مجلة وفاء wafaamagazine
لم يكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينهي زيارته الثانية في أقلّ من شهر إلى لبنان، حتى أعلن قصر الإليزيه عن زيارةٍ ثالثةٍ له تمّت “جدولتها” في شهر كانون الأول المقبل، لمتابعة المسار الذي بدأه في زيارتيْه “التاريخيّتيْن”.
ليس ذلك فحسب، بل إنّ الرئيس الفرنسيّ “بشّر” نظيره اللبنانيّ ميشال عون، خلال لقائه به في قصر بعبدا، بأنّه “جاهز” للعودة “عند الضرورة”، وفي أيّ وقت، وفق ما جاء في المحضر المُسرَّب للقمّة اللبنانية-الفرنسيّة التي احتضنها القصر الرئاسيّ.
ولم يَنسَ الرئيس الفرنسيّ أن يعيد التأكيد على هذا “التأهّب” في مؤتمره الصحافيّ الذي اختتم فيه زيارته، حيث تحدّث عن “مهلةٍ” لا تتجاوز الأشهر الأربعة لتحقيق الإصلاحات الموعودة، متحدّثاً عن “خريطة طريق”، وكاشفاً عن عودته في كانون الأول لمتابعة الأمور.
بين المزاح والجدّ!
لم يمرّ الأمر من دون “طنّة ورنّة”، فضلاً عن “دعابات” وجدت مداها “الافتراضيّ” على وسائل التواصل، حيث ذهب البعض إلى القول إنّ ماكرون سينقل مقرّ “إقامته” إلى لبنان، هو الذي بات يتجوّل بين المناطق والمقرّات أكثر ممّا يفعل المسؤولون اللبنانيون، الذين لا “يجرؤ” معظمهم على الاختلاط بالشعب، فضلاً عن كونه “حظي” بما لم يحظَ به أحدٌ غيره، لجهة لقاء السيدة فيروز.
وفي وقتٍ ذهب البعض بعيداً في “المزاح” لحدّ التساؤل عمّا إذا كان ماكرون “سيزور” فرنسا بعد زيارته العراق، أم أنّه سيعود إلى مقرّ إقامته الجديدة في لبنان، ثمّة من رأى في مثل هذا النقاش، ومن منطلق أنّ “ثلاثة أرباع المزح جدّ”، مؤشّراً “سلبياً” يدلّ على أنّ اللبنانيين يشعرون أنّ وجود الرئيس الفرنسيّ “حاجة” لعدم مراوحة الأمور مكانها، علماً أنّ هناك من دعا الرئيس الفرنسي صراحةً إلى “البقاء” في لبنان إذا ما أراد “ضمان” تشكيل الحكومة.
ويستدلّ البعض على ذلك بالإشارة إلى أنّ موضوع الاستشارات النيابية لتسمية رئيس حكومة جديد مثلاً لم “يتيسّر” إلا عشيّة زيارة الرئيس الفرنسي الثانية، وتحت “ضغط” الرجل الذي بدأ مشاوراته “عن بُعْد”، لدرجة تحوّله إلى “وسيط” بين بعض الأفرقاء لتقريب وجهات النظر، وبعدما أمضى اللبنانيون الوقت “المُستقطَع” بين الزيارتين، بالمماطلة تارةً، والبحث عن جنس الملائكة طوراً، وباستعادة سجالاتهم التي لا تنتهي بين الأمريْن.
“الكرة” في أيّ “ملعب”؟!
لا يبدو ما سَبَق أمراً حميداً ولا إيجابياً، بل قد يكون مؤشّراً في غاية السلبية، إن دلّ على شيء، فعلى أنّ اللبنانيين لا يزالون يحتاجون إلى “نجدة” الخارج، أياً كان، لبتّ كلّ استحقاقاتهم، وحلّ كلّ خلافاتهم، علماً أنّ هناك من رأى أنّ الفرنسيّين ذهبوا بعيداً إلى حدّ الدخول على خطّ صياغة البيان الوزاري، عبر ما سُمّيت بالورقة الفرنسيّة.
وإذا كان ثمّة من يرى في الدخول الفرنسيّ النَّشِط على الخطّ اللبناني، ما يتخطّى بأبعاده الملفّ اللبنانيّ برمّته، ربطاً ببحث ماكرون شخصياً عن “دورٍ” في المنطقة، في عزّ “الصراع” الآخذ في التفاقم مع تركيا، فإنّ العارفين يؤكّدون أنّ “الكرة” تبقى في الملعب “اللبنانيّ”، وأنّ الأفرقاء وحدهم يستطيعون تحويل المبادرة الفرنسيّة إلى “فرصة”، أو على النقيض، إلى “نقمة”.
ويرى هؤلاء أنّ المطلوب من اللبنانيّين الاستفادة من “الفرصة” التي توفّرها المبادرة الفرنسية، لكن “عدم الرهان” عليها لإنقاذهم، بل “المبادرة” لتحقيق مقوّمات هذا “الإنقاذ”، وهو ما يتطلّب مقاربة مختلفة، لا تشبه تلك التي سادت حتّى في الأيام الأخيرة، علماً أنّ الرئيس الفرنسيّ كان شديد الوضوح بحديثه عن “مهلةٍ” ينبغي على لبنان التقيّد بها لتنفيذ الإصلاحات، انطلاقاً من معادلة “ساعدونا لنساعدكم” التي كان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أول من أطلقها.
أن يقول البعض، ولو من باب المزاح، إنّ على الرئيس الفرنسيّ أن ينقل “إقامته” إلى لبنان، حتى يسير المسؤولون بما “يتعهّدون” به، سواء لتشكيل الحكومة، أو تطبيق الإصلاحات، أو غيره، ليس أمراً عابراً ولا عبثياً. لا يتعلّق الأمر فقط بـ “السيادة” التي لا يتردّد البعض بـ “التنازل” عنها، عند أول استحقاق، ولكن قبل ذلك، بالاعتراف بـ “العجز”، وهنا الطامة الكبرى!.
لبنان 24