المعلومات المتوافرة إلى الآن تشير إلى أن سعر الصرف الذي ستعتمده الشركات، في الوقت الحالي، هو 2600 ليرة، من دون أن يكون سعراً نهائياً.
لم يكن هذا التوجه نحو رفع القيمة لتلائم سعر صرف الدولار وليد اللحظة، إذ تبحث فيه شركات التأمين (الضمان) منذ فترة طويلة، وهو بات منذ أسبوع أمراً واقعاً، إثر اقتراح مجلس إدارة جمعية شركات الضمان في لبنان (ACAL) على الشركات «استيفاء قيمة البوالص وفق سعر صرف الدولار في السوق الموازية في حال تسديدها بالليرة»، على ما قال رئيس الجمعية، إيلي طربيه. إثر بيان الجمعية، نشطت حركة وسطاء التأمين الذين بدأوا بالتواصل مع المؤمّنين لحثّهم على دفع الأقساط لبوالصهم قبل الأول من أيار. ومن بين هؤلاء، كان النشاط اللافت لشركة CLOVER BROKERS التي بدأت «تبليغاتها» باكراً، حتى قبل أن تتبلغ شركات التأمين نفسها القرار النهائي.
ولئن كان طربيه يعتبر أن ما اقترحه ليس ملزماً «إذ يمكن للشركة أن تأخذ به أو لا»، إلا أن الكثير من الشركات بدأ يعدّ العدّة لما بعد الأول من أيار، وقد أبلغ بعضها زبائنه أن اليوم هو آخر موعد للدفع بسعر الصرف الرسمي. أما الأسوأ، فهو طلب الشركات دفع القسط السنوي كاملاً، وإلا فليتحمّل الزبون وزر سعر الصرف. وهذا «حمل» يفوق قدرة المؤمّنين الذين كانوا يدفعون أقساطهم على مدى عام كامل. أكثر من ذلك، تطلب الشركات أن يكون الدفع «Fresh money». أما الدفع عن طريق «الشيك» المصرفي، فله حسابات أخرى، إذ يتعلق «سعر صرفه» بموعد قبض الشركة فعلياً. وفي هذا الإطار، أرسل بعض شركات التأمين إلى شركة وسطاء التأمين التي تتعامل معه كتاب «تكليف غير قابل الرجوع عنه»، يطلب بموجبه من الأخيرة «احتساب قيمة الشيكات التي سلمناكم إياها بتواريخ مختلفة عند قبضها فعلياً في تواريخها وفقاً لسعر الصرف الرسمي المعتمد من قبل مصرف لبنان أو من قبل جمعية شركات الضمان في لبنان وقيدها في حسابنا على هذا الأساس».
ولكن، بما أن سعر الصرف الرسمي المعتمد من قبل مصرف لبنان «لم يعد يفي بالغرض»، على ما كان قد أشار طربيه في بيانه، فما بات مفروغاً منه أن سعر الصرف سيكون على أساس ما اقترحته جمعية شركات الضمان. ولهذا السبب، بدأ وسطاء التأمين منذ تاريخ صدور البيان، بإلزام المؤمّنين الذين يدفعون عن طريق الشيكات المصرفية التوقيع على تعهّد بأن المبلغ الذي سيقتطع سيكون على أساس سعر الصرف في السوق الموازي.
هكذا، وباقتراح «غير ملزم»، يصبح لزاماً على من يدفع لقاء بوليصته شيكاً مصرفياً أن يأخذ في الاعتبار أن القيمة التي افترضها ليست هي نفسها التي ستقبضها الشركات عبر الوسطاء. فعلى سبيل المثال، الألف دولار التي كان يدفعها المؤمّن مليوناً و500 ألف ليرة، ستصبح اليوم بحدود مليونين و600 ألف ليرة.
