الرئيسية / سياسة / يونان: نضرع إلى الرب كي ينير ضمائر المسؤولين فيعملوا لحل الأزمات التي يرزح تحتها الوطن

يونان: نضرع إلى الرب كي ينير ضمائر المسؤولين فيعملوا لحل الأزمات التي يرزح تحتها الوطن

مجلة وفاء wafaamagazine

احتفل بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان اليوم، بالقداس الإلهي الحبري الرسمي لمناسبة عيد مار أفرام السرياني شفيع الكنيسة السريانية وملفان (معلم) الكنيسة الجامعة. وذلك في كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في مقر الكرسي البطريركي للسريان الكاثوليك، المتحف – بيروت. وعاونه القيم البطريركي العام وأمين سر البطريركية الاب حبيب مراد، وأمين السر المساعد في البطريركية الأب كريم كلش، في حضور بعض المؤمنين، فيما تابع المؤمنون القداس عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بسبب التدابير الوقائية المتخذة، نظرا لتفشي وباء كورونا.

بعد الإنجيل المقدس، ألقى البطريرك يونان عظة بعنوان “إن شئت فأنت قادر أن تطهرني” (مرقس 1: 40)، تناول فيها الأوضاع العامة في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط والحضور المسيحي فيها:

وقال: “على مثال شفيعنا مار أفرام، سعت كنيستنا السريانية أينما وجدت، شرق دجلة وغرب الفرات، في مشرقنا المتوسط كما في بلاد الانتشار، ورغم التشتت والاضطهاد والتهجير قسرا وطوعا، سعت أن تبقى أمينة لدعوتها، كنيسة رسولية، ناشرة حضارتها ذات الجذور الآرامية، مستشهدة ومعترفة في سبيل إنجيل المحبة والسلام”.

وأضاف: “نحن في الوطن الغالي والمميز لبنان، نعتبر أنه واجب علينا كما على غيرنا من مختلف الطوائف، كبيرة كانت أم قليلة العدد، أن ندافع عنه، وطنا حرا، وطنا للجميع، وطنا لكل الطوائف وليس حكرا على طائفة أو دين. ونحن مقتنعون بأن لبنان أولا وأخيرا يبنى بشعبه ويزدهر بأبنائه وبناته المؤمنين به، وطنا نهائيا للحرية، وللمشاركة التوافقية الحضارية، وهو الوطن – الرسالة للعالم أجمع، على حد تعبير البابا القديس يوحنا بولس الثاني. إننا نضرع إلى الرب كي ينير عقول المسؤولين في لبنان وضمائرهم، ليعملوا جادين وجاهدين في سبيل إيجاد الحلول للأزمات التي يرزح الوطن تحت وطأتها، سياسيا واقتصاديا وأمنيا وماليا، وبخاصة تداعيات الجريمة الرهيبة بتفجير مرفأ بيروت، ونطالب بمحاسبة المجرمين وعدم تمييع التحقيق وإدخاله في المهاترات السياسية، وكذلك الإفراج عن أموال المودعين وجنى أتعابهم المحتجزة في المصارف، ومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، فضلا عن جائحة كورونا التي تتطلب العناية الخاصة بالقطاع الطبي والاستشفائي، وتأمين اللقاحات وتوزيعها بعدالة وشفافية ومهنية مطلقة. كما نناشد المسؤولين الترفع عن المصالح الشخصية والفئوية والحزبية والمسارعة إلى تشكيل حكومة، بعيدا عن تناتش الحصص والادعاء بصحة التمثيل والمحافظة على حصص المسيحيين، لتبدأ بالإصلاحات قبل أن يفوت الأوان وينهار ما تبقى من مقومات الدولة”.

وتابع: “إننا نصلي من أجل سوريا العزيزة، كي تتابع درب استعادة عافيتها رغم هول المآسي وسنوات الحرب والمحنة التي ألمت بها، إذ تدهور الاقتصاد ومستوى المعيشة وهاجر الكثيرون من أبناء الوطن بحثا عن عيش كريم ووضع أفضل. وإننا نجدد نداءنا ودعوتنا إلى المسؤولين عن القرار في العالم وإلى جميع أصحاب الإرادة الصالحة، للسعي الحثيث إلى رفع العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة على الشعب السوري الذي يعاني الظروف العصيبة، كي يبقى لديه بريق أمل في مستقبل زاهر في أرضه”.

