مجلة وفاء wafaamagazine
أصدرت الجمعية الدولية للاخصائيين الماليين اللبنانيين (LIFE) بياناً ردّت فيه على “قرار الحكومة اللبنانية بطلب المساعدة المالية من صندوق النقد الدولي وخطة الإنقاذ الاقتصادية المُحدثة”.
وجاء في البيان:
“ترحب الجمعية الدولية للاخصائيين الماليين اللبنانيين (LIFE) بقرار الحكومة اللبنانية ببدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على حزمة إنقاذ. كما ان الجمعية مسرورة بالتعديلات التي طرأت على النسخة النهائية من “خطة الانقاذ الاقتصادية” التي قدمتها الحكومة، والتي قمنا بتأييد بعض بنودها في ورقتنا الأخيرة التي تم نشرها في 20 أبريل، والتي تضم (1) توقعاً أكثر واقعية (وإن كان لا يزال طموحًا) لسعر صرف العملة، (2) نهجاً أكثر دقة فيما يتعلق بإعادة هيكلة القطاع المالي، يضم في ذلك لغة أكثر تحديدًا تجاه اتخاذ تدابير تعزيز حماية المودعين، بالإضافة إلى (3) تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي بشكل أكبر بما في ذلك الرعاية الصحية الشاملة.
وفي حين أننا لا زلنا نُثني على التقييم الصريح للوضع العام الذي تقدمه الخطة ونهجها الشامل، إلا انه من الضروري أن نسلط الضوء على بعض التعليقات المتعلقة بالافتراضات والنواقص والتطورات التي نشهدها على الأرض والتي لا تزال مدعاة للقلق بالنسبة لنا:
• بالنظر إلى تفاقم العجز المحتمل في الميزانية (خاصة بعد التباطؤ الاقتصادي الناتج عن فيروس COVID-19)، فإننا نشعر أن نهج الخطة “المرحلي”، وان كان شمولي، ليس جذريًا كفاية أو مفصلاً بالشكل اللازم لوضع لبنان على مسار مستدام للتعافي المالي. علاوة على ذلك، يندرج طلب لبنان ضمن “المسار الاستثنائي” “Exceptional Access” في صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يتطلب إجراءات مالية صارمة لسنا مقتنعين بأن التدابير التي تقترحها الخطة تلبيها بالكامل.
• وفي حين أننا نُثني على اعتراف الخطة بالحاجة إلى وقف الدعم المقدم لمؤسسة كهرباء لبنان، الأمر الذي نطالب به منذ عام 2017، إلا أن الخطة لا تتوقع حدوث ذلك بالكامل حتى عام 2024. كما أن الخطة لا تزال تشير إلى استراتيجية قدمتها الحكومة السابقة والتي لا تتحلى بالمصداقية والجدوى المطلوبة. وبالنظر إلى أن مؤسسة كهرباء لبنان لا تزال مصدرًا رئيسيًا للهدر المالي، فإننا ندعو إلى استراتيجية أكثر قابلية للتنفيذ وذلك لإصلاح مؤسسة كهرباء لبنان ومباشرة إلغاء الدعم المالي الذي تتلاقاه المؤسسة بشكل تدريجي.
• التمويل المطلوب لتحقيق الاستقرار في البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة أعلى بكثير من مبلغ الـ 10 مليار دولار أمريكي المتوقع من صندوق النقد الدولي والذي اتت على ذكره الخطة. كما أن أموال سيدر (CEDRE) التي أعادت الحكومة الفرنسية تأكيدها يوم الجمعة الماضي لديها العديد من الشروط وهي تضم القروض وضمانات القروض، كما انها غير مخصصة بشكل عام لضبط الوضع المالي ولكن بالأحرى للبنية التحتية والاستثمارات ذات الصلة. ولذلك، نأمل أن نرى إصلاحات هيكلية أكثر طموحا، بالإضافة إلى المزيد من الانضباط المالي وتعزيز سيادة القانون، الأمر الذي يُمكّن عودة تدفق رأس المال الخاص بما في ذلك الاستثمار الاجنبي المباشر في أقرب وقت ممكن، مما يساعد البلد في التقدم باتجاه الاستقرار الاقتصادي.
• ترى الجمعية بأن الخطة الحكومية يجب أن تتضمن استراتيجية لخصخصة المؤسسات المملوكة للدولة في المدى المتوسط وذلك لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والمساعدة في سد فجوة التمويل وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني. وليس من الضروري ان تعتمد هذه الاستراتيجية مسار البيع المباشر للأصول الحكومية ولكننا نعتبر بأن المزيد من المنافسة، ووجود ادارة مستقلة، وفرق الإدارة المهنية، وبيع جزء من تلك المؤسسات الحكومية سيساعد في زيادة قيمتها إلى أقصى حد في المدى الطويل، هذا بالإضافة إلى تحسين مستوى الخدمات. والجدير بالذكر، أن أي برنامج من هذا القبيل سيتطلب سلطة قضائية مستقلة وسلطات تنظيمية قوية، هذا بالإضافة إلى تقديم عمليات عروض مناقصات شفافة وتنافسية؛ وحيثما أمكن، استبدال الاحتكارات بالمشغلين المتنافسين ضمن بيئة تنظيمية سليمة.
