مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت الإعلامية وفاء بيضون في ” اللواء “
ثمة تطورات حصلت في الآونة الأخيرة على الصعيدين العسكري والسياسي، وخاصة بعد تصاعد مسار الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وبروز عناصر ميدانية جديدة تتعلق بقدرات المقاومة الصاروخية وثباتها في الميدان البري من جهة، وإعلان الكيان الإسرائيلي عن المزيد من القتلى والجرحى لديه وبدء المرحلة الثانية من عدوانه على لبنان من جهة ثانية. ووسط هذه المشهدية لم تغب طلائع التسريبات التي روّجت لها «تل أبيب» عن قرب الوصول لاتفاق مع لبنان برعاية دولية من شأنه أن يوقف إطلاق النار، ويجعل من القرار 1701 محط تنفيذ تدريجي إذا ما نجحت المساعي لتحقيق ذلك، ولا سيما أن لبنان أنهى دراسته للمسودّة، ووضع ملاحظاته عليها ليسلّمها للمبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين الذي زار بيروت واطّلع من رئيس مجلس النواب على ملاحظات الجانب اللبناني حول المسودة المطروحة في وقت أكد المعاون السياسي للرئيس بري علي حسن خليل ان لبنان وحزب لله وافقا على المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار مع بعض التعليقات على المضمون حسب قوله. وسبق ذلك اتصالات حثيثة أجراها بري مع باريس وواشنطن تتعلق بالشان نفسه.
إذن، الجبهة تشتعل من جديد في كل محاور القتال، وعلى وقع تصعيد لافت في العمليات العسكرية، برزت أوجهه من خلال الانتقال إلى مسار جديد في استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، خلال ساعات النهار بعد أن كانت تستهدف في الليل كما درجت العادة. ومن خلال رد المقاومة بشكل مركّز على قلب عاصمة الكيان «تل أبيب» في وضح النهار في استهداف لمقر وزارة الحرب وهيئة الأركان وما يسمّى بالجمع الحربي الاستخباري في «الكرياه» بسرب من مسيّرات قالت المقاومة إنها نوعية، وتتماثل مع استهداف المناطق اللبنانية وارتكاب المجازر بحق المدنيين لا سيما النازحين منهم.
تقول المصادر المتابعة إن الوضع في جبهة الشمال الفلسطيني مع لبنان مختلفٌ، بعد مصادقة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي على ما سُمّي بتوسيع العملية البرية، ليعلن الإعلام الإسرائيلي بعد ساعات فقط عن بدء المرحلة الثانية من الهجوم، ودخول الفرقة 36 في الجيش الإسرائيلي على خط المعارك، حيث تولت تعميق العملية البرية باتجاه مناطق جديدة في خط القرى الثاني، على الرغم من أنّ الإسرائيليين قالوا قبل أيام فقط إن العملية البرية في لبنان استنفدت أهدافها وأعادت وحداتها القتالية إلى خلف الخط الأزرق الفاصل بين الأراضي اللبنانية والفلسطينية المحتلة، ليبرز تطور ميداني آخر تمثل بمقتل سبعة جنود وضابط، إثر تفجير أحد المنازل التي دخلوا إليها عند مثلث «بنت جبيل – عيناثا – عيترون»، والذي يعرف بمثلث التحرير ما يضع الخطوة الجديدة من التوسّع المعلن أمام تحدّيات خطيرة إذا ما استمر الاحتلال بتنفيذها.
وبموازاة ذلك، تواصلت الغارات والمجازر الإسرائيلية المتنقّلة بين المناطق، وكان آخرها اغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب لله الحاج محمد عفيف النابلسي في رأس النبع، ليتبع ذلك استهداف آخر في منطقة مار إلياس في عمق العاصمة بيروت المصنفة آمنة، وخصوصاً في محافظة بيروت، في إطار ما يصفه الإسرائيليون بـ «العمليات الدقيقة»، ولو أنّها افتقدت الكثير من دقّتها في الآونة الأخيرة، بغياب معلومات موثوقة عن أهدافها الحقيقية خلافاً لما كان عليه الأمر في الأيام الأولى للحرب، حين كانت إسرائيل تسارع للإعلان عن اغتيالها قياديين في «حزب لله» بعد كل اعتداء كانت تقوم به على الأراضي اللبنانية.
أمام هذا المشهد، تطرح الأوساط المراقبة تساؤلات عدة حول أسباب وخلفيات التصعيد الإسرائيلي، والمرحلة الجديدة من الحرب، وفي نفس الوقت الانفتاح على مساعي وقف إطلاق النار. فهل يريد «نتنياهو» التفاوض تحت النار، أم أنها تريد من ذلك توجيه رسائل واضحة بحال لم يستجب لبنان لشروطها، وخاصة تلك المتعلقة بما يقوله الإسرائيلي عن تطوير للقرار الأممي ويسمح لكيانه بحرية الحركة في الأجواء والأراضي اللبنانية ساعة تستدعي الحاجة لدرء أي تهديد يراه داهماً على كيانه المحتل.
وتتابع المصادر قولها: «إنّ من يستمع إلى تصريحات قادة الكيان الإسرائيلي في الأيام المنصرمة، أكان على المستوى السياسي أو العسكري، يكتشف التناقض الواضح بين التصعيد ومواصلة الحرب حتى تحقيق الأهداف المزعومة، وبين الانفتاح على اتفاق لوقف إطلاق النار تسوّق له إسرائيل، ما يؤكد الرغبة الإسرائيلية بالذهاب إلى مفاوضات تحت النار، خلافاً للرغبة اللبنانية التي ترى المدخل لأية مفاوضات تنتج حلّا، هو وقف إطلاق النار أولًا ومن ثم الحديث عن التفاصيل الباقية».
وهذا ما يفسر المعنى الحقيقي المتعلق بالرسائل الى «حزب لله» ومن خلفه اللبنانيين، أن إسرائيل مستعدة لوقف إطلاق النار، وفق شروطها التي تتطلع إليها وأجندتها المعدّة مسبقاً تجاه لبنان والمنطقة.
في النتيجة، إن أية مرحلة جديدة ستقود المشهد إلى التعقيد وزيادة في إمعان الجريمة الإسرائيلية. في مقابل تطوير وانتقال بالرد من قبل المقاومة بما يتماثل واعتداءات الاحتلال من منطلق استمرار قاعدة الموجة القائمة على إيلام العدو في معركة أولي البأس التي يقودها الحزب ضد الكيان الإسرائيلي.