مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
مع ان أصداء التحذيرات الخليجية لرعايا دول مجلس التعاون الخليجي في لبنان ظلت متقدمة في المشهد الداخلي مع مسارعة الحكومة الى محاولة احتوائها، تصاعدت مع مطلع الأسبوع معالم الارباك حيال الاستحقاق المالي المتمثل بمأزق التغطية القانونية لاقتراض الحكومة من مصرف لبنان والذي لا يبدو رغم كل الكلام المنمق عن التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية ان حلاً متاحاً وسريعاً له سيكون قيد الولادة.
ولعل الخلاصة الأساسية التي تبرز في سياق الاتصالات والمشاورات الجارية لمعالجة مسالة التغطية القانونية لموضوع الاقتراض تتمثل في نبرة جازمة لدى حاكمية مصرف لبنان بالوكالة من انها ماضية نحو كسر المعادلة السابقة لاقراض الدولة، بما يعني انها لن تتراجع عن اشتراطاتها القانونية والإصلاحية معا لايجاد منفذ للمأزق. ومع ان وزارة المال بدأت تعمم الانطباعات المطمئنة الى دفع رواتب القطاع العام في نهاية آب، فان وتيرة التجاذبات التي تطبع هذا الاستحقاق الحساس والخطير لم تكفل تصاعد القلق حيال عدم وجود أي ضمانات حاسمة بعد لحل ملف الانفاق والاقتراض بين الحاكمية الجديدة بالوكالة وكل من الحكومة ومجلس النواب مع الملاحظة اللافتة الى ان المجلس يظهر تباعا نأيا بنفسه عن المشكلة.
وفي هذا السياق يؤكد حاكم مصرف لبنان بالوكالة وسيم منصوري بأنه “لن يسير في مكان سارت عليه الامور خلال السنوات الثلاثين الأخيرة”. وما يقصده بتعبير أخر ان اصدار قانون من دون اصلاحات يعني ان الحكومة تستدين من دون ان ترد الاموال، هذا ما لا يناسب مصرف لبنان. وتوقع منصوري عدم قدرة الحكومة على رد الاموال في حال حصلت عليها من دون اقرار الاصلاحات المطلوبة علما ان المركزي قدم “تمريرة” للحكومة اذا طلبت اموالًا لفترة زمنية محددة ولكن بمظلة قانونية لا غبار عليها.
في رد على سؤال لـ النهار” في حال لم يبصر قانون الاستقراض النور الذي يجيز لمصرف لبنان اقرار قانون اقراض الحكومة وما هو مصير رواتب العاملين في القطاع العام؟ يقول منصوري “ليوجه هذا السؤال الى الحكومة”. وعلم ان منصوري كان أبلغ الحكومة انها اذا كانت قادرة على الدفع فلتوفر الرواتب واذا لم تقدر يمكن مصرف لبنان ان يسهل لها الامر ويكون هو الجسر في هذه العملية”.
ولم يغب هذا المأزق عن جلسة مجلس الوزراء التي عقدت امس في السرايا لمتابعة البحث في موازنة 2023. وأوضح رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي للوزراء انه عقد السبت اجتماعا مطولا مع النائب الاول لحاكم مصرف لبنان “وكنا على توافق وتمنى علي ان ابلغكم هذا الموقف . نحن على اتفاق والخطة واضحة ونحن لنا ثقة به، ووزير المال في صدد البحث في الطريقة الانسب والاسرع لمقاربة الملف. ونتمنى على وزير المال تزويدنا بالارقام المتعلقة بحقوق السحب الخاصة لاننا لا نريد حصول اي امر يتعلق بالرواتب والادوية في شهر آب، مع كشف حساب واضح بكل المبالغ التي صرفت ووجهة صرفها”.
ولكن وزير المال يوسف خليل اكد ان رواتب القطاع العام “مؤمنة وستعقد اجتماعات جدية هذا الأسبوع مع نواب الحاكم للتوصل الى صيغة بموضوع استقراض الحكومة”. وافادت معلومات ان ما يطرح في موضوع رواتب القطاع العام هو أن يحيلها وزير المال على مصرف لبنان بالليرة وتحوّل بالليرة إلى المصارف الخاصة والأمر لا يحتاج بهذه الحال لتوقيع نائب الحاكم .
