مجلة وفاء wafaamagazine
كتب كمال ذبيان في ” الديار”
الحرب الاسرائيلية التدميرية على غزة والمستمرة في شهرها الرابع، لم تكن اميركا التي اعطت القرار بها للعدو الاسرائيلي، تريدها واسعة، وان تشارك فيها دول وفصائل من “محور المقاومة”، فأتت ببوارجها واساطيلها، لردع كل من يحاول ان يساند حركة “حماس” وفصائل المقاومة في غزة، وحضر الرئيس الاميركي جو بايدن الى الكيان الصهيوني، ليعطي اشارة للرد الاسرائيلي على عملية “طوفان الاقصى” التي نفذتها “كتائب القسّام”، بالقضاء عليها، واسترداد الاسرى الاسرائيليين.
فقرار الحرب اميركي بامتياز، كما كل الحروب الاسرائيلية، وتحديداً على لبنان الذي احتضن المقاومة الفلسطينية، التي انقسم اللبنانيون حولها، وادى ذلك الى حرب اهلية، فكان الاجتياح الاسرائيلي لجزء من الجنوب في آذار 1978، ثم الغزو الصهيوني في حزيران 1982، وتم دحر الاحتلال الاسرائيلي في 25 ايار 2000، لتجدد اميركا شن حرب اسرائيلية جديدة على لبنان والمقاومة في صيف 2006، لكن الجيش الاسرائيلي لم يتمكن من تنفيذ اهداف عدوانه بتدمير سلاح المقاومة واجتثاث وجودها.
فمنذ عقود ومع انحسار الاستعمار الفرنسي ـ البريطاني عن لبنان والمنطقة، حلت مكانه الولايات المتحدة الاميركية بمشاريعها واحلافها، فكانت في الخمسينات ضد تمدد الشيوعية، وفي الستينات ضد المشروع القومي العربي الذي حمله الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي قدم فلسطين كقضية مركزية للعرب، وخاض حرب 1967، لتحريرها فحصلت النكسة للجيوش العربية، وخسر الفلسطينيون الضفة الغربية وغزة، وهذا ما عزز وجود الكيان الصهيوني، الذي لقي دعماً اميركياً له، واطلقت واشنطن يده في المنطقة، لتنفيذ مشاريعها، من خلال “الدولة العبرية” الركيزة الاولى لمصالح اميركا، وهذا ما دفع الرئيس الاميركي بايدن الى القول: لو لم تكن “اسرائيل” موجودة، لوجب علينا اقامتها، وهو ما فعلته بريطانيا بوعدها لليهود بوطن قومي ـ ديني لهم في فلسطين.
لذلك لم يخطىء “محور المقاومة” عندما اعلن قادته ان الحرب هي مع اميركا ووكيلتها “اسرائيل”، التي نالت الدعم العسكري والسياسي والمالي منها، وهي التي تمنع وقف الحرب على غزة، واستخدمت “الفيتو” في مجلس الامن الدولي، وعرقلت قرارات للامم المتحدة، وان الموفدين الذين ارسلتهم اميركا الى الكيان الصهيوني ودول المنطقة، فكان دورهم بتجديد قرار الحرب “لاسرائيل”، والطلب من الدول العربية الحليفة لها، عدم مساندة الشعب الفلسطيني، والالتزام بمعاهدات “السلام” والتطبيع مع العدو الاسرائيلي، وهذا ما فعلته، سوى من مواقف لفظية بالدعوة الى وقف الحرب وارسال المساعدات الانسانية لغزة، حيث يقرأ مرجع في “محور المقاومة”، التطورات التي رافقت العدوان الاسرائيلي على غزة، بانه كان طبيعياً، ان يتضامن اعضاء المحور مع غزة، ويساندوها بالوسائل التي يرونها مناسبة، فاعلن “حزب الله” فتح “جبهة الجنوب” ضد الاحتلال الاسرائيلي في مزارع شبعا، والتي وسعها العدو الصهيوني، فحصلت المواجهة العسكرية في بقعة جغرافية محددة، ثم قام “الحشد الشعبي” في العراق بتوجيه الصواريخ والقذائف باتجاه المواقع والمراكز العسكرية الاميركية في العراق وسوريا، التي هي قواعد احتلال، والتي تتعرض من وقت الى آخر لهجمات من المقاومة في العراق، ولم يتأخر الجيش الاميركي في الرد العسكري، واغتيال قادة من “الحشد الشعبي” و “الحرس الثوري الايراني” سواء في العراق او سوريا، وكان آخرهم رضى الموسوي في دمشق وهو قائد في “الحرس الثوري الايراني”، اضافة الى “ابو مقتدى” احد القادة العسكريين في “الحشد الشعبي العراقي”، وهذا يكشف ان الحرب ضد اميركا و “اسرائيل” واحدة، وهو ما عبّر عنه الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، الذي لم يفصل “بين العدوين”، انطلاقاً من الشعار الذي رفعه قائد “الثورة الاسلامية” في ايران الامام الخميني، عندما وصف اميركا بـ “الشيطان الأكبر”.