• في حين أننا نؤيد الخطوات المتعلقة بمكافحة الفساد، إلا أن الخطة تفتقر بشدة إلى الدقة في التعبير. حيث أن الجمعية الدولية للاخصائيين الماليين اللبنانيين لا تزال تؤمن بأهمية توسعة دائرة التدقيق “الجنائي” المطلوب لمصرف لبنان (“BdL”) ليضم جميع الوزارات الحكومية والوكالات الرئيسية والهيئات العامة والأفراد الذين شاركوا في المناقصات الحكومية. كما يجب أن يبدأ هذا التدقيق على الفور وأن يشمل المجالات التي استهلكت معظم عائدات الحكومة على مدى السنوات الماضية مثل مؤسسة كهرباء لبنان.
• تذكر الخطة أن الإصلاحات “ستتطلب صلاحيات قانونية جديدة لكل من الحكومة وهيئات الرقابة ذات الصلة”. وعليه، فإننا نرحب بأي إجراء يساعد على تسريع تنفيذ الخطة، ولكننا في نفس الوقت نكرر دعمنا لتعزيز سيادة القانون وتطبيقه دون عوائق، وهو شرط مسبق لأي إصلاح يمكن الوثوق به. ويتطلب هذا نظامًا قضائيًا مستقلًا، لتطبيق القانون دون تحيُز وبشكل لا يتأثر بالسياسة، ويكون مرجع مستقل يراقب الصلاحيات الجديدة ذات المسار السريع التي يتم منحها للحكومة.
• في حين أننا نرحب بالانتقال المدروس إلى سعر صرف أكثر مرونة من أجل “منع الارتفاعات الاصطناعية في الاسعار والحفاظ على القدرة التنافسية”، فإننا لا نعتقد أن افتراض تخفيض قيمة سعر الصرف بنسبة 5 في المئة سنويًا مقابل الدولار الأمريكي بعد عام 2020 هو أمر واقعي، وذلك بناءً على الأدلة التجريبية والسوابق التاريخية، خاصة بالنظر إلى الاختلالات المالية الخارجية.
• لا تزال الخطة غامضة بشأن كيفية إعادة هيكلة القطاع المالي وإعادة رسملته بالكامل. ولكننا متشجعون كون الخطة تدرك الآن أن أي تأثير على المودعين يجب أن يُنظر إليه بطريقة مُنظمة وشفافة ومُشرعة بالكامل، على أن يكون هذا الاجراء هو خط الدفاع الأخير. ولكننا نعتبر في الوقت ذاته بأن التفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك لم يتم تجسيدها في الخطة. ونعتقد أيضًا أنه يجب أن تسير جنبًا إلى جنب مع الإصلاحات المالية والهيكلة الفورية والموثوقة والواسعة النطاق، والتي من دونها ستكون إعادة الهيكلة غير مجدية بل وانها ستؤدي إلى تعريض المودعين إلى الضعف المتزايد للائتمان السيادي، بالإضافة إلى احباط إعادة رسملة البنوك في المستقبل.
• تعترف الخطة المحدثة بأن الضوابط الفعلية لرأس المال التي تنفذها البنوك بشكل فردي هي “مصدر للمعاملة غير المتكافئة للمودعين مع استمرار وجود الثغرات التي يتم استغلالها”، وفي حين تشير الخطة إلى أن الحكومة ستتخذ إجراءات نحو تنفيذ ضوابط أكثر إنصافًا وشمولية، فإنها تٌقصر في طلب تشريعات فورية لضبط تحركات رأس المال، الأمر الذي يمكّن السيولة النظامية المتبقية من حماية إمدادات الغذاء والأدوية وغيرها من المستلزمات الضرورية، وفي الوقت ذاته يوفر الدعم اللازم للقطاعات المنتجة في الاقتصاد. واننا ندعم أيضا التدقيق في تدفقات رأس المال الخارجة منذ أكتوبر 2019 وذلك لضمان إجراء المراجعة المناسبة.
• في حين أن الخطة تتضمن بعض الإصلاحات الهيكلية المقترحة، إلا أنها لا تزال تفتقر إلى رؤية واضحة للبلد تنبثق منها مجموعة إصلاحات أكثر شمولية وتطبق بشكل فوري لبدء مسيرة الاصلاح نحو نموذج اقتصادي أكثر استدامة وإنتاجية للبنان.
يُعد طلب مساعدة صندوق النقد الدولي خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك، فإن أي أمل في الاستقرار سيتطلب قيادة اقتصادية صلبة وتوافقًا سياسيًا. كما سيتطلب نية حقيقية للإصلاح من جانب الأحزاب السياسية التي تمثل الائتلاف الحاكم، والتعاون بين جميع المعنيين. وفي هذا السياق، تجدر الاشارة إلى قلقنا من التوترات المتزايدة بين مجلس الوزراء ومصرف لبنان، اللذان سيحتاجان إلى العمل معًا خلال الأزمة أكثر من أي وقت مضى. تأمل الجمعية الدولية للاخصائيين الماليين اللبنانيين أن يشكل اعتماد الخطة حجر الأساس لمشاورات بناءة بين جميع الفُرقاء المعنيين، بما في ذلك المجتمع المدني وجمعيات الأعمال، وذلك لبناء اجماع وطني واسع وداعم مما يؤمن التنفيذ السريع للخطة.
حان وقت التنفيذ!
مجموعة الاخصائيين الماليين العالمين اللبنانيين “لايف” (LIFE)”.