مجلة وفاء wafaamagazine
على رغم أن معارضة «حزب الشعب الجمهوري» لتمديد مذكّرة إرسال الجنود الأتراك إلى سوريا والعراق، لم تفلح في عرقلة التمديد الذي احتاج إلى أغلبية وفّرها الثنائي الحاكم، إلّا أن موقفه غير المسبوق هذا من شأنه أن يشكّل مصدر إقلاق لرجب طيب إردوغان، على اعتبار أنه يجعل مسألة إرسال الجنود إلى الخارج خارج دائرة الإجماع الوطني، فضلاً عن أنه سيفتح الباب على التعاون مع «حزب الشعوب الديمقراطي» الذي قد يجيّر أصواته لمصلحة مرشّح المعارضة للرئاسيات
على الرغم من أن سنة ونصف سنة تفصل عن موعد الانتخابات الرئاسية التركية المرتقبة في حزيران 2023، لا تتوانى المعارضة عن مهاجمة الرئيس رجب طيب إردوغان، بشكل يومي. ولعلّ ما يدفعها في هذا الاتجاه، سببان: الأوّل هو سعيها إلى مراكمة الظروف وخلْق حالة تصاعدية مضادّة لإردوغان تُوصلها إلى موعد الانتخابات مرتاحة؛ والثاني هو احتمال أن يقرّر الرئيس فجأة تقديم موعد الاستحقاق إلى تاريخ يَعتقد أنه يناسبه أكثر، فتكون حينها المعارضة مستعدّة سلفاً.
وفي هذا السياق، لا تزال مسألة تمديد مذكّرة إرسال الجنود إلى سوريا والعراق لمدّة سنتَين، تحظى باهتمام الأطراف المختلفين، مع تحوُّلها إلى سلاح تستخدمه المعارضة في معركتها ضدّ سعي إردوغان إلى ولاية جديدة، فيما يستخدمها الرئيس نفسه في معركته الرئاسية. لكن الموقف غير المسبوق لـ«حزب الشعب الجمهوري»، والذي عارض للمرّة الأولى إرسال الجنود إلى الخارج، بدا لافتاً؛ إذ اعتبر زعيمه، كمال كيليتشدار أوغلو، المذكّرة «خيانةً للوطن، فضلاً عن أنها تعرّض أرواح الجنود الأتراك للموت المجّاني في قضية تخدم شخصاً وطموحاته الرئاسية، وليس القضية الوطنية». وتعليقاً على ذلك، ينقل فاتح تشيكيرغه، في صحيفة «حرييت» الموالية لإردوغان، عن وزير الدفاع خلوصي آقار، قوله، إن معارضة «الشعب الجمهوري» للمذكّرة يجب ألّا تثبّط معنويات الجيش خارج الحدود، وإبداءه، في الوقت نفسه، قلقه من أن المعلومات الخاطئة يمكن أن تؤثّر سلباً على تلك المعنويات. لكن آقار يؤكّد أن العملية العسكرية في سوريا ستتمّ في «الزمان والمكان المناسبَين»، رابطاً حدوثها بـ«الظروف»، فيما يعتقد بولنت أوراق أوغلو، في صحيفة «يني شفق» الموالية للسلطة، أن العملية العسكرية في سوريا ستتمّ على جبهتَين دفعةً واحدة، وفي وقت قريب جداً.
من جهته، ذهب دولت باهتشلي، زعيم حزب «الحركة القومية»، بعيداً في انتقاد كيليتشدار أوغلو، معتبراً أن معارضته للمذكّرة تعني أنه بات يدعم «حزب العمّال الكردستاني». ويأتي هذا الهجوم على رغم أن معارضة «الشعب الجمهوري» لم تكن لتؤثّر على نتيجة التصويت، إذ إن تمرير المذكّرة في البرلمان (أواخر الشهر الماضي) لم يحتج إلى معجزة، بل فقط إلى غالبية يمثّلها حزبا «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» معاً، كونهما يمتلكان النصف زائداً واحد، فضلاً عن أن الحليف الآخر للشعب الـ«جمهوري»، أي «الحزب الجيّد» بزعامة مرال آقشينير، أيّد الطرح بدوره، منطلِقاً في ذلك من مرتكزات قومية حتى لا يخسر جمهوره الذي جعله حزباً ثالثاً مؤثّراً في البرلمان. لذا، ستعني أيّ معارضة من جانب هذا الحزب خسارته لِطَيف واسع من جمهوره، الذي سيفضّل التصويت لـ«الحركة القومية». أمّا «الشعوب الديمقراطي»، فموقفه حاسم، كونه ينطلق من مبدأ رفْض كلّ المذكّرات التي تستهدف تدخُّلاً عسكريّاً خارجياً.