ومن ضمن “وحدة الساحات”، دخل اليمن الحرب كجبهة مساندة لغزة، ووقف الحرب عليها، وهو العنوان المشترك لكل اطراف “محور المقاومة”، فاعلنت صنعاء عن استهداف السفن الاسرائيلية او تلك التي ستدخل الكيان الصهيوني، اذا لم يتوقف العدوان الصهيوني على غزة ويفك الحصار عنها، لكن اميركا الداعمة للعدوان والذي امرت به، تدخلت عسكرياً بقصف مواقع في اليمن بمشاركة حليفتها بريطانيا، بعد ان امتنعت دول المشاركة في تحالف دولي ضد اليمن، الذي قررت قيادته الرد على العدوان الاميركي، كما اعلن رئيس “انصار الله” عبد الملك الحوثي وغيره من المسؤولين العسكريين والسياسيين، وتكون الحرب اصبحت مباشرة مع اميركا في البحر الاحمر وفي العراق، ومع العدو الاسرائيلي في فلسطين ولبنان وسوريا.
فاميركا قررت توسيع الحرب، وهي سبق وان بدأتها في العراق عام 2003 بغزوه واسقاط نظامه تحت ذريعة امتلاكه اسلحة “دمار شامل”، فكذب وزير خارجيتها امام الامم المتحدة، ليعلن بعد سنوات ان ما قام به هو عار، ثم افتتحت واشنطن الحرب على لبنان بالقرار 1559 الصادر عن مجلس الامن في مطلع ايلول 2004، والذي يدعو الى نزع سلاح “حزب الله” وانسحاب القوات السورية وعدم تعديل المادة 49 من الدستور لمصلحة التمديد للرئيس اميل لحود، وتبع ذلك اغتيال الرئيس رفيق الحريري وعدوان تموز 2006 واحداث ايار 2008، ليدخل لبنان بعد 17 تشرين الاول 2019 في الفوضى الخلاقة، لاتباع ما قررته اميركا من اشعال حروب وفتن عبر ما سمي “ربيع عربي” بدأ مطلع عام 2011، ليظهر حرباً في سوريا وليبيا واليمن.
ان اميركا بدخولها الحرب مباشرة، تحاول ان تستكمل مشروعها “للشرق الاوسط، والذي فشل في اكثر من دولة في تطبيقه، وهذا من احد اهداف الحرب الاسرائيلية على غزة، والتي لم تتوقف منذ عام 2008 وتواصلت في 2012 و2014 و2021، لتصل الى 2023، حيث سبقت “حماس” العدو الاسرائيلي بعملية “طوفان الاقصى”، والذي اعلن رئيس حكومة العدو، ان من نتائج الرد عليها بالحرب المدمّرة والابادة الجماعية، سيكون رسم “شرق اوسط آخر”، لن تكون فيه مقاومة ضد الكيان الصهيوني، وسيتم افشال المشروع الايراني بالتوسع لمصلحة “محور المقاومة”، الذي يخوض اعضاؤه المواجهة، يقول المرجع، وان قادة العدو يقرون ومنذ سنوات، بان حربهم المقبلة مع ست دول هي فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن وايران، حيث حاولت اميركا ردع هذه الدول عن مساندة المقاومة في غزة، فارسلت تهديدات وصل الكثير منها الى لبنان، لكن “محور المقاومة” قرر الصدام مباشرة مع اميركا التي هي بيدها قرار الحرب والسلم، فماذا ستختار؟