مجلة وفاء wafaamagazine
نشرت وكالة «فرانس برس» تقريراً من بيروت، حول الفقر الذي أدّى الى انتشار ظاهرة المقايضة، إذ «مع تآكل قدرتهم الشرائية وموجة الغلاء الجنونية، يلجأ لبنانيون إلى نظام المقايضة لتأمين احتياجاتهم الأساسية وسط أزمة معيشية خانقة».
تعرض سيدة ثوباً مقابل الحصول على حليب وحفاضات لرضيعها، فيما تودّ أخرى استبدال ثياب طفلتها بمواد غذائية.
ويُعدّ الانهيار الاقتصادي، الذي يشهده لبنان منذ نحو عام، الأسوأ منذ عقود. ولم تستثن تداعياته أي فئة اجتماعية، وقد خسر عشرات الآلاف مصدر رزقهم أو جزءاً من مداخيلهم، وسط موجة غلاء غير مسبوقة وارتفاع في معدلات الفقر.
أمام هذا الواقع الجديد، لم يجد كثر خياراً سوى مقايضة أغراضهم. وأُنشئت لهذا الغرض صفحات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي.
على صفحة «لبنان يقايض»، التي ضمّت بعد أسبوعين فقط من إنشائها أكثر من 12 ألف مشارك، طلبت زينب (25 عاماً) مقايضة فستانها الأسود بحليب وكيسي حفاضات لطفلها (11 شهراً).
وتقول الشابة من مدينة طرابلس لوكالة «فرانس برس»: «لم أطلب يوماً شيئاً من أحد، وجدت أنّ المقايضة أفضل، سأكون مرتاحة أكثر لو عرضت شيئاً لا أحتاجه مقابل ما أحتاجه فعلاً».
حتى الأمس القريب، كانت العائلة تعيش في وضع «جيد». تؤمّن قوتها اليومي من دخل زينب في التزيين النسائي وراتب زوجها الموظف في شركة. لكن الحال انقلبت رأساً على عقب. فالشركة أقفلت أبوابها وسرّحت موظفيها، وزينب توقّفت عن العمل مع تفشي فيروس كورونا المستجد.
من دون سابق إنذار، وجدت العائلة الصغيرة نفسها في وضع لم تعتده، تزامن مع غلاء غير مسبوق. فارتفع سعر كيس الحفاضات، الذي اعتادت زينب شراءه الى 23 ألفاً بدلاً من 10 آلاف، وارتفع سعر علبة الحليب من 28 إلى 48 ألفاً.
وتقول زينب: «نصرف حالياً من مبلغ صغير ادخرناه، ولا نعرف ماذا سنفعل حين ينتهي».
لا دفع ولا شراء
على الصفحة ذاتها، كثيرات عرضن ملابسهنّ أو أحذيتهنّ مقابل الحصول على حفاضات أو حليب. وعرضت إحداهن ثياباً لابنتها (5 سنوات) مقابل الحصول على «مواد غذائية».
وكتبت إمرأة ببساطة: «أريد حصصاً غذائية مقابل ثياب».
وعرضت نورهان من جهتها مقايضة صينية خشب لصديقتها التي يحتاج طفلها، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جلسة علاج فيزيائي.
وتقول نورهان لـ«فرانس برس» عبر «فيسبوك»: «كانت بداية تعرض الصواني للبيع، لكنني اقترحت عليها أن أعرضها للمقايضة، لأنّ الناس لم تعد قادرة على الدفع أو الشراء». وتضيف: «وافقت لأنّه لم يعد لديها أي حل آخر» بعدما فقد زوجها عمله قبل أشهر على غرار كثر غيره نتيجة الأزمة الاقتصادية.
لاقت نورهان تجاوباً واسعاً على الصفحة. فعرض أطباء خدماتهم، كما تلقّت تبرعات من أشخاص في لبنان وخارجه.
وبحسب عاملين في منظمات إغاثية ومتطوعين، فإنّ عائلات كثيرة كانت قادرة على تأمين قوتها اليومي، باتت اليوم عاجزة عن توفير أبسط المتطلبات من خبز وطعام ودواء، مع خسارة أفرادها عملهم أو قدرتهم الشرائية. ويتوقّع خبراء اقتصاديون اضمحلال الطبقة الوسطى.
ويقول حسن حسنة، الذي أنشأ صفحة «لبنان يقايض»: «بدأنا الصفحة لعدم توفّر النقد بين أيدي الناس، وسط شح في السيولة يزداد يوماً بعد يوم».
تضمّ صفحة أخرى اسمها «Libantroc»، أُنشئت قبل أشهر، أكثر من 50 ألف متابع، وتحوّلت سريعاً، بحسب مشرفين عليها، من صفحة مقايضة لتشمل طلبات مساعدة عدّة.
وتقول هلا دحروج، مؤسسة الصفحة: «كبرت الصفحة سريعاً، فقد ارتفعت أعداد العاطلين من العمل وارتفع عدد المعوزين».
وتتحدث عن أشخاص وجدوا أنفسهم مضطرين للنوم في الشارع بعدما فقدوا عملهم، ولجأوا إلى الصفحة لمساعدتهم في تأمين بدلات إيجار.
ولا يقتصر الأمر على وسائل التواصل الاجتماعي، فخلال الأشهر الأربعة الماضية، شهدت شيرين قباني إقبالاً غير مسبوق على محلها «ثياب العيد» المخصّص أساساً لتوزيع ثياب مستعملة مجاناً.
وتوضح: «عدد الأشخاص الذين أتوا أخيراً ووقفوا في طوابير أمام المحل من أجل الخبز فقط جنوني». منذ إطلاقها للمبادرة قبل 4 سنوات، كانت شيرين تتلقّى من متبرعين ثياباً مستعملة أو ضروريات تموين لتوزيعها على المحتاجين، لكن اليوم تغيّر الحال وبات المتبرعون والمستفيدون واحداً.
وتقول: «الأصعب أن أرى متبرعين كانوا يحضرون ثيابهم، وباتوا اليوم يريدون مقايضتها على مؤونة».
AFP