ستجعل معارضة المذكّرة من صوت «الشعب الجمهوري» أقوى وأكثر إحراجاً لإردوغان
مع هذا، بقيت الأنظار متّجهة نحو موقف «الشعب الجمهوري» المعارض، والذي يُعدّ مؤثّراً في أكثر من اتّجاه؛ إذ إن تصويته ضدّ المذكّرة فُهم على أنه إعلان ببدء المعركة الرئاسية ضدّ إردوغان، وأن زمن الهدنة في القضايا «القومية» انتهى، وأن الوقت قد حان ليخرج الرئيس الحالي من المعادلة السياسية. وهو موقف يوسّع من آفاق التعاون مع «الشعوب الديمقراطي» الذي أعلن، من جهته، أنه لن يوافق على أيّ مرشّح رئاسي ينتمي إلى «الحزب الجيّد». ومرشّح المعارضة الذي لا يحظى بأصوات الحزب الكردي – المقدَّرة وسطيّاً بـ10% -، لن يربح الانتخابات. لهذا، فإن أيّ موقف يقرّب بين الطرفَين سيصبّ في مصلحة مرشّح المعارضة، لاسيما وأن الأخير لن يكون كردياً، ما يعني أن الشخصية التي يوافق عليها «الشعب الجمهوري» يُحتمل أن تنال أصوات «الشعوب الديمقراطي».
ومع توسّع النقاش حول سياسات تركيا في كلّ من سوريا والعراق، يقول أورخان بورصه لي، في صحيفة «جمهورييت»، إن كيليتشدار أوغلو كان سيتناقض مع ما يدعو إليه، لو أنه أيّد المذكّرة. فهو يدعو إلى انسحاب القوات التركية من سوريا، والتعاون مع دمشق بهدف حفظ وحدة البلاد الجغرافية والسياسية، وإعطاء الأولوية لقضايا التعاون والسلام الإقليمي. ويأسف بورصه لي لكون حزب «العدالة والتنمية» لم يكلّف نفسه عناء العمل على مناقشة القضية الوطنية في البرلمان، بل أراد تمرير المذكّرة فقط. وبحسب الكاتب، فإنه بعد تصويت «حزب الشعب الجمهوري» ضدّها، أصبحت تركيا بحاجة إلى سياسة جديدة تجاه سوريا، «فسلطة إردوغان، من جهة، تشكو من عمل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري لإقامة دولة في شمال سوريا برعاية ودعم أميركيَّين، ومن جهة ثانية يدعم إردوغان القوى والتنظيمات التي تعيق وحدة سوريا، في حين أن حماية أمن تركيا لا يتمّ إلّا من خلال العمل مع الحكومة المركزية في دمشق، وهو ما يعرفه إردوغان. لذا، عندما يبدأ الجيش السوري، وليس القوات الكردية، بضمان الأمن على الحدود، تبدأ الأمور بالعودة إلى طبيعتها. وبما أن الأمر لا يتمّ على هذا النحو، ستبقى تركيا وجهاً لوجه مع التنظيمات الإرهابية، وستبقى الولايات المتحدة تعمل على تقسيم سوريا خدمةً لإسرائيل». ويضيف بورصه لي أن «الطريق الوحيد لمنع إقامة دويلة كردية في شمال سوريا، هو التعاون مع الحكومة السورية وتقويتها وليس إضعافها، لأنه عندها فقط تصبح أميركا معزولة. غير أن إردوغان لا يريد ذلك، ويدعو الولايات المتحدة إلى العمل معه لدخول سوريا وتحقيق الأهداف المشتركة. وهذه سياسة خطيرة جداً، لأنها ستضع أميركا ومعها تركيا في مواجهة روسيا». ومن شأن التفاهم مع سوريا، وفق الكاتب، أن يفتح أيضاً أبواب التعاون السياسي والتجاري والاجتماعي والعلمي، كما كان الحال قبل الحرب، كما أنه سيعني عودة اللاجئين إلى بلادهم، ولو تدريجياً.
وبخصوص المذكّرة، يعتبر بورصه لي أن محاولة إردوغان استخدامها كـ«ورقة رابحة» في الانتخابات الرئاسية، لن تفيده بشيء، لأن تصويت «الشعب الجمهوري» ضدّها له دلالة كبيرة، وهو يهدف إلى الدفْع نحو اتّباع سياسة جديدة تجاه سوريا. وستجعل معارضة المذكّرة من صوت «الشعب الجمهوري» أقوى في الداخل التركي، وأكثر إحراجاً لرجب طيب إردوغان في الخارج، على اعتبار أن إرسال الجنود إلى خارج البلاد، لم يَعُد يحظى بإجماع وطني. ولذا، ترى صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا» الكردية القريبة من «العمّال الكردستاني»، أن موقف «الشعب الجمهوري» مهمّ، ويفتح على إقامة جبهة ديمقراطية، فضلاً عن أنه يوجّه ضربة حقيقية لسياسات الحروب.
الاخبار