وفي ملف الموازنة اوضح الخليل أن “مشروع موازنة 2023 الذي يناقشه مجلس الوزراء أصبح في نهايته، وهو استكمال لعملية التصحيح والتعافي المالي التي بدأت مع اقرار موازنة عام 2022 والتي تبعتها اجراءات عدة تنفيذية، وأدت إلى تعزيز الواردات المرتقبة لعام 2023 الى حوالي 8-9% من الناتج المحلي بعدما كانت مقدرة بحوالي 6% من الناتج المحلي عام 2022 “.وخلال اجتماع عمل عقد في وزارة المال ضمه وممثل صندوق النقد الدولي في لبنان فريديريكو ليما مع وفد من الصندوق أوضح الخليل “ان الموازنة لم تفرض ضرائب جديدة على كاهل المواطن كما يرى البعض، ولكنها تصححّ قيم بعض الضرائب والرسوم والتراخيص التي أصبحت زهيدة جدا بحيث لا تغطي كلفة الخدمات المقدمة في ظلّ تدهور سعر الصرف، مما اوجب تصحيحها”.
ويعقد اليوم في الديمان “لقاء وزاري تشاوري” اثار انقساما بين الوزراء اذ أعلن وزراء المال والعمل والمهجرين والاتصالات والاشغال والاعلام في حكومة تصريف الأعمال مشاركتهم في لقاء الديمان. في المقابل سيقاطعه وزراء “التيار الوطني الحر” ، كما اعلن مقاطعته وزير السياحة وليد نصار.
احتواء التحذيرات
في غضون ذلك سعت الحكومة الى احتواء تداعيات بيانات التحذير التي أصدرتها الدول الخليجية لرعاياها في لبنان، فعقد اجتماع لمجلس الامن المركزي اعلن على اثره وزير الداخلية بسام مولوي انه “تم اتخاذ كل الاجراءات الضرورية لمنع انتقال الاشتباكات إلى خارج مخيّم عين الحلوة وللحفاظ على أمن اللبنانيين والإخوان العرب”. وقال”حرصنا على الموجودين على الاراضي اللبنانية لا يقل عن حرصنا على اللبنانيين”، معتبرا ان “لا معطيات أمنية بخروج الأمور في مخيم عين الحلوة عن السيطرة وانتشارها إلى مخيمات أخرى”. وشدد على ان “لا مساومة على تطبيق القانون ولن نقبل أن ننجر إلى مكان آخر ولبنان ليس صندوق بريد ولن نسمح بأن يكون مسرحاً لتوجيه رسائل”. أضاف: لا نقبل التفلّت الأمني في لبنان وأي دعم لفصائل مسلحة أمرٌ مرفوض ونرفض السلاح المتفلت.هناك مجموعات مسلحة في المخيمات وهذا بعهدة الجيش الذي تصرف بدقة وحكمة وقيادة الجيش واعية وتعرف كيف تتصرف مع الظروف”.
وفي اول تعليق له على التحذير الذي أصدرته بلاده قال السفير السعودي وليد البخاري أن دعوة السعوديين لمغادرة لبنان “أتت على خلفية أحداث مخيم عين الحلوة وأن المملكة حريصة على مواطنيها أينما وجدوا ولا يمكن أن تفرط بهذا الموضوع”، مشيرًا إلى أن “المملكة كانت وستكون من أهم المشجعين للسياحة في لبنان وان الفترة المقبلة ستثبت ذلك إن توصل اللبنانيون إلى حل أزمتهم”.
رعد يصعد
اما في “جديد” تطورات الازمة الرئاسية فبرزت “عودة” نشطة للمواقف ذات الطابع التصعيدي والمتشدد لدى “حزب الله” عكسها رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد باعلانه “أن من يقاطع مثل هذا الشخص الذي نريده ونختاره لرئاسة الجمهورية هو في الحقيقة لا يريد رئيسا للجمهورية في البلاد، ويريد عن قصد أو عن غير قصد تنفيذ المخطط المرسوم في أن يبقى الفراغ قائما في لبنان وأن تنهار مؤسساته”. وقال أن “الإسم الذي ندعمه لرئاسة الجمهورية يأتي بضمانتنا، ومنفتح على جميع شركائنا في الوطن، ومن شأنهم إما أن يتبادلوا معه الخدمات والمصالح الوطنية أو أن يقاطعوه”.
في المقابل شدد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل على “أهمية التضامن بين الكتل والأفرقاء الذين التزموا التصويت لجهاد ازعور باعتباره السبيل الوحيد لاستعادة سيادة البلد ومنع سقوطه مجدداً في دوامة سيطرة حزب الله وفرض رأيه ووضع اليد على المؤسسات” معتبراً ان “الانتخابات الرئاسية مفصلية وبالتالي لا يمكن مقاربة هذا الملف سوى باللحمة وتشكيل جبهة متماسكة للدفاع عن حقوق اللبنانيين من دون الذهاب الى البحث عن مصالح خاصة او تسويات جانبية او اتفاقات ثنائية” مشيراً الى استمرار الاجتماعات بين افرقاء المعارضة للخروج بمشهدية مشتركة واعلان موقف موحد من المرحلة المقبلة .