مجلة وفاء wafaamagazine
في 3 تشرين الثاني تنتهي زوبعة التدقيق الجنائي. تلك مزحة لم تمرّ على رياض سلامة، الذي أفشلها بالتضامن والتعاون مع «القانون» والحماية السياسية. «ألفاريز اند مارسال» ستُغادر، فاتحة المجال أمام تدقيق على الطريقة الفرنسية. هل سلامة سيكون جزءاً من الحل كما كان جزءاً من الانهيار، على شاكلة سعد الحريري؟ أم أنه سيتخلى عن منصبه بعد حصوله على ضمانات بعدم ملاحقته؟
التفاؤل بأن تُشكّل الحكومة في فترة وجيزة، يؤكد أن التفاهم السياسي المدعوم بالمبادرة الفرنسية يسلك طريقه نحو الإنجاز. لكنّ اتفاقاً من هذا النوع، يجمع أهل السلطة وخلافاتهم، لا يمكن أن يكون إلا على قاعدة: عفا الله عما مضى. التطبيق العملي لهذه القاعدة، يبدأ من مصرف لبنان. التحقيق الجنائي يشارف على الانتهاء، قبل أن يبدأ. رياض سلامة ليس من النوع الذي يستسلم حتى في ظل «حكومة معادية». بوجود الحريري على رأس الحكومة، صار بإمكانه أن يطمئن. في مقابلته الأخيرة مع برنامج «صار الوقت»، لم يوارب الرئيس المكلّف بقوله إنه يريد رياض سلامة إلى جانبه.
هذا يتطلب أن لا تكون رقبة حاكم المصرف المركزي مرهونة لتدقيق جنائي من البديهي أن يدينه، كما يدين أشخاصاً ومؤسسات. بحسب العقد الموقّع بين وزارة المالية وشركة «ألفاريز آند مارسال»، فإن المصرف المركزي كان مطالباً بالإجابة على طلبات الشركة خلال مهلة أسبوعين، وإذا تبيّن لها أن البيانات غير كافية للتمكن من بدء مراجعتها، وجب على وزارة المال اتخاذ خطوات معقولة في حدود الإطار القانوني اللبناني الحالي بهدف ضمان إتاحة البيانات التي تطلبها الشركة في غضون فترة لا تزيد عن أسبوعين، وبما يناسب الشركة تماماً.
مهلة الأسبوعين المجدّدة تنتهي في الثالث من تشرين الثاني. كل المعطيات تشير إلى أن مصرف لبنان لن يستجيب لمطالب الشركة. وبناءً عليه، يتوقع أن تطلب الأخيرة، بحسب العقد، إنهاء الاتفاقية «بسبب عدم قدرتها على اتخاذ قرار بدء التدقيق نتيجة لقصور إتاحة المعلومات». تحصل حينها على ١٥٠ ألف دولار وترحل.
في المهلة الأولى المعطاة لمصرف لبنان لتسليم المستندات المطلوبة، رفض الإجابة على نحو 100 سؤال واستفسار، متحجّجاً بأمرين: السرية المصرفية، وعدم وجود أي علاقة تعاقدية تجمعه بـ«ألفاريز اند مارسال» التي وقّعت العقد مع وزارة المالية لا معه. استخفافه بالتدقيق لم يقتصر على رفض تسليم أغلب البيانات المطلوبة. حتى ما سلّمه من معلومات كان في أغلبه بيانات منشورة وعامة. ولمزيد من الاستهزاء بقرار الحكومة إجراء التدقيق الجنائي، سلّم المصرف المركزي وزارة المالية آلاف المستندات الورقية، التي حولتها بدورها إلى مركز الشركة في دبي، بالرغم من إدراك كل الأطراف أنه يستحيل التدقيق فيها.
عندما تسأل مصادر وزارة المالية، تجيب بأنها لا يمكنها إلزام المصرف المركزي تسليم كل المستندات المطلوبة. تقول إن قانون النقد والتسليف يعطي مفوّض الحكومة لدى المصرف المركزي الحق بطلب البيانات المالية للمصرف، لكنه لا يلزمه تزويدها بمعلومات محمية بموجب قانون السرية المصرفية. المصادر المعنية تذهب أبعد من ذلك: نحن نعرف القانون ولا يمكننا أن نطلب من المصرف مخالفته! ذلك يقود، بحسب مصادر مطلعة، إلى السؤال عن مبرّر توقيع العقد إذاً طالما أن كل الأطراف مقتنعة سلفاً أن التدقيق لن يحصل؟ مصادر متحمّسة للتدقيق ترفض بشدة هذا التبرير الذي «يتناسب مع الحماية السياسية المؤمّنة لسلامة». تؤكد أن أموال مصرف لبنان هي أموال عامة، وحتى الحسابات المفتوحة فيه هي إما لمؤسسات أو إدارات عامة، وبالتالي لا يمكن إخضاعها لقانون السرية المصرفية لا هي ولا من يستفيد منها. قانون السرية المصرفية هو بحسب المصدر معنيّ بحماية سرية المعلومات المتعلقة بأموال المودعين لا الأموال العامة. لكن لسلامة وجهة نظر أخرى. وهو بممارسته يعتبر أن الدولة لا يحق لها أن تتحقق من أموالها وكيفية صرفها!
إذا كان ذلك موقف سلامة أيام حكومة حسان دياب، فكيف سيكون موقفه مع حكومة الحريري؟ عملياً صار بإمكانه أن يطمئن إلى أن التدقيق الجنائي صار خلف ظهره. ليس فقط بالهامش الذي يعطيه لنفسه لإفشال التدقيق، بل بسبب الحماية السياسية التي تضاعفت مع عودة الحريري إلى الرئاسة الثالثة.
«المالية» تسلّم بحجج سلامة: السرية المصرفية تعيق التدقيق
ببساطة يبدو أن اعتذار «ألفاريز اند مارسال»، بقدر ما هو مرتبط بأسباب تقنية، بقدر ما يشكّل مخرجاً لمن يريد أن يسير بالمبادرة الفرنسية. البديل عن «ألفاريز» لن يكون سوى المصرف المركزي الفرنسي، الذي لا يمانع سلامة أن يجري تدقيقاً في حسابات المصرف. الأولوية بالنسبة إليه هي الضمانات بأن لا يُلاحق. وهذه لا يمكن أن يحصل عليها في ظل تحقيق جنائي أو قضائي يسهّل الوصول إلى مخالفات ارتكبها. وجود وثيقة تتضمّن قرائن وأدلة تدين أشخاصاً ومؤسسات يكفي لإبقاء السيف مُصْلتاً على رقاب المرتكبين. ذلك لا أحد يريده من السياسيين والنافذين. «عفا الله عما مضى» هو الحل. ولذلك، فإن عودة الحريري وتأليف الحكومة يتطلبان ضبضبة كل الملفات، مقابل إعطاء الأولوية للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإحياء ما أمكن من التزامات «سيدر». هل سيكون سلامة جزءاً من عدة الشغل؟ يكثر الحديث عن أن صندوق النقد الدولي لا يجد فيه شريكاً موثوقاً للعمل معه. وإذا صحّ ما يتم تناقله، فإن سلامة قد لا يمانع التخلي عن منصبه. يريد حصراً أن يخرج بهدوء و«بلا بهدلة».
الاخبار