وهي قد لا تثبت هنا إذا ما أكمل الدولار صعوده الناري. ثمة احتمالات مفتوحة في ما يخص «قيمة» سعر الصرف، خصوصاً أن الاقتراح لم يضع سعراً محدداً وربط عملية «القبض» بسعر الصرف المتداول في السوق الموازية. وهذه اليوم مخاطرة كبيرة، خصوصاً لمن لا يملكون قوت يومهم، فثمّة مؤمّنون فقدوا عملهم مع الأزمة الحالية، ولم يعد بمقدورهم دفع قيمة البوالص التي كانوا يدفعونها أصلاً، فكيف الحال مع الدفع على هوى سعر الصرف في السوق.
لا يحسب أصحاب شركات التأمين حسابات لهؤلاء، ففي اعتباراتهم ثمة خدمة وعلى من يريد الاستحصال عليها أن يدفع للتأمين كونه «القطاع الوحيد الذي يستطيع المساعدة في دعم المواطن، إن على صعيد الاستشفاء أو حوادث السيارات أو التأمين على الحياة والحرائق…»، وفق طربيه.
لا صلاحية لوزارة الاقتصاد في فرض التسعيرة على الشركات
هكذا، بات الاقتراح أمراً واقعاً. أما ما تفعله وزارة الاقتصاد والتجارة، التي تتولى مراقبة تلك الهيئات، هو أنها لا تزال تنتظر إلى الآن تبليغها من قبل شركات التأمين ماهية ما ستفعله. حتى تاريخ اليوم، الثلاثين من نيسان، لا يزال ردّ وزارة الاقتصاد هو الانتظار. وهو ما لفت إليه الوزير راوول نعمة، مشيراً إلى أنه طلب خلال اجتماعه أمس مع جمعية شركات الضمان من المعنيين تقديم كتاب «يفسرون من خلاله تقنياً ما سيفعلونه بالضبط»، كي يبنى على الشيء مقتضاه. ولفت إلى أن «القرار بالسعر الجديد لم نتبلغه كوزارة وكلجنة مراقبة لهيئات الضمان». مع ذلك، يشير الوزير إلى أنه «ليس كل شركات التأمين متفقة على الصيغة الجديدة، وأن معظم الشركات لا يزال ملتزماً بالسعر الرسمي». ما قاله الوزير بيّنه فريق لجنة مراقبة هيئات الضمان في جولاته الميدانية التي كشفت أن «معظم الشركات ملتزم». لكن، ماذا بعد الأول من أيار؟ لا جواب شافياً لدى هؤلاء، وإن كانوا يعوّلون على «المنافسة» بين الشركات التي لا تريد خسارة زبائنها وتلك التي لا تنضوي تحت مظلة الـACAL.
في التفاصيل، يوجد في لبنان 68 شركة تأمين، إلا أنها ليست كلها ناشطة، ثمة 50 فعلياً هي التي تعمل. ومن بينها مجموعة كبيرة من الشركات لم تأخذ بعد بالاقتراح. وهو ما تعوّل عليه «الاقتصاد». لكن، ماذا لو خطت الشركات تلك خطوة أخرى يوم غدٍ. ماذا تفعل عندها الوزارة؟ «لا شيء»، لأنها لا تملك ترف فرض قرار على الشركات أو فرض «تسعيرة» موحدة، لكونها ليست الجهة الصالحة لوضع سعر صرف، وهو قرار يعود إلى مصرف لبنان. وما يقع ضمن نطاق صلاحيات الاقتصاد، ومن خلفها لجنة الرقابة، هو فقط مراقبة عمل تلك الشركات ووضعها المالي.
إلى الآن، وفي ظل «عدم وضوح الأمر»، على ما تقول المصادر في لجنة الرقابة، فإن الرد الوحيد من هناك هو البيان الذي أذاعته الأخيرة قبل أسبوع، والذي تقول فيه إن «كل ما يجري تداوله بشأن اعتماد سعر السوق كسعر صرف للدولار الأميركي أو لأيّ عملة أخرى في ما يتعلق بعقود الضمان لا علاقة لوزير الاقتصاد ولا للجنة مراقبة هيئات الضمان به، ويبقى كلاماً يتحمّل مسؤوليته مُطلِقه»، نقطة انتهى. فهل يبقى البيان هو نفسه بعد اقتراح الأول من أيار؟