السبت 05 تشرين الأول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
لم يكن ينقص صورة الدولة المتآكلة تحت وطأة القصور الهائل في معالجة الازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية المتراكمة سوى ان تنحرف السلطة نحو أسوأ الاتجاهات التي يمكن، في حال المضي نحوها، ان ترتب على البلاد مزيدا من الانزلاق نحو تكاليف باهظة على البلاد داخلياً وخارجياً، والمقصود بذلك الاتجاهات القمعية للاعلام التي تسربت عن جلسة مجلس الوزراء الاخيرة.
فلم يكن غريباً اطلاقا ان تضج المنتديات السياسية والاعلامية والصحافية والنقابية أمس بهذا المنحى الذي اتخذ طابعاً بالغ الخطورة في ظل تفاقم التداعيات التصاعدية لازمة السيولة بالدولار والتي عادت تضغط بقوة على الواقع المالي والاقتصادي والاجتماعي، فيما وجدت السلطة الوقت الفسيح والمتسع لاطلاق النقاشات “التمهيدية” لاتجاهات قمعية في حق الاعلام بمختلف قطاعاته لالباسه رداء المسؤولية الزائفة في الازمة وتحميله ما يفترض ان تتحمله مناكب المسؤولين والمؤسسات الرسمية المعنية على اختلافها في بلوغ الوضع هذا الدرك من التدهور والتراجع.
وبدا واضحا ان ثمة حاجة متعاظمة لدى معظم مكونات السلطة الى ان تلزم الصمت في هذا الاتجاه توفيراً لمشاريع اشتباكات سياسية داخل الحكم والحكومة، فكان ذلك اشد سوءاً من انخراط البعض الاخر من السلطة في حماسة منقطعة النظير للاقتصاص من الاعلام وتدجينه ومنعه من التعبير الحر عن كل ما تخلّفه الازمة من تداعيات ونتائج كارثية. لا بل ينبغي الاشارة هنا الى ان بعض الجهات السياسية المعارضة كانت أساساً في أجواء تخوف من بروز اتجاهات قمعية وانتقامية لا تقتصر على محاولات تدجين الاعلام بل تتمدد نحو كلام عن الاقتصاص من شخصيات ومسؤولين سابقين ذوي اتجاهات سياسية محددة ولا تطاول سواهم من الذين يتحملون مسؤوليات حالية او سابقة بما يعني الاجهاز الفعلي على اي رهانات جادة على الاصلاح ومكافحة الفساد وتحوير الشعارات المرفوعة في هذا المعنى في اتجاهات سياسية تخدم قوى معروفة لا أكثر ولا أقل.
واذ تراقب الاوساط الاعلامية بكل اتجاهاتها المنحى الطالع على أمل ألا تتورط “أجنحة” الحكم والسلطة في تحدي المنطق والعقلانية والتراجع عن أي محاولات ستتخذ واقعياً طابعاً قمعياً يهدد بتداعيات سلبية للغاية، فان المعلومات التي توافرت أمس في هذا السياق اشارت الى ان قوى عدة داخل السلطة بدأت تتحرك لمنع الانزلاق في هذا الخطأ بعدما تصاعدت ردود الفعل والتحذيرات من المناخ البوليسي الذي اشاعته مناقشات مجلس الوزراء وبعض التصريحات “الحامية” أو المتسرعة أو المتسمة بتهور لبعض الوزراء في هذا السياق.
وزراء الاتصالات
ولعل ما زاد المناخ السياسي والاعلامي سخونة ان موضوع دعوة المدعي العام المالي القاضي علي ابرهيم كلاً من وزير الاتصالات محمد شقير ووزيري الاتصالات السابقين جمال الجراح وبطرس حرب للاستماع اليهم في ملف الاتصالات الذي تدرسه لجنة الاتصالات النيابية قد اثار بدوره توترات مكتومة بين بعض اطراف السلطة، نظراً الى استبعاد الدعوة وزراء آخرين سابقين ذوي اتجاهات سياسية أخرى. وقد رفض شقير والجراح تلبية دعوة المدعي العام المالي، فيما لباها حرب الذي أصدر بيانا شرح فيه دوافع قبوله الدعوة والعناوين الاساسية التي شرحها للمدعي العام المالي، محذراً من حمايات سياسية للفاسدين.
