الرئيسية / آخر الأخبار / تخبُّط تركي حيال كازاخستان: صندوق مغلَق مفتاحُه روسيا

تخبُّط تركي حيال كازاخستان: صندوق مغلَق مفتاحُه روسيا

مجلة وفاء wafaamagazine

لا يبدو الوقت كفيلاً بتبديد اللّايقين التركي إزاء ما شهدته كازاخستان أخيراً من تطوّرات. وإذ تتضارب القراءات لتلك الأحداث، وسط تيّار واسع يميل إلى اعتبارها مفتعلة من قِبَل روسيا، يَبرز تنبيه بعض المراقبين إلى أن هذا البلد لا يفتأ مغلقاً أمام تركيا، وأن الأخيرة لا تزال قاصرةً عن مجاراة جهودها القوى الدولية الأخرى هناك

يتواصل اللايقين التركي إزاء ما يجري في كازاخستان، فيما تتعدّد الروايات بشأن أسبابه وتداعياته. وفي هذا الإطار، يَبرز تساؤل الكاتب المقرّب من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والخبير الاستراتيجي والمنسّق العام لوقف «سيتا»، برهان الدين دوران، في صحيفة «صباح»، عمَّا إذا كانت الأحداث في هذا البلد قد اندلعت صدفة مع الذكرى الثلاثين لتقسيم الاتحاد السوفياتي أم لا؟ ويَعتبر الكاتب أن سرعة استجابة منظّمة «معاهدة الأمن الجماعي» لدعوة الرئيس الكازاخي، قاسم توكاييف، لم تكن صدفة البتّة؛ إذ إن «موسكو التي كانت شاهدة على عدم التزام حلف شمال الأطلسي بعدم التوسّع شرقاً، بين عامَي 2000 و 2005، عملت على التحضير المنظّم للتدخّل في الدول التي ترى أنها تقع ضمن نطاق نفوذها». ويتابع دوران أنه «على الرغم من أن معاهدة الأمن الجماعي وُقّعت عام 1994، إلّا أن المنظّمة فعّلت سياسة التدخّل في الشرق الأوسط ودول أخرى، في ظلّ زعامة فلاديمير بوتين لروسيا». ويشير، على هذا الصعيد، إلى أن «تدخُّل روسيا في جورجيا عام 2008، وفي أوكرانيا عام 2014، أظهر أن موسكو لن تسمح بالهيمنة الغربية على مناطق نفوذها، بل أعلن بوتين أنه لن يسمح بالثورات الملوّنة» في تلك المناطق. ويرى دوران أن الصراع الأميركي مع الصين، والذي له أولوية في الولايات المتحدة، يشجّع بوتين على اغتنام الفرصة ومطالَبة واشنطن بتقديم تنازلات في مناطق أخرى من العالم، مثل ليبيا وسوريا، والتراجع في أوروبا الشرقية لقاء «المساومة الكبرى» على الوضع في أوروبا.

وفي الاتجاه نفسه، يذهب المستشار الأوّل لإردوغان، إحسان شينير، بقوله إن «اللعبة واضحة، وهي أنه كما جرت محاولة انقلاب، في تموز 2016، لوقْف نهضة تركيا، ها هي روسيا تحتلّ كازاخستان لوقف التحوّلات فيها». لكنّ محمد علي غولير، في صحيفة «جمهورييات» المعارِضة، ينظر إلى هذا الرأي على أنه غير واقعي، ولا يأخذ في الاعتبار الظروف الدولية. ويصف غولير اعتبار المستشار الأوّل لإردوغان أن التدخّل الروسي في كازاخستان، جاء بهدف عرقلة تطوّر «منظّمة الدول التركية»، بأنه «تحليل وخيم العواقب، ويعكس ذهنية الرئاسة التركية التي تنظر إلى روسيا على أنها عدو»، عادّاً إياه «نظرة تهدف إلى ضرب وتخريب التعاون التركي – الروسي في أكثر من مجال، بل تتماهى، أيضاً، مع التحليلات الغربية». وبناءً عليه، يرى غولير أن «معارضة التدخّل الروسي المشروع في كازاخستان وفق معاهدة الأمن الجماعي، تضع تركيا في موقع ضعيف، عندما تُسأل عمّن دعاها للتدخّل في سوريا؟».
وفي صحيفة «جمهورييات»، أيضاً، يكتب النائب مصطفى بالباي من «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، أن الضباب لا يزال يلفّ حقيقة ما جرى في كازاخستان، معتبراً في الوقت ذاته أن «الأسباب التي تدفع فئات من الناس للخروج هي أيضاً أسباب حقيقية». وينتقل بالباي إلى الحديث عن موقف تركيا، متسائلاً: «لماذا اكتفى الروس، الذين أخذوا معهم إلى كازاخستان ضمن قوّة التدخّل الجماعية، 70 جندياً أرمينياً، بدبلوماسية الهاتف مع تركيا؟». ويجيب بأنه «بعدما انجلى غبار تفسّخ الاتحاد السوفياتي، ظهرت إلى الساحة مجموعة دول العالم التركي. وبدأت لاحقاً تنعقد قمم رؤساء الدول التركية. لكن حزب العدالة والتنمية لم يكن ينظر بحرارة إلى هذه القمم. وفي عام 2009، تأسّست منظمة الدول التركية، بمبادرة من الرئيس الكازاخي نور سلطان نزار باييف. لكنّ أوزبكستان وتركمانستان لم تشاركا في هذه المنظمة، وفي عام 2019 انضمّت أوزبكستان، ولا تزال تركمانستان تكتفي بدور المراقب في المنظمة».

