الرئيسية / آخر الأخبار / “كلّو مسموح” في بيت الدين : كارول سماحة تُشعل ليلنا الحالم

“كلّو مسموح” في بيت الدين : كارول سماحة تُشعل ليلنا الحالم

مجلة وفاء wafaamagazine

في بيت الدين، “كلّو مسموح”. الليل صيفي حالم، وقصر بيت الدين يلفّ عباءته الحجرية العتيقة حولنا، وتعانق نسائم الجبل وهج الأضواء. المسرح معبر مفتوح على الفرح، والهواء مشبع بعطورٍ أنيقة ونكهة الحنين.

يهبّ المسرح شوقاً لاستقبال كارول سماحة، والحجارة ترقّبت طويلاً عودتها. امرأة تعرف كيف تكبح الألم وفاءً لجمهور جاء إليها. وعلى المسرح تعلو موسيقى “كلّو مسموح” – النسخة العربية من “أنيثنغ غوز” – وجدران القصر التاريخي تستنير بألوان تزيده ألقاً.

أوركسترا من 23 موسيقياً تعزف عزفاً حيّاً موسيقى من الطراز الكلاسيكي لـ”الميوزيكال” الأميركية، وتستند إلى أنماط الجاز والسوينغ وأصوات الفرق الموسيقية الكبيرة، مع لمسات من عروض “الفودفيل”. والألحان تطير بنا إلى ثلاثينيات القرن العشرين وأجواء برودواي، ولم يكن ينقصها سوى “اللَّبْنَنَة” لتُصبح لنا، لذاكرتنا ومسرحنا.

كلّ تفصيل بدا أكبر، في العرض الذي انتقل ناجحاً منتصراً من كازينو لبنان إلى فضاء بيت الدين المفتوح. السفينة المسرحية اتّسعت، الموسيقى ازدادت دفئاً وحياةً، والأجساد لمعت متمايلةً في ليل الجبل. الجمهور يُبحر، يُغويه الضحك، وتوجعه الحقيقة، ويُشفى بالحبّ. ومهرجانات بيت الدين عوّدتنا على الإبداع الذي لا تشوبه شائبة.

وروي الخوري، قائد السفينة الفنّية ومهندس ضحكتها، صاغ مزاجاً خاصّاً في تعريبه النصّ الأصليّ، واختزل ببراعةٍ عبث الحبّ ومكائده ودهشة اللقاء. دور “كريم” ألبسه هندام العاشق الهشّ، يقفز بين الهزائم والآمال، ويتكئ على كتف “ياسمينا” (كارول سماحة)، تلك الشخصية اللعوب التي تُخبّئ مرارةً في لعبها، وترقص كي لا تبكي.

وكارول في “كلّو مسموح” تعود إلى المسرح الذي أخرجها لنا رمزاً متسامياً. وفي “الميوزيكال” الخفيف كما النسمة ليست زنوبيا، ولا كليوباترا، ولا اعتماد الرميكية، بل روح جديدة، فيها شيء من خفّة الدم والحداثة وخبرة السنين. المسرح بيتها، والحياة قاسية خارج ذلك الحيّز المُضيء. وكارول لا تُهزم، والحبّ يُحرّكها، وهي تبادل الجمهور الذي وقف مصفّقاً حبّه أضعافاً.

نور حلو (أمل)، بصوتها الرقيق وأدائها المتماسك، بدت اكتشافاً يليق بهذا المسرح. أما فؤاد يمين (مجاعص)، فكان طيفاً مرحاً في عالم يُدار بخفّة، لكن لا يخلو من المعنى. وجوي كرم (ألمازا) بعينيها الواسعتين وأدائها المُحكم منحت المسرحية نَفَساً من العبث الذكي، يُوازن بين السخرية والعبرة. إلى جانبهم الأنيق دوري السمراني (رامي العلم)، ونزيه يوسف (حنّا) المتأبّط الفرح، وكلّ فرد من هذا الفريق، كانوا الأحجية، الـ”puzzle” التي لا فراغ فيها، بل حضور متكامل يشهد على احتراف.

والسينوغرافيا رفيقة الحكاية، والموسيقى الحيّة فيها روح المسرحية، تنبض بالأصوات وتتمايل معها الأجساد. ونصّ “كلو مسموح” المُعرَّب بدا خاصاً، لهجته لبنانية، مزاجه يُشبهنا، وإيقاعه يُشبه لبنان حين يفرح بنا ومعنا. وقصر بيت الدين يليق به الفرح.

وكارول سماحة على الخشبة روحٌ حلوة تُحلّق فوق جسد فنّانة، تُحرّكها، ترتقي بها، وإنسانة تختبر المعنى العميق لعبارة “العرض يجب أن يستمرّ”. وقد استمرّ بالفعل، قل ازدهر.