وأشار إلى مآسي المسيحيين في العراق قائلا: “نضرع إلى الرب يسوع أن يكلل زيارة قداسة البابا فرنسيس إلى العراق بالنجاح التام. ونرجو أن تحمل هذه الزيارة البابوية بلسما ومواساة وتشجيعا لأولادنا كي يبقوا متجذرين في أرضهم، متساوين مع أقرانهم بحقوق المواطنة كاملة. كما نأمل ألا تقتصر الزيارة على لقاءات بروتوكولية للرئاسات المدنية وبعض المراجع الدينية، باسم الحوار الذي يكتفي بالأقوال والبيانات. ففي العراق الغالي علينا، أصيبت كنيستنا في الصميم، جراء العنف التكفيري والفوضى الضاربة أطنابها في غالبية المناطق. وأكبر شاهد على قولنا هذا، كاتدرائيتنا في بغداد، “سيدة النجاة” التي قدمت عشرات الشهداء قبل عشر سنوات ونيف، وبعدهم الاقتلاع الإجرامي لعشرات الآلاف من الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى، لا لشيء سوى تعلقهم بإنجيل المحبة والسلام، وإيمانهم بقيامة وطنهم، راجين من أقرانهم ذوي الغالبية الدينية أن ينهوا صراعاتهم الطائفية، ويغلبوا الخير، ويفعلوا ثقافة المحبة”.

وتكلم عن معجزة شفاء الأبرص التي قام بها يسوع، والتي تحييها الكنيسة السريانية في هذا الأحد الثاني من الصوم: “فالأبرص هذا الرجل الذي شوه المرض البغيض جسمه وهمشه المجتمع، وفرضت عليه الشريعة الموسوية المحرمات. نراه يسرع نحو يسوع، غير مبال بالأعراف وتحريم الناموس، ويتوسل إليه جاثيا: “إن شئت فأنت قادر أن تطهرني”. وبلمسة حنان من الفادي “قد شئت فاطهر”، ينقلب الأبرص إلى شخص آخر، يتعافى ويكتشف إنسانيته التي افتقدها، ويلهج بتمجيد الله والاعتراف بقدرته، ويعود إلى الحياة مع الجماعة التي نبذته”.

وانتقل البطريرك يونان إلى الكلام عن وباء كورونا وتداعيات تفشيه في لبنان والعالم، فقال: “ما أشبه حالة المصابين بالوباء المسمى كورونا، بمأساة ذاك الأبرص الذي تحنن يسوع عليه، وأعاده سليما معافى! مر عام على انتشار هذا الوباء المريع في العالم أجمع، مخلفا أعدادا كبيرة من الوفيات، وعشرات الملايين من الإصابات. لقد فرض عزلة مرعبة على الأفراد والعائلات والمجتمعات والشعوب، فحجر الكبار والصغار، وأغلق المدارس والجامعات، وحرم التلاميذ طويلا من التواصل الشخصي مع أقرانهم ومعلميهم، والذي استبدل بالتواصل “الافتراضي ONLINE”، وسبب الأضرار الجسيمة في الأنظمة الاقتصادية والمعيشية، سيما في البلدان النامية والفقيرة، وهي الأقل حظا في الحصول على اللقاحات، ومنع الكثيرين من العمل سعيا وراء لقمة العيش، وجعل مناطق كثيرة شبيهة بالسجون. إجراءات وقائية تتخذها البلدان حائرة، وتسارع محموم لا مثيل له لشركات الأدوية، تتبارى في البحوث لاكتشاف اللقاح الواعد بالحماية. كم سمعنا ولا نزال نسمع بمقولة “التباعد الاجتماعي” التي أضحت على كل لسان، كوسيلة ضرورية لتجنب العدوى! هل نحن حقيقة مدركون كم لهذا التباعد من آثار سلبية في المستقبل؟

