مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت “الأخبار”:
تلقّى حاكم «المركزي» أمس صكّ حماية من المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، من خلال ختم التحقيق بقضيّة التلاعب بسعر الليرة، والاكتفاء بـ«كبش فداء» برتبة مدير في مصرف لبنان.
دخل المشتبه فيه غرفة التحقيق واثقاً. أجاب عن أسئلة المحقّقين، بوضوح: «نعم، بِعتُ دولارات إلى صرّافين، واشتريت دولارات من صرّافين». المستجوَب هو مازن حمدان، مدير العمليات النقدية في مصرف لبنان. ثقته نابعة من الإجابة التي كررها، والتي دوّنها المحققون في محضر التحقيق، وأبلغوا بها المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، وهي: «كل ما كنتُ أفعله كان يتم بناءً على قرار من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة». في حالة مماثلة، كان على المدعي العام، أيّ مدعٍ عام، أن يأمر المحققين باستدعاء سلامة إلى التحقيق، واستجوابه بشأن مسؤوليته عن الأعمال التي نفّذها حمدان. هذا هو الإجراء الطبيعي، في أي قضية يُذكر فيها اسم شخص كمسؤول عن أمر مخالف للقانون، فكيف إذا كان هذا الأمر خطيراً ومن وزن التلاعب بسعر النقد الوطني؟ وكيف إذا كانت هذه المخالفة تجري في مصرف لبنان؟ وكيف إذا كان هذا المصرف هو كناية عن مؤسسة يحكمها شخص بصلاحيات مطلقة، ولا يُحرك فيها أحد ساكناً من دون أمره؟ رغم ذلك، قرر القاضي علي إبراهيم ختم التحقيق في قضية تورط مصرف لبنان في التلاعب بسعر الصرف، والاكتفاء بتوقيف حمدان، ومتعاقد سابق مع مصرف لبنان كان يشكل صلة الوصل بين حمدان وصرافين.
التحقيق «أثبت» أن التلاعب بسعر الليرة كان أمراً مدبّراً، من عصابة من الصرافين، وبإدارة مصرف لبنان. وأخطر ما في الأمر هو ما ذكره مسؤول رسمي رفيع المستوى أمس، لجهة قوله إن ما قام به سلامة هو عمل تجاري هدفه تحقيق الأرباح التي سيستعملها مصرف لبنان لتأمين الأموال اللازمة لدفع رواتب موظفي القطاع العام وتمويل الدولة!
ثمة جريمة تُرتكب بحق سكان لبنان الذين فقدت مداخيلهم ومدّخراتهم قيمتها الشرائية، وباتت أكثريتهم على حافة خط الفقر وتحته، وجريمة تُرتكب بحق الاقتصاد الوطني، ومخالفات بالجملة لقانون النقد والتسليف الذي يحكم عمل المصرف المركزي. والمسؤول الأول عن هذه الجرائم هو رياض سلامة. وهذا الأمر تعرفه السلطة السياسية، ويعرفه القضاء، كما تعرفه جوقة المطبّلين لسلامة. لكن ثمة من أوعز إلى القاضي علي إبراهيم، بأن لا يأخذ التحقيق مجراه، وأن يضيّع سدى عمل مفرزة الشرطة القضائية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأن يكتفي بتوقيف حمدان و«شريكه». سيُقدّم الأمر كأنه إنجاز، و«ضربة غير مسبوقة»، تماماً كما جرى أمس تصوير مسألة تحقيقية روتينية، كإرسال دورية إلى مصرف لبنان، برفقة حمدان، للتدقيق في المستندات. لكن حقيقة الأمر أن كل ذلك ليس سوى عملية اختراع مجرم، لافتداء الرأس المدبّر، الذي يحميه من لا يزال يتمسّك ببقائه في منصبه. لو وُضِع التحقيق الجنائي جانباً، ولو جرى التسليم جدلاً بأن سلامة «غير متورط» في التلاعب بسعر النقد الوطني، تبقى الفضيحة ماثلة بلا أي لبس: في عهد رياض سلامة، تدخل مصرف لبنان لشراء دولارات من الصرافين وبيعهم دولارات، ما ساهم في انهيار سعر صرف الليرة. فضيحة ــــ جريمة تُضاف إلى فضائحه ــــ جرائمه الأخرى، وأبرزها تبديد أموال المودعين بعد تحويل الجزء الأكبر منها إلى ثروات في جيوب أصدقاء سلامة وشركاه، فضلاً عن تسجيل خسائر في مصرف لبنان لم يشهد لها الكوكب مثيلاً (أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي)، بحسب ما ورد في الورقة التي اعدّتها شركة «لازارد» وفريق وزارة المالية.