كازاخستان لا تزال علبة مقفلة أمام تركيا، ولا سيما في المجال الاجتماعي

ويضيف بالباي أن انطباعاته عن هذه الدول، خلال جولاته فيها كصحافي، كانت أنها «انفصلت بدنياً عن روسيا، لكنها لا تزال مرتبطة بها روحياً»، لافتاً إلى أن «الصين أيضاً تُوسّع وتُعزّز حضورها في تلك المناطق، فيما الولايات المتحدة تعتمد على مؤسّسات فتح الله غولن لتزيد نفوذها هناك»، متابعاً أن «السعودية وإيران دخلتا في حلبة منافسة بينهما على قاعدة الإسلام السياسي. أمّا تركيا، فقد عملت على مأسسة علاقاتها تدريجياً ضمن مشاعر الأخوّة الكبيرة، لكن جهودها كانت بطيئة». وفي السياق، ينقل بالباي عن مسؤول كازاخي قوله، قبل أيام، إن «الولايات المتحدة لها خمس مؤسّسات تقوم بأبحاث عن كازاخستان وآسيا الوسطى، بينما للصين ستّ مؤسّسات. أمّا تركيا، فعلى حدّ علمه، ليست لها أيّ مؤسّسة أبحاث». كذلك، ينقل عن المختص التركي بشؤون اللغات، أحمد بيجان أرجيلاسون، قوله إن «النزعة القومية التركية لها في آسيا الوسطى قاعدة عريضة، لكن تأثير نُخبها معدوم»، واعتباره أن «هذا يدفع إلى القول إن تركيا لا خطّة لها هناك وإنها مجرّد جزء من مخطّطات الآخرين».
ويورد بالباي، نقلاً عن مسؤول كازاخي، أن «سيطرة 20 ألف شخص مسلّح على المؤسسات الاستراتيجية في ألماتي بهذه السرعة، لا علاقة له البتّة بالزيادة على أسعار الغاز الطبيعي»، موضحاً أن «من بين المقارّ المستهدفة من الهجوم ستّ وسائل إعلامية، وهذه مختارة بعناية، وأن مسؤولين في الدولة أظهروا نقاط ضعف، من خلال عدم توقّع الأحداث، وأن اختيار ألماتي هدفاً للمهاجمين ليس سدًى، فهذه المدينة هي إسطنبول كازاخستان، 40% من الاقتصاد فيها، وكذلك 70% من التجارة». ومن هذا المنطلق، يرى الكاتب أن «قوة التدخّل العسكرية بقيادة روسيا لم تكن لمجرّد التدخّل، بل لحماية المؤسسات المهمّة والاستراتيجية والغنية».
من جهته، ينتقد الكاتب المعروف، حسن بصري يالتشين، في صحيفة «صباح»، النُّخب التركية، التي تستقي، بحسبه، معلوماتها عن كازاخستان من المصادر الروسية أو الغربية. وبرأيه، فإن «هذه مشكلة كبيرة». ويَعتبر يالتشين أنه «من اللافت ألّا يَصدر صوت من نور سلطان نزار باييف، على رغم أنه كان الرجل المطلق خلال الثلاثين سنة الماضية»، لافتاً إلى أن «الرئيس توكاييف بادر إلى إقالة نزار باييف من منصبه في رئاسة مجلس الأمن القومي». ويشير إلى أن «تركيا عرفت بهذا التباين، فقط من خلال بيان الرئاسة الكازاخية»، جازماً في الوقت ذاته أن «الاحتجاجات لم تكن بسبب الغلاء، بل بتحريض من جهات خارجية». وفي هذا الإطار، يتساءل: «هل هي روسيا أم الصين أم الغرب؟». ويجيب: «للوهلة الأولى يمكن إلقاء المسؤولية على الدول الغربية، لكن في دولة مثل كازاخستان لا يمكن استبعاد أن تكون روسيا هي المحرّك وهي المتدخّل». ويختم يالتشين بالقول إن «كازاخستان لا تزال علبة مقفلة أمام تركيا، ولا سيما في المجال الاجتماعي».

عن Z H