وأوضح الجراح اسباب عدم قبوله الحضور فقال ان “هناك إجراءات يجب أن نتبعها بحسب الأصول، وهناك قانون يرعى العلاقة بين الوزراء والقضاء والنيابية العامة المالية، ونحن تحت سقف القانون وليس لدينا ما نخبئه على الإطلاق. وحين طرحت لجنة تحقيق نيابية قلنا إننا مستعدون لهكذا لجنة، شرط أن تكون علنية وبوجود وسائل الإعلام كافة. لا مانع لدينا أبدا في ذلك، لكي يطلع الرأي العام اللبناني على كل الحيثيات ونضع حداً لهذه الاتهامات والتجني الحاصل من قبل أشخاص مسؤولين مع الأسف، يطلقون كل يوم خبرية، ويشكلون رأياً عاماً في البلد بأن هناك فساداً وهدراً في وزارة الاتصالات”.
وسئل: ألا يحق للمدعي العام المالي طلب وزير للاستماع إليه، فأجاب: “قانوناً لا. حتى المدعي العام المالي حين اتصل بالوزراء، تحدث عن ذلك في الإعلام، وهذا أمر مخالف للقانون. ثانيا، لا بد من أخذ رأي مدعي عام التمييز في هذا الموضوع، وهذا لم يحصل. ونحن من جهتنا، حين يكون الإجراء قانونياً وبحسب الأصول ندرس الموضوع”.
على الصعيد السياسي، نفى رئيس الوزراء سعد الحريري أن يكون قد تم تعليق العمل في مشروع قانون الموازنة لسنة 2020، في انتظار الاتفاق على الإصلاحات اللازمة، وقال: “نحن نعمل على كل الملفات في وقت واحد، ولذلك ترون في هذه الأيام تركيزاً على الإصلاحات، لمعرفة ما يمكن إدخاله ضمن الموازنة المقبلة”.
ووصف الرئيس الحريري لقاءه أمس ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، بأنه كان “جيداً جداً”، وقال: “أنا أرى أن هناك بالفعل هجمة غير طبيعية على البلد. صحيح أنه لدينا مشاكل، لكن الحكومة تعمل لكي تجد حلولاً لهذه المشاكل، وأتمنى على من يتحدث في الاقتصاد أن ينطلق من الواقع الذي نعيشه. هناك جهد كبير تقوم به الحكومة، وإن شاء الله سنخرج من هذه الأزمة”. وعن ترميم العلاقة مع باسيل قال: “أصلا لم يحصل شيء لهذه العلاقة لكي يتم ترميمها”.
اضرابات
اما في تداعيات ازمة السيولة بالدولار، فبرزت مجدداً اتجاهات في قطاع المحروقات الى الاضراب اذ امهلت نقابة المحطات واصحاب الصهاريج وموزعي المحروقات الحكومة الى الاثنين المقبل لتلبية مطلبهم التسعير بالليرة من الشركات ومنشأت النفط التابعة للدولة، مؤكدين الاضراب الشامل بدءاً من الاثنين. كذلك أعلن اتحاد نقابات المخابز والأفران أنه سيدعو الجمعية العمومية إلى الانعقاد قريبا”لاتخاذ القرار المناسب لمواجهة هذه الازمة”.
وأشارت نقابة الصرّاف بدورها إلى أنها ستعلن قرارها بتوقف كامل قطاع الصرافة عن العمل وصولاً الى إقفال محالها “إذا استمر تجاهل حقيقة نشاطها القانوني واتهامها المجحف”.
النهار