مجلة وفاء wafaamagazine
إستأثر الحدث الروسي – الأوكراني بالمتابعة الشعبية والسياسية، ليس فقط بفعل تحوّل العالم قرية كونية، بل بسبب انّ الشعب اللبناني مسيّس ويتفاعل مع قضايا العالم، ما انعكس انقساماً بين من يدعم موسكو وبين من يدعم أوكرانيا وبين من يعتبر انّ هموم الدولة اللبنانية الصغيرة تكفيها لتفكِّر بنفسها بعيداً من هموم العالم وما يحصل على الكرة الأرضية.
ولم يقتصر الانقسام السياسي على الرأي العام، بل انتقل إلى داخل السلطة نفسها على إثر بيان وزارة الخارجية اللبنانية الذي استنكر «الاجتياح الروسي»، فقامت الدنيا ولم تقعد على وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، الذي تُرك وحيداً وكأنّه تفرّد بالبيان من دون استشارة أحد، علماً انّ القاصي يعلم والداني ايضاً، انّ البيان لم يصدر سوى بعد موافقة المعنيين في السلطة التنفيذية. والأطرف من ذلك، انّ الخلاف انتقل إلى داخل فريق رئيس الجمهورية، او انّ التباين مجرّد توزيع للأدوار أدّى وظيفته في الاتجاهين:
الاتجاه الأول، مخاطبة واشنطن والعواصم الاوروبية بأنّ العهد يتناغم مع سياساتهم في مرحلة هو أحوج ما يكون فيها إلى إعادة ترميم علاقاته مع هذه العواصم، خصوصاً في الأشهر الأخيرة من الولاية الرئاسية، وفي محاولة للربط والشبك معهم تمهيداً للاستحقاق الرئاسي المقبل.
الإتجاه الثاني، ترييح الحلفاء في الداخل والخارج بدءاً من «حزب الله» مروراً بإيران وصولاً إلى موسكو، بأنّ العهد ما زال ضمن هذا المحور ولم يبدِّل في سياساته، وما حصل ناتج من سوء تفاهم او بالأحرى سوء تنسيق أدّى إلى ما أدّى إليه.
وقد أعاد بيان وزارة الخارجية النقاش حول سياسة «النأي بالنفس» وانقسمت الآراء بين ثلاث وجهات نظر أساسية:
ـ الوجهة الأولى تصدّرها «حزب الله» منتقداً إقحام لبنان نفسه في مواجهة لا ناقة له فيها ولا جمل، وانّه قد يكون الدولة العربية الوحيدة التي تبرّعت بموقف من هذا القبيل.
– الوجهة الثانية، انتقدت موقف «حزب الله» المنتقد لبيان وزارة الخارجية من منطلق انّه لا يحق لمن يقحم لبنان في سياسة المحاور ويقاتل في سوريا والعراق واليمن ان يعطي دروساً في «النأي بالنفس».
ـ الوجهة الثالثة، اعتبرت انّ بيان وزارة الخارجية لا يعدّ خروجاً عن سياسة «النأي بالنفس»، إنما يندرج في إطار الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية والقانون الدولي التي تشكّل الضمان الأساسي لحماية السلم والانتظام الدوليين وسلامة أراضي الدول الصغيرة.
وأكّدت اوساط سياسية واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية»، انّ الأميركيين هم الذين دفعوا في اتجاه صدور البيان اللبناني الرسمي المندّد بالاجتياح الروسي لاوكرانيا، بعدما لمّحوا الى انّ «هذا الموقف ضروري لتسهيل الحصول على مساعدات صندوق النقد الدولي».