وقال: “عندما تحل الويلات الطبيعية وكوارث الحروب في منطقة ما، يتسارع الناس للالتفاف حول بعضهم للتخفيف من نتائجها الوخيمة. يزدادون اقترابا، يتضامنون ويواسون أحدهم الآخر، كما أنهم لا يهابون مرافقة موتاهم إلى مثواهم الأخير. أما في هذه الأيام العصيبة، فيزداد الكلام عن “التباعد الاجتماعي”، الذي يخلف الإنعزال خوفا من انتقال العدوى، ويفرض العزلة على المصابين، لا سيما المسنين، الذين يحتاجون، أكثر من أي شيء في وحدتهم المرعبة، إلى مشاهدة ذويهم، يستمدون منهم دفء الحنان والمحبة. وبسبب العزلة الخانقة، قد يموت المصابون نفسيا، قبل أن يقضي المرض على أجسادهم المنهكة”.

وتساءل: “ماذا نقول عن فراغ كنائسنا من المؤمنين المشاركين في الصلوات وذبيحة القداس أيام الآحاد والأعياد؟ لقد كانوا فيما مضى يؤمونها، حتى في أحلك الأوقات والظروف، كي يستمدوا المعونة والعزاء الروحي من الرب الإله المعزي. فهل يستطيع الحجر في المنازل والمشوب بالقلق النفسي، أن يعوض عن المشاركة مع الجماعة الكنسية، كما يتغنى البعض من وقت إلى آخر، بالإيجابيات التي يحملها هذا الوباء – الآفة، إلى عالمنا اليوم، إنسانيا ومناخيا، وإلى الأفراد والعائلات، إيمانا متعمقا وملتزما!”

وأعرب عن مشاركته المؤمنين “القلق وأنتم في معترك المعاناة الصحية والمعيشية التي تزداد سوءا، نصلي اليوم من أجلكم، ضارعين إلى الرب يسوع، الطبيب السماوي، الذي لمس الأبرص فشفاه، أن يلمس المصابين بالوباء، فيشفيهم ويقويهم. نقدم ذبيحة القداس الإلهية هذه، بنوع خاص، من أجل المرضى الذين يصارعون العدوى في عزلة ووحدة، ومن أجل ذويهم المبعدين عنهم، ومن أجل الجسم الطبي والتمريضي الذي يبذل التضحيات الفائقة في سبيل شفائهم. ونسأل الله، ينبوع المراحم، أن يزيدنا إيمانا، ويملأ قلوبنا رجاء، ويحول ضعفنا إلى قوة، ويمنحنا عافية النفس والجسد، فنتابع بالفرح والأمان مسيرتنا الروحية نحو قيامته المجيدة”.

وأسهب في الحديث عن سيرة القديس أفرام السرياني، وأبرز محطات حياته وأعماله، والمواضيع العديدة التي تناولها في كتاباته، من ميامر (قصائد) ومداريش (مواعظ)، واصفا إياه ب”شمس السريان، وكنارة وقيثارة الروح القدس، والمنارة الروحية التي شع نورها في العالم أجمع، من وعظ وتعليم وإنشاد وشرح للكتاب المقدس، والتغني بأسرار الخلاص وصفات العذراء مريم والدة الإله والقديسين، وتميز بعيش المحبة المعطاءة نحو القريب والغريب”، مشيرا إلى أنه ظل “شماسا، أي خادما متواضعا طيلة حياته، وتكرس لخدمة الكنيسة بروح الطاعة لرؤسائه الأساقفة، لا سيما أسقفه مار يعقوب النصيبيني، وملتزما، وهو في وسط العالم، بحياة الزهد المتميزة بروحانية المشورات الإنجيلية، فكان رجل صلاة وتأمل وعمل، منه نتعلم معنى الإيمان، مع الإلتزام بقضايا المجتمع المضطرب، وقد اختبر معاناة التهجير قسرا عن موطنه الأول نصيبين إلى الرها، لذلك نراه يفكر أيضا بالغرباء، أي المهجرين أمثاله، ويتعاطف معهم ساعيا لعيش شهادة المحبة الحقيقية”.

وختم يونان بتوجيه المعايدة بعيد مار أفرام السرياني إلى الإكليروس والمؤمنين في كل البلدان شرقا وغربا.

الوكالة الوطنية للاعلام